الإنسانُ اليمني أمام صَلَفِ الشيطان الأكبر
فارس السخي
اليمنيون عبر التاريخ [يُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ]، هذه قاعدة عامة، وَإذَا أردت دراسة الإنسان اليمني فهذا هو الدرس الأول، سواءٌ أكنت باحثًا في التاريخ أَو علم النفس أَو علم الاجتماع، أَو أي علم آخر.
وجه اليمني عبر التاريخ أهم من قلبه، وحينما أقول وجه اليمني فأنا أقصد ماء وجهه، أما الموت فهو بالنسبة لليمني محض انتقاله إلى حياة أُخرى، وهو في كُـلّ الأحوال لا يخشى مغادرة الدنيا إلى الآخرة، ولكنه يفكر ألف مرة: “بأي وجه أقابل الله في الآخرة؟”
لهذا، وَإذَا أردت إصابة اليمني في مقتل فلا تصوب إلى صدره رصاصة، بل امسك ذقنك بيدك فحسب، وقل له: “الله المستعان”!
لهذا أَيْـضاً يمكنني إخباركم بيقين العارفين أن اليمني لا يهاب الموت عادةً، لا يمكنك تخويفه به، حتى الأطفال في اليمن يفرحون بالرصاص كـفرحتهم بحلويات العيد، بالطبع هذا لا يعني أن اليمني لا يقدر قيمة الحياة، ولكنه يفلسفها على نحو أعمق، وأكثر حكمة، ببساطة؛ لأَنَّه عرفها عبر التاريخ وسبر أغوارها، خبرها بمختلف أطوارها، هو يعرفها منذ فجر التاريخ؛ لأَنَّه موجود منذ ذلك الفجر.
تاريخه ليس “بن يومين” وخبرته في الحياة تسبق عصر “الكوكا كولا” بآلاف السنين؛ لهذا، ولأنه بها خبير، فالحياة عنده لا تعني العيش فحسب، وإنما تعني العيش بكرامة، وبدون الكرامة تكون قيمة الحياة عند اليمني صفرية.
أيضاً، ولهذا فقلبه أصفى من نبع، ورأسه أصلب من جبل، فالحياة عند اليمني أغلى وأكثر قيمة من أن يحصرها في ذاته؛ لأَنَّه يعرف تماماً ويضع في حسبانه أن مواقفه في الحياة ستؤثر من بعده حتى على حياة أحفاده، ماء وجوههم، وفي اليمن بالذات يتوارث الأحفاد شرف الأجداد، والعكس صحيح.
لكل هذا، ولأمور ما زال يخفيها يعقوب لحاجةٍ في نفسه، فَــإنَّ اليمني لا يخشى الحروب ولا يخيفه أزيز الرصاص واللعلعة، وَإذَا حن داعي الموت فَــإنَّ هذا من دواعي سروره، ليس؛ لأَنَّه متهور بالطبع، ولا؛ لأَنَّه لا يعرف ما هي الحروب، ولكن؛ لأَنَّه أكثر حكمة من أن يحصر حياته بسنين عمره، إنه يحاول تخليد الحكاية فحسب، وهو يخبر أحفاده الأبعدين، لا أكثر: “إني أورثتكم كرامة تناطح الجبال، غابراً عن غابر، فحافظوا عليها، أضيفوا إليها شرفاً جديدًا، كرامة تناطحون بها السحاب! ارفعوا رؤوسكم وليس أيديكم”.
في اليمن على هذا النحو ملايين ناطحات السحاب، ولهذا فقد كان ميدان السبعين مكتظاً بناطحات السحاب، ينبغي التنويه إلى هذا الأمر، ينبغي عليكم معرفة فروق التاريخ: كُـلّ رجل ذهب إلى ميدان السبعين، أَو إلى أي ميدان آخر في جميع ساحات اليمن، لم يذهب إلى الميدان وحده، لقد ذهب معه كُـلّ أسلافه العظام وأجداده الغابرين.
لهذا فقد ذهب ورأسه مرفوعًا إلى السماء، ليس وحده وإنما كان حيدرة الكرار معه، الأنصار معه، مالك الأشتر معه، ذو القرنين وسيف بن ذي يزن كانا معه، بلقيس وأروى كانتا معه، وشمر يهرعش من أبواب سمرقند جاء معه، كرب إيل وتر وأسعد الكامل.. جميعهم ذهبوا إلى ميدان السبعين معه.
ذهب إلى الميدان وكان آدم ونوح وهود وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد معه، الليل والنهار كانا معه، أَيْـضاً أحفاده وعقبه والآتون من بعده قد أرسلوا معه كرامتهم وشرفهم وعزتهم التي لم يمسها أذى، وقبل كُـلّ شيء كان موقناً أن الله معه.
لقد كانوا جميعاً يهتفون بهدوء من يمشي على الدرب تائه الخطى حذراً، ببأس من عرك التاريخ وتعارك معه، فأدرك التاريخ بعد حين أنه هو الخطر!
بهدوء من يعرفون أن صوتهم الهادئ عاصفة، وصوتهم الأشد قاصفة، وصوتهم الأعلى لا يعني إلا أنها أزفت الآزفة، كانوا جميعاً يهتفون بملء الكون معه: “تحالف حماية سفن العدوّ لا يرهبنا”!
فلماذا لا تعيدوا قراءة الإنسان اليمني كرتين إذن؟
ولماذا لم تفهموا أن رقبة اليمني عصية، ومهما طال بكم الزمان فلن تشاهدوها قط محنية؟