وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها
مطهر يحيى شرف الدين
وأنا أقرأ ما تيسر من القرآن الكريم تستوقفني الكثير من الآيات الكريمات والتي تثبت لنا عظمة الله وقدرته وكماله وقربه من خلقه وحبه العميق لعباده الصالحين، وترشدنا أَيْـضاً إلى أن القرآن لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، وأنه ذلك الكتاب الذي لا تنتهي غرائبه ولا تنقضي عجائبه.
ومن تلك الآيات قوله سبحانه:
“وما تسقطُ من وَرقة إلا يعلمُها”.
وقوله سبحانه:
“لا يَحطمنّكم سُليمانُ وجنودهُ وهم لا يَشعرون”.
فإذا كان علم الله يحيط بورقةٍ تسقط من شجرة فكيف بعلم الله وإحاطته بعينٍ بكت من خشيته أَو سقوط دمعة عين إنسان مظلوم قال عنه الله سبحانه:
“وكان حقاً علينا نصر المؤمنين”.
والله سبحانه الذي رفع من مكانة الإنسان وكرمه فقال:
“ولقد كرمنا بني آدم”.
وجاء في الحديث الشريف: “لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم مسلم”.
أفلا يعلم الله تلك الدموع وَالمعاناة وتلك المشاعر الحزينة المكلومة والقلوب المنكسرة من قبل الظالمين والطواغيت المستكبرين!!
وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلوات الله عليه وآله قال: ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الربُّ عز وجل: “وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.
والله تعالى القائل عن علمه بأفعال الظالمين الإجرامية في آيات عديدة:
“والله عليمٌ بالظالمين”.
عليمٌ وعالمٌ بإجرام أعداءه وَبانتهاكهم لحرمات الله وبعصيانهم لله واعتداءاتهم على خلق الله وسعيهم للنيل من الدين الإسلامي واستباحتهم للمقدسات الإسلامية، فالله لا يخفى عليه شيء في هذا الوجود حتى سقوط الورقة في الشجرة يعلمها فكيف يخفى عليه آلام وأوجاع المظلومين والمقهورين.
كما لا يحسب الظالمين والكافرين بممارستهم الإجرامية والوحشية والعدوانية أنهم بمنأى عن الوعيد الإلهي فالله سبحانه قد توعدهم بالعقاب والعذاب المهين والمقيم وَالدائم، يقول سبحانه:
“إنما نُملي لهُم ليزدادوا إثماً ولهُم عذابٌ مُهين”.
وَإذَا كان الله سبحانه قد سطر وخلد في كتابه العزيز حالة ووضعية حشرة صغيرة جِـدًّا خافت من النبي سليمان وجنوده لا يحطمُنَّ النمل وهم لا يشعرون.
فكيف بها عناية الله وتأييده لحالة الإنسان المسلم المخلوق أصلاً لعبادة الله، والذي لا يخشى إلا الله ولا يثق إلا بالله في كُـلّ أموره وفي شؤون حياته ويتوكل على الله وَيعبده ويسبحه ويذكره ويتضرع إليه بالدعاء.
أفلا يذكره الله باللطف والستر والعون وهو القائل:
“فاذكروني أذكركم”.
آية حملت في مضامينها وتفاصيلها كُـلّ معاني القرب العميق بين الخلق والمخلوق، وحب الله لعباده، فكيف ستكون رحمة الله وعنايته ونصره لعباده الذين جاهدوا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى وجاهدوا نصرةً لله وإقامة لدين الله، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله ويتولون الله ورسوله والمؤمنين، عرفوا وأدركوا حق الإدراك معنى قوله سبحانه:
“إن السمع والبصر والفؤاد كُـلّ أَولئك كان عنه مسؤولا”.
وقوله سبحانه:
“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون”.
أليس ما أن الإنسان المسلم المتحمل لمسؤولياته وهو بتلك الصفات الإيمانية والأخلاقية السامية والكمال الإنساني
بلا شك سيحظى برعاية الله وتأييده ونصره.
وفي هذا المقام وعن هذه العناوين يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه:
“الله رحيم بعباده رحيم بنا وهو الذي يعلم ما هو فعلاً رحمة بنا ويحقّق لنا الأمن، هناك في القرآن الكريم إذَا كنت تتدبر آياته وتعي وتفهم وتريد أن يكون لك موقف في هذه الحياة – ستجد من خلاله ما يحول بينك وبين أن تتأثر بأي كلام يقال للتثبيط أَو للصرف عن قضية يصورها لك بأنها تبدو غير ذات أهميّة.
كما يقول الشهيد القائد في درسٍ آخر عن نصرة الله للمستضعفين:
“هؤلاء هم المستضعفون الذين هم محط عناية الله ورعايته، ولاحِظوا القرآن الكريم كيف هو؟ تتجه آياته لتقول: أن المستضعفين هم من سيحضون بنصر الله وتأييده {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامان وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.