مفاوضات الكويت: ولد الشيخ بين الرعاية الأممية وأجندة السعودية
صدى المسيرة: إبراهيم السراجي
لم ينجح المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في أداء مهامه في مفاوضات الحل السياسي، التي تستضيفها الكويت، بمعزلٍ عن دول العدوان وعلى رأسها السعودية التي قامت بتعيينه وفرضه خلفاً لسلفه جمال بن عمر الذي أقيل أيضاّ بضغوطٍ سعودية بعدما شعرت أنه خرج عن أجندتها.
كما لم يستغل ولد الشيخ الدعم الدولي الملحوظ للمفاوضات وما قدمه الوفد الوطني من رؤية للحل السياسي ولم يحاول انطلاقا من ذلك أن يتمتع بنوع من الحياد او الاستقلالية كما يفترض بدوره كممثل للأمم المتحدة الراعية للمفاوضات وبقي على حاله منحازاً للطرف الاخر الذي لم يقدم أي رؤية للحل ولا يملك قراراً فبقي هو ووفد الرياض عالقين في خضم الأجندات والرغبات السعودية التي تقف عائقاً دون تقدم المفاوضات التي تسفر عن سلام دائم وانهاء للعدوان والحصار.
وظهر ولد الشيخ في قمة انحيازه للطرف الاخر وضمن تنفيذه للأجندة السعودية مع اختلاق وفد الرياض لقضية معسكر العمالقة في عمران والتي على إثرها علق المرتزقة مشاركتهم في المفاوضات بإيعاز سعودي لتجد لها صدى في مسامع ولد الشيخ الذي تجاهل عودة طيران العدوان للتحليق في سماء العاصمة صنعاء والزحف الكبير الذي شنه المرتزقة باتجاه منطقة نهم غربي مأرب.
على الرغم من الزيارة الميدانية التي قام الاعلاميون لمعسكر العمالقة وعادوا من هناك بالصور والمشاهد التي تؤكد ان الوضع في المعسكر مغاير تماماً لادعاءات المرتزقة إلا أن ولد الشيخ غير موقفه وعاد ليصدر بياناً أقحم فيه الرواية المختلقة عن المعسكر ونشر بيانه في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء كما يفعل النظام السعودي تماماً عندما أعلن عدوانه على اليمن او حين يصدر القرارات الكبيرة من قبيل عزل ولي العهد مقرن بن عبدالعزيز او ابعاد سعود الفيصل من منصب وزارة الخارجية وكأن ولد الشيخ متأثر بالنظام السعودي حتى في التوقيت.
وقبل أن يظهر عليه التأثير السعودي قال ولد الشيخ في بيانه الأول يوم الاثنين أنه “بالرغم من الأجواء الإيجابية التي طغت على الأيام الماضية، علق وفد الرياض بالجلسات المشتركة من مشاورات الكويت بسبب التقارير الواردة عما حدث في عمران” وبدا أنه لم يقتنع برواية المرتزقة حين قال في ذات البيان “لكننا نحث الجميع على الانخراط بكل حسن نية وحكمة في هذه المشاورات التي يعول عليها اليمنيون. إننا نرى أن جميع المسائل الشائكة والإشكالات يجب أن تطرح على طاولة الحوار بكل شفافية للتوصل إلى حل شامل”
خلال 24 ساعة على بيانه كان الوقت كافياً لولد الشيخ ليتلقى التعليمات السعودية وبدلاً من ان ينتقد وفد الرياض لعرقلته المفاوضات وغياب رؤيته للحل السياسي عاد ليصدر بياناً سعودياً بامتياز عندما قال ان جهوده “تركز معظمها حول بلورة إطار عام استراتيجي يجمع طروحات الوفدين ويقرب بين وجهات النظر ويساهم في ايجاد حل سريع لقضية لواء العمالقة”
وهناك أصر ولد الشيخ على تصديق الكذبة السعودية ومرتزقتها بخصوص المعسكر الذي تعرض لعدة غارات من قبل العدوان لم نسمع خلالها ولد الشيخ يتحدث عن ذلك المعسكر الذي يدعون اليوم انحيازه للعدوان.
واكتمالاً للمسرحية التي انخرط فيها المبعوث الأممي وذهب بعيداً عن مهمته الرئيسية كشفت الأحداث الميدانية ان ادعاءات المرتزقة بشأن معسكر العمالقة، بعد تأييدهم لقصفه وقصف معسكرات الجيش اليمني، كانت مجرد حركة استباقية للتغطية على مخططٍ كانوا يخفونه وتمثل بالتحشيد ونقل الأسلحة من مأرب وشن زحف كبيرٍ على منطقة نهم غير أن محاولتهم اصطدمت بيقظة أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين صدوا الزحف وأوقعوا عشرات القتلى من المرتزقة في عملية كان الإعلام الحربي حاضراً فيها ونقل مشاهدها لليمنيين وللعالم.
وكشف الناطق الرسمي لأنصارالله محمد عبدالسلام فصول تلك المسرحية في تصريحات قال فيها “سريعا انكشفت مؤامرة تعطيل الجلسات بزحفٍ عسكري مكثف في فرضة نهم من منتصف الليل حتى الان وتحشيد عسكري واسع في مأرب وشبوه”
وأضاف: “ينكشف الزيف سريعا فالمفلس لا يمتلك الحجة ولا تخدمه المبررات الكاذبة فبعد تعلله بتعطيل الجلسات بحجج واهية وغير صحيحة واختلاق احداث غير موجودة انكشف الهدف من وراء ذلك التعطيل بزحف عسكري واسع منذ منتصف الليل في فرضة نهم، وتحشيد كبير وتحضير واضح للحرب في محافظات مأرب وشبوه وتعز”
العمليات العسكرية التي قام بها المرتزقة ضمن مخطط مسبق أعقبه تحليق لطيران العدوان في عدة محافظات بما فيها العاصمة صنعاء وكلها لم تجد صدى لدى ولد الشيخ الذي رأى أن يخص مسرحية المرتزقة بشأن معسكر العمالقة بعمران في ظهور مألوف لولد الشيخ يجعل منه موظفاً سعودياً قبل أن يكون مبعوثاً للأمم المتحدة.
لم يجرؤ ولد الشيخ حتى فيما قبل مسرحية عمران وأثناء المفاوضات أن ينتقد وفد الرياض الذي عجز عن تقديم رؤيته للحل السياسي والتي كان يفترض ان يقدمها الطرفين السبت الماضي ولم يقم حتى بالإشارة إلى أن وفد الرياض قدم إلى الكويت كما فعل من قبل في جولتي المفاوضات التي استضافتها أوروبا، ليبقى العامل المشترك في جولات تلك المفاوضات ان القادمين من الرياض بما فيهم ولد الشيخ يحملون أجندة سعودية.
وفي الوقت الذي قدم وفد القوى الوطنية رؤية شاملة للحل السياسي والأمني في اليمن يبقى تقدم المفاوضات في الكويت مرهون بأمرين، الأول رغبة العدوان في انهاء الحرب والذي ينعكس على وفد الرياض سلباً وإيجاباً والثاني التزام المبعوث الأممي بأداء مهمته كممثل للأمم المتحدة الراعية للمفاوضات والتزامه الحياد وقدرته على تقييم الأمور، فخلال تاريخ الأمم المتحدة وتدخلها في الصراعات الدولية كان لمبعوثيها دور كبير سواء في إنجاح الجهود الأممي أو افشالها.