هل أتاك حديثُ السيد القائد.!!

عبدالإله محمد أبو رأس

وأنتم تشهدون معي -اليوم- نموذجاً فريدًا وقائدًا جسورًا شجاعًا يتحدى العقل والمنطق، ومن زال منكم لا يرى كُـلّ ما يحدث رغم تجلي حقيقته ندعوه إلى نظرة عادلة ومنصفة، وإلى رؤية واعية أعمق وأعرض باتساع العالم كله، وما شهدناه كان نتيجة تواقت غير طبيعي لمجموعة عوامل، تحالفت معها بنفس الوقت تحَرّكات ميدانية تمخض عنها موقف تاريخي هو في ذاته آية وكرامة لصاحبه، بمثل ما نقول عن القرآن بأنه معجزة وبمثل ما نقول عن الذات المحمدية بأنها منفردة في كمالاتها، نقول ويقول معنا الزمان، ويتحدث معنا التاريخ والمنطق واللسان عن ذلك القائد الثوري الحكيم الذي سوف يغير مجرى التاريخ..

كيف لا نؤمن بذلك ومن هذا الظلام الحالك والموج المتلاطم يولد النور ويخرج الجنين من بطن المأساة، وانظروا معي إلى هذه الملاحة الصعبة التي تمزقت فيها الشراع أكثر من مرة، واضطربت فيها الموازين السياسية، وتلاطمت فيها التيارات العارمة، واختلطت الرؤية على الرائي لكثرة الضباب، ارتفعت الصيحات تهاجم العمليات العسكرية -بخياراتها الاستراتيجية- وتتباكى على ضرب سفنهم ومصادر تمويلهم، وقطع شرايين حياتهم، ونسى أصحاب هذه الصيحات الظالمة أنها كانت معجزة أن يخوض هذا القائد في هذا الطوفان المتلاطم في أمواج تحطمت فيها الدفة والمجاديف، وهلكت سياسات واختفت زعامات، وغرقت رؤوس لعماليق جبابرة كانوا يصنعون الأقدار، ابتلعهم الموج وأصبحوا أثرًا بعد عين.

وبعد هذه العمليات العسكرية لا توجد حجّـة لمنكر، وأحداث الحاضر وشريط المواقف قد كشفت لنا -اليوم- عن النيات المضمرة، وعن القيادات الحكيمة ومواقفها البطولية كُـلّ يوم ولسنا بحاجة إلى المزيد، والسنوات القادمة حبلى بالمتغيرات والأيّام الحالية واضعة حِملها بالمفاجآت.

وأظن أن العين المنصفة لا تخطئ هذه التحولات، وتلك بعض تباشير الفجر الذي ولد من ليل المحنة، وأولى بوادر العثور على القائد -الذي صغُر في عينه أعدائه مستمدًا قوته من إيمانه- في زمان كاد يضيع فيه كُـلّ شيء ولا بدائل أُخرى.

ولا شك بأن السيد القائد حينما خاض في هذا البحر المضبب، والمعتم والمليء بالدوامات كان يعلم منذ البداية بأنه سيقاتل قوى الشر والاستكبار ومن ورائه تمويل غربي، ودعم وإسناد أمريكي، وتخاذل وذل عربي، ورأي عام عالمي لا يمَـانع من إبادة الفلسطينيين تحت مظنة التهم، وأبواق الدعاية والفضائيات تملأ الآذان بهذه الأكاذيب، والصحف تروج لهذه الافتراءات كُـلّ يوم، ولكنه ورغم كُـلّ ذلك لم يتراجع وأمضى مطمئناً متيقناً بأن أصعب المعارك لا يمكن أن يعطيها الله إلَّا لأقوى جنوده.

وعليه كان من الممكن للسيد القائد حيال ذلك أن يتخذ لنفسه قُدوة من أعراب اليوم وهم ملايين من حوله يُطبِعون مع إسرائيل، ويفاضون؛ مِن أجل شبر أرض!، ويتجرعون الصبر والمرّ والعلقم، ويهرولون وراء سلام أصبح من سابع المستحيلات، ويمضغون الحسرة ويبتلعون التنازلات تلوى الأُخرى، ولكنه آثر أن ينظر إلى الأمد البعيد! إلى المؤمنين الأوائل! إلى الوجوه النظرة بالإيمَـان، وإلى السيوف المشرعة والرايات الخُضر، والقلوب التي لا تعرف الخوف، واستطاع بذلك أن يصنع -بتحَرّكاته الميدانية- معجزة أذهلت العالم وأجبرت خبراء الاستراتيجيات من محلّلين سياسيين وخبراء عسكريين وصحفيين وإعلاميين التوقف عندها في دهشة.

وهذا يغرينا بقراءة الكف -أي كف التاريخ أقصد- والنظر في الكرة البلورية للمستقبل، والتعمق في الآيات القرآنية التي جاءت تفسيرًا لما يحدث اليوم (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) ونحن اليوم في صدد هذه الآية، وهذه هي النخبة من الرجال، هم صفوة هذا الزمان وطلائع هذا العصر، وهم الصفوة الذين اختارهم الله على عينه ليضرب بهم المثل على عظمة هذا الدين، وعلى معجزة التوحيد حينما تصنع شجاعة لا تساوم، وصلابة في الحق لا تلين، واقتحاماً في الموت لا يُرفُ له جفن.

وقد أراد الله أن يلقي -من خلالهم- الرعب في قلوب الكثير من أهل الدنيا سواءً اليهود والذين أشركوا ومن معهم من المنافقين أَو من الذين استناموا للذل وارتضوا المهانة، وأخلدوا للترف فماتت نفوسهم وهم أحياء، وماتت قلوبهم عن الحق وهي ما زالت تنبض، وماتت نفوسهم من التخمة ومن تعاطي اللذات، وتحولوا إلى خرابات تسكنها العناكب ويعشعش فيها البوم، وأصبحوا مُجَـرّد صور بلا مضمون وكلمات بلا معنى وَبلا حضور، وبالأصح خشب مسندة فهم أناس أصحاب هياكل كبيرة وأوزان ثقيلة، ومناصب رائدة لكن غير فاعلة؛ لأَنَّهم فقدوا الشجاعة والقدرة على التغيير، وأصبح وجودهم مُجَـرّد استمرار مثل الكتلة التي تتحَرّك بمُجَـرّد القصور الذاتي، وكمثل الحجر الساقط من أعلى المنحدرات.

ونحن نرى بذهول ما يجري أمامنا وكأنما هناك أيادي خفية من وراء ستار الأسباب تعد المسرح التاريخي لشيء، نعم! ما نراه نحن هو أيدي الرحمة تسوقنا سوقاً إلى مشيئة شاءتها الأقدار ونصوص قرآنية قضت به، والسيد القائد بهذا الإيمان اليقيني يعطينا -جمعياً- المثال الآخر للفجر الصاعد والشروق المذهل لنبع طاقة جديدة لا تفنى ولا تنفد، وإنما تصعد إلى السماء وهي تتوهج وتتألق أكثر وأكثر كلما زادت صعوداً.

والله ما زال يقدم لنا شواهد من تاريخنا المعاصر على صدق النوايا، وظاهرة الإعجاز ما زالت دائبة الفعل في التاريخ.

إذن خذوا العبرة يا عرب! من هذا الذي تشاهدونه أمامكم فَــإنَّه يذكركم بفجر قديم طلع على دنياكم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، وطالعوه في تأمل واعتبار فَــإنَّكم تطالعون فيه أجدادكم صناع الحضارة وبناة التاريخ حينما كانوا يرفعون هذا البناء العظيم لبنة بعد لبنة وسط أزيز السهام وجلبة الفرسان وصهيل الخيول ونيران المعارك.

وتلك آية لمن كان له قلب أَو ألقى السمع وهو شهيد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com