بدرُنا في ليالي العرب الحالكة

 

فهد الرباعي

لنعُدْ بالذاكرة قليلًا إلى الوراء، تحديداً حين أوصلَ الوسطاءُ رسالةَ الأمريكان إلى سيد الأحرار عبدالملك بدر الدين الحوثي، على خلفية مشاركة اليمن في معركة “طُـوفان الأقصى” مفادُها:

“تُريد حُكماً وحَّدنا الجغرافيا اليمنيةَ تحت قدمَيْك وملَّكناكها من ساحلها الشرقي إلى ساحلها الغربي، ومن شمالها إلى أقصى الجنوب.

تُريد عزاً.. منحناك مكانةً في الإقليم لا يزاحمك عليها أحد، وجعلناك على جزيرة العرب سيداً ولا سيِّدَ سواك، وجئناك بأذيالنا في المنطقة أذلةً وهم كارهون.

تُريد مالاً.. أعدنا إليك ثروات اليمن التي نهبناها لعقود، وأغدقنا عليك بالمال والسلاح ورفعنا عن شعبك الحصار والنار وبؤس الحرب والفاقة، فلا ترى أزمة بعد اليوم.

ذلك شريطة أن تتخلَّى عن غزة وعن المقاومة، وأن تبيعَ القضيةَ الفلسطينيةَ في بازار السياسة كما باعها الحكامُ والساسة.

وإن رفضت ملأنا بحرَك بأساطيلنا وبوارجنا ومدمّـراتنا، وسَقَفْنا سماءَك بأحدث طائراتنا، وأعلنا عليك حرباً ضروساً بجحافل أذيالنا، والأمر لك فَانظُر ماذا ترى؟!”.

على الطرف الآخر عاد الوسيط يحمل رسالة السيد القائد إلى الأمريكان مفادها:

“لم نهابْكم يومَ حاربناكم ونحن قلة، أنخشاكم اليوم وقد أصبحنا شعباً وأمّة، وهل يجب أن تتمزق أوتارنا الصوتية ونحن نهتف أننا لسنا ممن يتلقى أمرَه منكم؟!

أمّا الحُكْمُ فلسنا هواةَ سلطةٍ وجاه؛ فنحن ملوكٌ وسادة كابراً عن كابر، ولو كنت حاذقاً في قراءة التاريخ لوجدتنا في أكثر صفحاته إشراقاً، وأما الأرض فهي لله يرثها من يشاء من عباده، وَإذَا كانت أقدارُه تقضي تمكينَنا فيها فأمرُه نافذٌ نافذ، والعزُّ لا يوهبُ بالعطايا، لكنه يؤخَذُ بحَــرِّ السيوف وجلجلة البنادق.

وأما غزة والقضية الفلسطينية! فهي قضية شعبي التي لا يُساوِمُ عليها، وهي وصيةُ أخي التي قَدَّمَ في سبيلها دمَه الطاهر؛ أأنسى رداءَه الملطخة؟! أألبس فوقَ دمائه ودماء الفلسطينيين ثياباً مطرَّزةً بالقصب؟! هيهاتَ هيهاتَ.

فو الله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك القدس وغزة والقضية، ما تركت هذا الأمر حتى يأذن الله بالنصر أَو أهلك دونه.

ارجع إليهم.. فلنأتينَّهم بجنودٍ لا قبل لهم بها، ولنخرجنهم من أرض الزيتون أذلةً وهم صاغرون”.

من يُخبِرُ العرب أن هذا هو السيد الذي أوعزت إليهم أمريكا يوماً بتحريك جيوشهم لحربه بالوكالة؟! وأسرفت أقلامهم وأحبارهم ورهبانهم في كيل التهم له ولشعبه! قد بات اليوم وحيداً إلا من القلة الأحرار يدافع عن غزة في وجه العلوج، وبات شعبُه المحاصَرُ يُحَاصِرُ “إسرائيل” لوقف المذبحة الأكثر بشاعةً في القرن الجديد.

من يُخبِرُ الشعوبَ العربيةَ أن هذا هو السيدُ الذي قاتلته جيوشُهم؛ دفاعاً عن أمريكا، اليوم يجعل من نفسه طوقَ نجاةٍ للعرب وأمنهم القومي بقتالِه أمريكا وأخواتها القادمين من وراء المحيط، وكأنَّه يتعزَّى بقولِ شاعرٍ عربيٍ قديم:

“فإِن أَكلوا لحمي وفَّرتُ لحومهم.. وإِن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com