الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية والإرهاب
ق. د. يحيى أحمد الخزان
كتبت هذا المقال قبل سنوات، وهَـا هي الأحداث تتكرّر وبصورة أكثر وضوحا بشأن السياسة الأمريكية ودعمها اللامحدود للكيان الإسرائيلي.
وإذا كانت أمريكا عملت بصورة غير مباشرة في شن الحرب على اليمن خلال الثماني السنوات؛ فها هي تعلن الحرب صراحة لمساندة العدوّ الإسرائيلي رغم الفظائع الإجرامية التي ترتكب في غزة.
ولا يُستغرب مما تقوم به أمريكا تجاه خصومها والمناويين لسياستها الظالمة والمتحيزة، فهي دوما تلوح وتستخدم العقوبات والتجريم تجاه من يعارضها أَو لا يدور في فلكها.
لقد أظهرت غزة حقيقة العالم وكشفت المواقف واظهرت مدى ضعف وهشاشة الكيان الغاصب، وأبانت مدى ما وصلت إليه الكثير من دول العالم من تردي وتدني وفقدان القيم الأخلاقية والإنسانية.
وإذا كان أحرار اليمن قد هبوا لنصرة غزة، وتحرّروا من قيود وضغوط المستعمر الحديث وأدواته، فَــإنَّهم قد طبقوا المفاهيم الصحيحة والسليمة للنصرة.
والسؤال الذي نجد إجابته لدى أغلب شعوب العالم، لماذا يتفرد اليمن بهذا الموقف تجاه غزة؟
ولعل الإجابات عديدة ومتعددة، ولكن لا يجب إغفال أن النصرة تكون بالوسائل الممكنة والمتاحة..
فإذا كان العدوّ الإسرائيلي يقتل ويحاصر أبناء الشعب الفلسطيني ويرتكب أفظع الجرائم في غزة، فَــإنَّ الوسيلة المتاحة هي إغلاق باب المندب ومنع السفن الإسرائيلي وَالسفن المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية.
وقد عبرت حكومة صنعاء بوضوح عن ذلك الإجراء وباستفتاء ودعم الشعب اليمني، بل وتأييد الكثير من أحرار العالم.
إن تلويح أمريكا واستخدامها لسلاح العقوبات والتجريم للآخرين لم يكن بالجديد، ولكن الجديد مدى الاستجابة لتلك السياسة من المجتمع الدولي وبالخصوص الدول التي تأذت من السياسة الأمريكية، وبالذات من الحرب الاوكرانية، وما يُشاهد أن تلك الدول قد خالفت أمريكا في موقفها من تكوين تحالف وعسكرة البحر الأحمر؛ لإدراكها أن مصالحها الاقتصادية سوف تتأثر كَثيراً جراء توقف مرور السفن في البحر الأحمر، من حَيثُ ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين وانعكاس ذلك على مواطنيها، وبالذات بعد الخسائر الكبيرة في الحرب في اوكرانيا.
ولذلك فَــإنَّ أمريكا إذَا كانت تهدف إلى إعادة الاعتبار للكيان الصهيوني مما عاناه في 7 أُكتوبر وما يعانيه من خسائر العدوان على غزة.
فأمريكا تسعى إلى تقوية موقفها وموقعها في العالم، كذلك لا يمكن إغفال تأثير الانتخابات القادمة.
وما قامت به أمريكا من ادراج أنصار الله في قائمة الإرهاب، يتير السخرية، وبالذات في الوقت الحالي وعلاقتها وموقفها من قضية غزة والاعتداء على الأراضي اليمنية وقتل أبناء اليمن في البحر الأحمر.
كما يلاحظ أن أمريكا لا تستطيع ولا تجرؤ على خوض الحرب أَو الاعتداء على أية دولة ومواجهتها بمفردها، وإنما تستعين بدول أُخرى، ومع ذلك فهي دائماً تخسر وتهزم، وقد حصل ذلك مراراً.
الأيّام القادمة مليئة بالمستجدات، ولا أظن الدول المستفيدة من الملاحة في البحر الأحمر ستستمر في موقفها مما يجري، وننتظر مواقف جديدة ومتطورة.
(الولايات المتحدة الأمريكية والإرهاب):
السياسةُ الأمريكية تتبنى فلسفة التلاعب بالمصطلحات ومدلولاتها حسب الأهواء والتوجّـهات والمصالح النفعية، وفيما يتعلق بمصطلح الإرهاب واستعمالاته، تعمل أمريكا وحليفاتها على تكييف المصطلح حسب السياسات التوسعية؛ بهَدفِ إلصاق الإرهاب بالدول والجماعات التي ترفض الخضوع لسياساتها المتغطرسة.
ولعل التلاعب بالمصطلح واستغلاله بما يوافق التوجّـه الأمريكي في بسط الهيمنة وإخضاع الدول واستغلالها واستعبادها وتطويعها لتحقيق أهداف وغايات التوجّـه الغربي الأمريكي الصهيوني.
وتتبع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة المراوغة والتلاعب بالمجتمع الدولي وتوظيف الدول لتمرير توجّـهاتها وأهدافها، وفي سبيل ذلك يتم انتهاك القانون والدوس على حقوق الإنسان وكرامته وحرياته.
إن السياسة الأمريكية وانتهاكاتها لكل المواثيق والقوانين والقيم الأممية والإنسانية، قد ظهر جليًّا في الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها في العديد من دول العالم على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.
وللأسف أن العرب ما يزالون تنطلي عليهم خُدَعُ وأكاذيبُ النظام الأمريكي، ففي العام 2013م شاهدنا ذلك الخداع والزيف، أثناء زيارة الوفد اليمني إلى أمريكا.
ومن الشواهد زيارة الوفد للكونجرس الأمريكي، فقد توجّـهت بسؤال لأحد أعضاء الكونجرس: كيف توفق الولايات المتحدة بين انفاذ القانون ومكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان؟ وهل أنتم منخرطون في الاتّفاقية الدولية لمناهضة التعذيب؟ وما يجري في سجن غوانتنامو ماذا تطلق عليه؟.
أجاب بامتعاض وتكشير: ماذا تقصد أننا عندما نطعمهم بالقوة تعذيب، فقلت له إنه من بداية القبض عليهم وإيداعهم السجن مخالفة للقانون وتعذيب.
ولم يجب على السؤال وغير الموضوع ودخل في موضوع آخر!
إن من يعتقد أن أمريكا دولة ديمقراطية، عليه قراءة تاريخها من بداية نشأتها ومشوارها الدموي مع السكان الأصليين، وأن من أسسوا أمريكا شذاذ آفاق أتوا من سجون أُورُوبا.
كذلك على المخدوعين والمطبلين والخانعين، إعادة النظر في عقيدتهم والكشف على عقولهم؛ فالجرائم الأمريكية شاهد عيان في العالم، ولا ينكر ذلك إلا أعمى البصر والبصيرة. والعدوان على اليمن خير شاهد على الفظائع الإجرامية الأمريكية التي ارتكبت خلال سنوات الحرب.
إن الإشكالية تكمن في كون الإعلام يخفي الحقائق ولا يُطلع الناس على الجرائم الأمريكية سواء في المجتمع الأمريكي أَو مع الدول الأُخرى، ورغم ذلك فهي ظاهرة ومشاهدة.
واقتحام الكونجرس من الأدلة على ذلك، والفظائع والفضائح عديدة.
ومما يؤسف له أن الكثير من الحكام يحاولون تلميع واقعهم السيء بحجب الحقائق وتزييف الأمور على شعوبهم والاستعانة بأمريكا عبر أدواتها ليظل هؤلاء في حكم بلدانهم.
وتستخدم أمريكا سياسة يتم تنفيذها على المستوى البعيد والقريب، حَيثُ تعمد إلى صنع وافتعال المبرّرات لتنفيذ مخطّطاتها؛ وذلك بغية تحقيق أهدافها وغاياتها.
والأدلة على ذلك، تستلزم استعادة الذاكرة المتعلقة بسياستها تلك، ومنها دورها في صناعة الإرهاب (بمفهوم المصطلح الأمريكي) فقد جندت أمريكا -عبر أدواتها- في المنطقة، السعوديّة واتباعها، الشباب المغرر بهم، للقتال في أفغانستان لمواجهة الاتّحاد السوفييتي والتصدي للمد الشيوعي! فاندفع الشباب المغرر بهم للقتال وقد تم حشرهم في معسكرات تولت أمريكا تدريبهم وتشكيل أفكارهم وتوجيهها وغسل ادمغتهم بما يتناسب وسياستها في خلق جيل يعادي دينه وأمته ويتبنى إسلام وفق الايدلوجية الغربية الأمريكية.
وهذا الأُسلُـوب هو نفس الأُسلُـوب الذي استخدمته بريطانيا عندما أنشئت الوهَّـابية ونشرتها في المنطقة العربية.
وبعد انتهاء الحرب الأفغانية تم الشروع في تنفيذ المخطّط المرسوم من خلال:
– إعادة بعض الشباب إلى بلدانهم ليحدثوا صداما فكريا أيديولوجيا في المجتمع وزعزعة البلدان والأنظمة ومن ثم استغلال ذلك والسيطرة على الدول وإخضاعها؛ بذريعة المساعدة في التصدي لهؤلاء (نواة فكرة الإرهاب).
– البعض الآخر لم يعيدوهم إلى بلدانهم بل تم توزيعهم في بعض البلدان الغربية وأمريكا وبلدان أُخرى، حَيثُ تم استغلالهم في تنفيذ جرائم وإلصاقها (بالإسلام) ومن ثم الترويج أن الإسلام وأتباعه (إرهابيون).
– الصنف الثالث تم القبضُ عليهم واقتيادهم إلى سجن غوانتنامو، واستكمال تهيئتهم وتشكيلهم فكريا بحيث تستفيد أمريكا منهم في تنفيذ مخطّطاتها وكذلك استغلالهم للتفاوض مع دولهم والضغط عليها بهؤلاء وتحميل المسؤولية لتلك الدول، لكون هؤلاء من مواطنيها.
وللأسف أن الدول خضعت ونفذت أوامر أمريكا.
وكان العدد الكبير من سجناء غوانتنامو يحملون الجنسية اليمنية، -وإن كان ولاؤهم لدول أُخرى-!؟
وقد جرى التفاوض بشأن السجناء مع النظام اليمني ومورست الضغوط لتنفيذ المخطّط الأمريكي، وركز التفاوض على إعادة هؤلاء إلى اليمن على دفعات؛ لإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، ولكن الرئيس اليمني آنذاك اشترط على أمريكا أن تدفع مقابل ذلك مِئة مليون دولار!؟
لكن أمريكا قامت بإعادتهم إلى السعوديّة ودول أُخرى مجاورة وكذلك مجموعة تم ترحيلهم إلى أوغندا.
وكان الهدف المرسوم إعادتهم وتهريبهم إلى اليمن لتنفذ المهام الموكلة إليهم لينضموا إلى رفاقهم الذين تم جلبهم من دول أُورُوبية وإفريقية وآسيوية، وليتجمعوا في عدة مناطق، ومنها: كتاف ودماج والبيضاء وأبين وغيرها.
وبعض أُولئك تم القبض عليهم واودعوا سجون الأمن السياسي، وكان إطلاق سراحهم بناء على صفقات داخلية وخارجية؛ ولكي لا تنكشف ألاعيب الصفقة فقد تم فبركة مسرحيات هروب بعضم من سجن الأمن السياسي في عام (الملاعق) والثانية من السجن المركزي في سنة (الاستغفال).
وقد صرح بعض السفراء -آنذاك- أن أعدادًا من مواطني بلدانهم، -ومنهم من كان يقطن في دول أُورُوبية- قد تم إدخَالهم إلى اليمن عبر السعوديّة أَو مطار صنعاء، بتعاون وتنسيق قيادات يمنية.
إن الإرهاب ومصطلحاته تم صناعته والترويج له لتحقيق أهداف الاستعمار الجديد، الذي تبناه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي اتخذت واستخدمت وسائل متعددة للسيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها ومقدراتها.
وَمن أهم الذرائع الأمريكية لفرض هيمنتها والضغط على اليمن، استخدام الإرهاب وتوظيفه من خلال الأدوات التي أعدتها، ومن ذلك: حادثة السفينة كول في عدن والسفينة الفرنسية لمبرج في المكلا وحادثة الطالب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب القادم من اليمن إلى هولندا عبر دول عدة، والطرد المرسل من اليمن…، وكذلك قضية محاولة اغتيال السفير البريطاني، فقد تم استهداف موكب السفير في اليوم الذي وصل فيه مدير مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن إلى صنعاء وكان التفجير بالقرب من سكن المدير في فندق موفمبيك؟ ومن تم تكليفه بالمهمة شاب ينتمي للقاعدة تم إخراجه من سجن الأمن السياسي قبل أَيَّـام من الواقعة؟
وعندما تفشل السياسة الأمريكية في تحقيق غاياتها وأهدافها، تقوم باستخدام الوسيلة الأُخرى وهي تجريم الدول والجماعات والأحزاب والشخصيات المناوئة لسياستها والمقاومة لمشاريعها الإجرامية، ويتم ذلك بمساعدة ومساندة الأنظمة العميلة المنبطحة في المنطقة، ومنها النظامين السعوديّ والإماراتي والدول المنخرطة في تحالف العدوان على اليمن.
ولعل أمريكا لم تعي أَو تدرك نتيجة سياستها الهمجية باستخدام ورقة العقوبات وبالذات مع إيران ونتائجها المشاهدة إيجابيا على إيران وسلبا على أمريكا وأذنابها.
وأهم ما يجب أن تدركَه أمريكا وعملاؤها، وتستيقنه الشعوب المقاومة وندركُه جمعيا وجود الله وعظمته وتأييده لعباده الصالحين العاملين المتمسكين بتعاليمه وهديه، وأن التوفيق والنصر منه سبحانه وتعالى.
وما اعتزام الإدارة الأمريكية وتصنيفاتها المتخبطة والمدفوعة القيمة، لحركة أنصار الله، إلا دلالة على انتهاء كُـلّ ما لديها من أسلحة ووسائل للعدوان والحصار.
واختم برَدِّ عمر المختار لمن قال له: إن إيطاليا تملك طائرات نحن لا نملكها… قال عمر: اتحلق فوق العرش أم تحته، فقالوا تحته، فقال: من فوق العرش معنا فلا يخيفنا ما تحته.
وما صمود اليمن لست سنوات ومقاومة دول العدوان والحصار، إلا دليل على التأييد واللطف الإلهي، قال تعالى (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ}.
وقال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) صدق الله العظيم.