مغامرةُ واشنطن ضد اليمن تتحوَّلُ إلى ورطة تاريخية: حظرُ الملاحة الأمريكية في خليج عدن
صنعاء: قرارُ التصنيف لن يوقفَ عملياتِنا وليس له قيمةٌ على أرض الواقع
– استهدافُ أربع سفن مرتبطة بالأعداء في أربعة أَيَّـام والقواتُ المسلحة تتوعد بـ رَدٍّ أكبرَ
– دخولُ سلاح بحري جديد والقائدُ يبشِّرُ بتطورات في القدرات العسكرية
المسيرة| خاص
رسمت أحداثُ الأيّام الخمسة الماضية، العديدَ من ملامح معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس” التي يخوضُها اليمنُ ضد ثلاثي الإجرام الصهيوني (إسرائيل وأمريكا وبريطانيا) نُصرةً لفلسطين؛ فبين إعلان واشنطن عن تصنيف “أنصار الله” في قوائم ما يسمى “الإرهاب” وتصعيد القوات المسلحة وتيرة ونطاق عملياتها البحرية النوعية، وإعلان قائد الثورة عن دخول سلاح بحري جديد في المعركة والوصول إلى تطورات ملموسة في القدرات اليمنية، واستمرار التحَرّك الشعبي غير المسبوق، أصبح واضحًا أن المعركة لن تدور على هامش الصراع، بل في قلبه، وأن تصعيد الأعداء ضد في اليمن لن يكون نُزهةً، بل ورطةٌ حقيقيةٌ بتداعيات واسعة وتاريخية، وهو ما يمنح معادلات المواجهة بعداً حاسماً ومصيرياً.
التصنيفُ الأمريكي:
يوم الأربعاء، عمّقت الولاياتُ المتحدة الأمريكية ورطتَها في اليمن بالإعلان عن تصنيف حركة “أنصار الله” كجماعة “إرهابية عالمية محدّدة بشكل خاص” حسب وصفها، وذلك في إطار محاولاتها للضغط على صنعاء وترهيبها من “عواقب” الموقف المساند لغزة، وخُصُوصاً على مستوى العمليات البحرية.
وعلى الرغم من أن قرار التصنيف “لا قيمة له على أرض الواقع” كما أكّـدت صنعاء؛ لأَنَّ واشنطن تتعامل بالفعل مع الشعب اليمني كعدوٍّ منذ سنوات، وقد طبقت عليه كُـلّ مفاعيل “عقوباتها”، فَــإنَّ القرارَ مثَّلَ خطوةً عدائيةً واستفزازيةً جديدةً أكّـدت أن واشنطن ماضيةٌ في حماقةِ استهداف اليمن بغَضِّ النظر عن فاعلية الآليات التي تمتلكها، وبالتالي فهي رسالةُ حرب إضافية إلى جانب الاعتداءات العسكرية المُستمرّة، الأمر الذي يزيد بلا شك من صلابة الموقف اليمني بل وربما يدفع إلى تصعيده.
وبالإضافة إلى ذلك، فَــإنَّ القرار كشف بوضوح إفلاس الولايات المتحدة وانعدام خياراتها في التعامل مع الجبهة اليمنية؛ فالقرار جاء على وقع انكشاف فشل التحَرّك العسكري العدواني ضد اليمن في تحقيق أهدافه المعلنة؛ لأَنَّ الهجمات البحرية اليمنية تزايدت بشكل واضح بعد الاعتداءات.
كما أرسل القرار رسالة واضحة للعالم وللمجتمع الدولي بأن تحَرّك الولايات المتحدة لا علاقة له بعنوان حماية الملاحة الدولية، بل بغايات سياسية تتلخص في حماية الكيان الصهيوني والتحَرّك بالنيابة عنه لمواجهة أي موقف يضغط عليه؛ مِن أجل وقف جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يسقط كُـلّ الدعايات التي لا زالت واشنطن تحاول ترويجها لتحشيد العالم ضد اليمن.
وقد جاء رد صنعاء واضحًا وصريحًا، حَيثُ أكّـد المجلس السياسي الأعلى، ورئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، أن القرار لن يؤثرَ على الموقف اليمني وعلى معادلة حظر الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر والبحر العربي.
طوفان بحري: أربعُ سفن في أربعة أيام:
وفي مقابل اندفاعِ الولايات المتحدة لترويج دعايات حول نجاحها في تدمير القدرات اليمنية والحد منها، وهي الدعاياتُ التي رأت أن قرارَ التصنيف سيزيدُها قوةً، جاءت المجرياتُ على البحرَينِ الأحمر والعربي خلال الأيّام القليلة الماضية، وتحديداً منذ يوم الاثنين، بمثابة عاصفةٍ عاتية، لم تدمّـر فقط الصورةَ الدعائية التي أرادت واشنطن رسمَها من خلال الاعتداء على اليمن واتِّخاذ قرار التصنيف، بل هزَّت حتى الصورةَ التي رسمتها على مدى عقود حول قوتها وسيطرتها البحرية، حَيثُ تمكّنت القواتُ المسلحة من استهداف أربع سفن في أربعة أَيَّـام، ثلاثٌ منها كانت سُفُنًا أمريكية تم استهدافها أثناء تواجدها في خليج عدن، وواحدةٌ كانت متوجّـهةً إلى الكيان الصهيوني.
وقد جاءت إحدى هذه العمليات، وهي عمليةُ استهداف السفينة “جينكو بيكاردي” الأمريكية في خليج عدن، بعد أقلَّ من ساعتين فقط من إعلان قرار التصنيف، يوم الأربعاء، فيما تم استهدافُ السفينة “كيم رينجر” الأمريكية في خليج عدن أَيْـضاً بعد قرابة 24 ساعة فقط.
وعلى عكس العملياتِ السابقة التي استهدفت عدةَ سفن متوجّـهة إلى الكيان الصهيوني، فَــإنَّ البحرية الأمريكية لم تتحدث كالعادة عن “اعتراض” الصواريخ التي استهدفت السفن الأربع الأخيرة، واكتفت بمزاعم تدمير مِنَصَّات صاروخية داخل اليمن، على الرغم من اعترافها بإصابة السفن الأربع؛ وهو ما يعني أن تحَرّكات قطعها العسكرية في منطقة عمليات القوات المسلحة قد باتت مقيَّدَةً بشكل كبير، ولم تعد تستطيع حتى أن تزعُمَ أنها تقوم بحماية السفن المستهدفة “والاستجابة لنداءاتها”.
هذه العملياتُ أكّـدت بوضوح أن التصعيدَ الأمريكي والبريطاني ضد اليمن والذي أريد له أن يحقّقَ “ردعاً” للقوات المسلحة اليمنية، قد ارتدَّ عكسياً بشكل صادم؛ فاستهدافُ السفينة “زوغرافيا” التي كانت متوجّـهة إلى الكيان الصهيوني كان صفعة قوية أكّـدت أن معادلة حظر الملاحة الصهيونية لن تتأثر، أما استهداف السفن الأمريكية الثلاث فقد كان زلزالًا أكّـد أن الولايات المتحدة لم تفشل فحسب في تحَرُّكِها، بل تورطت بالفعل كما حذر قائد الثورة، الذي جدّد التأكيد في خطابه الأخير يوم الخميس على أن السفن الأمريكية والبريطانية باتت أهدافاً مشروعة.
وقد برزت أصداءُ هذا الزلزال بسرعة، حَيثُ كشفت شبكةُ “سي إن إن” الأمريكية يوم الأربعاء، أن شركاتِ التأمين بدأت ترفُضُ تغطيةَ المخاطر للسفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما يعني أن التأثير الاقتصادي الكبير الذي صرخ منه الكيانُ الصهيوني، والذي دفعه لتحريك حماته في الغرب للاعتداء على اليمن، قد بدأ بالانتقال إليهم وبصورة أكثر تسارعاً.
وقد مثّلت كثافةُ العمليات البحرية التي شهدتها الأيّام الأخيرة وتركُّزُها على السفن الأمريكية رسالةً واضحةً بأن القواتِ المسلحة لا تقومُ بتحَرُّكٍ لحظي أَو عشوائي، بل تفرض معادلة استراتيجية كبرى لم تواجه الولايات المتحدة مثلها من قبل.
سلاحٌ جديد:
في خطابه يوم الخميس، بشّر قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بتطورات ملموسة جديدة في القدرات العسكرية اليمنية، وكشف أن عمليةَ استهداف سفينة “جينكو بيكاردي” الأمريكية في خليج عدن تمت بسلاح مختلف، وهو ما كان مسؤولٌ أمريكيٌّ قد ألمح إليه بعد الاستهداف، حَيثُ قال في حديث لقناة “الجزيرة” إنه لن يتحدث عن نوعية السلاح المستخدَم.
وقد نشرت البحرية الهندية صوراً أظهرت جانباً من الأضرار التي لحقت بالسفينة، حَيثُ ظهرت آثارُ حريق على جانب جزئها العلوي؛ وهو ما بدا كاستهداف دقيق للغاية؛ إذ لو كان جسم السفينة هو المستهدَف لكانت احتمالات الإصابة أكبر في أي مكان آخر.
وقد وجّه قائد الثورة، رسالةً واضحةً للولايات المتحدة بأن عليها أن تعرفَ من تجربة السنوات الماضية، أن استهدافَ اليمن لا يؤثر على القدرات العسكرية بل يزيدُها تطوراً، وهي رسالةٌ تؤكّـدُ لواشنطن أن الاشتباكَ المباشرَ معها سيضعُها في مواجهةِ مسار ردع تصاعدي مفاجئ من حَيثُ إمْكَاناته وحجم ونوعية عملياته، كما واجهت ذلك السعوديّة والإمارات من قبل.
ويوجهُ استخدامُ سلاح جديد رسالةً واضحةً بأن اليمن ينخرطُ في هذه معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” بأعلى سقف من خيارات الردع، وباعتبار المعركة معركة رئيسية فاصلة، وهو ما يؤكّـده أَيْـضاً العنوان الذي وضعه قائد الثورة لهذه المعركة، وتأكيده في خطابه الأخير على أن المواجهة مع ثلاثي الشر (أمريكا وبريطانيا وإسرائيل) هو أعلى ما كان يتطلع إليه الشعب اليمني.
الرد قادمٌ لا محالة:
إلى جانب كُـلّ ما شهدته الأيّام الأخيرة من عمليات مكثّـفة ونوعية وفرض لمعادلات بحرية جديدة مزلزلة، استمرت القوات المسلحة بالتأكيد في بياناتها على أن الرد على الاعتداء الأمريكي البريطاني قادم، وهو ما مثل إشارة واضحة إلى أن هناك معادلة أُخرى أكبر قادمة في الأفق القريب، وهي معادلة يبدو بوضوح أنها تتعامل مع الاعتداء الأمريكي البريطاني من حَيثُ كونه انتهاكاً للسيادة اليمنية وتجاوزاً للخطوط الحمراء، وبالتالي فهو ليس رداً على الغارات فقط، بل على قرار الاعتداء نفسه؛ الأمر الذي يعني أن هذا الردَّ سيكون بمستوى “درس” قاسٍ؛ لتأديب الولايات المتحدة وتأسيس معادلة تجعلها تفكِّرُ مستقبلاً ألف مرة قبل اتِّخاذ قرارٍ مثل هذا.
بعبارة أُخرى: يمكن القول إن هذا الرد المنتظر لن يهدف فقط إلى وضع الولايات المتحدة وبريطانيا أمام حقيقة أن قصفَ اليمن سيُرَدُّ عليه بالقصف، بل وضعهما أمامَ حقيقة أن أيَّ اعتداء على اليمن هو خطأٌ تأريخي يترتب عليه سقوطُ وصعودُ معادلات وحسابات تاريخية جديدة، وقد حرص قائدُ الثورة، في ديسمبر، على توضيح هذه النقطة عندما حذَّرَ من أن أي اعتداء على اليمن سيكون “ورطة حقيقة”، ولن يكون هناك مجال لتجنبها حتى بالوساطات ومحاولات التهدئة.