ماذا عن اليمن واليمنيين؟
هياف الهمداني
إنها وصيةُ الحجاج بن يوسف الثقفي عن أهل اليمن لأخيه عندما ولَّاه إمارة اليمن: “لا يغرَّنَك صبرُهم، ولا تستضعفْ قوتَهم؛ فهم إن قاموا لنصرة رَجُلٍ ما تركوه إلا والتاجُ على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسَه؛ فاتق غضبَهم، ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقُهم، وانتصر بهم فهم خيرُ أجناد الأرض واتقِ فيهم ثلاثاً: نساءَهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسودُ فرائسَها، وأرضَهم وإلا حاربتك صخورُ جبالهم، ودينَهم وإلا أحرقوا عليك دنياك، وهم صخرةٌ في جبل كبرياء الله تتحطَّمُ عليها أحلامُ أعدائهم وأعداء الله”.
الحجاج بن يوسف الثقفي يصفُ لأخيه أهلَ اليمن، وكيف يجب التعامل معهم، لأنهم أهلُ إيمَـان وحكمة، وصبر شديد، فمهما صبروا على الظلم فَــإنَّ صبرَهم لن يطول، ومن يرى أنهم ضِعافٌ لا يقوون على المواجهة فَــإنَّه واهمٌ؛ فَــإنَّهم إذَا قاموا لنصرة رجال ما تركوه إلَّا والتاجُ على رأسه، وها نحن نرى في زماننا هذا تحقّق وصية الحجاج لأخيه عندما ولَّاه اليمن.
عَندما اعتدى العدوُّ الصهيوني على إخوتنا في فلسطين المحتلّة، وارتكب بحقهم أبشعَ المجازر المروَّعة التي تبكي لهولها وبشاعتها الحجارُ الصَّمَّاءُ، وصَبَّ جامَ حقده بالغارات والصواريخ والقنابل المحرمة دوليًّا وقذائف المدفعية على رؤوس الأطفال والنساء والمدنيين العزل الذين لا يمتلكون سلاحًا، وفي الوقت الذي عجز عن مواجهةِ المقاومة الفلسطينية، التي لا تمتلك في عُدتها وعتادها وتطورها التكنولوجي ربع ما تمتلكه “إسرائيل” في الإمْكَانيات المتطورة والحديثة، إلَّا أنها عجزت عن مواجهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
فحاولت “إسرائيل” تغطيةَ عجزها عن مواجهة المقاومة باستهداف المدنيين العزل بالأسلحة الفتاكة لقتل المدنيين الأبرياء.
غزة! إنه القطاعُ الصغيرُ المحاصَرُ في فلسطين المحتلّة، إلَّا أنه استطاع عبر مقاتليه الأبطال كسرَ غرور “إسرائيل” وهيبة جيشها “الذي لا يُقهر” في عملية خاطفة لبضع ساعات.
عملية “طُـوفان الأقصى” هزت عرش “إسرائيل” بشكل كبير؛ ما أَدَّى إلى تدخل مباشر من أمريكا ودول أُورُوبا لإسناد “إسرائيل”، بل ودعمها بالأسلحة الفتاكة لقتل الفلسطينيين بأبشع أنواع القتل؛ لكي تعيدَ لـ “إسرائيل” هيبتها المنزوعة، وهذا لم ولن يتحقّق بفضل الله.
أمريكا و”إسرائيل” ودول أُورُوبا، كانت تظن أنه لا يوجدُ من يقفُ معَ الفلسطينيين المظلومين، فقد وجهت أمريكا أذنابها وحلفاءَها في الدول العربية بعدم مساندة الفلسطينيين في مواجهة “إسرائيل”، حتى يتسنى لـ “إسرائيل” المجالُ لقتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم وتحقيق أهدافها دون أي عائق يعيقها؛ فنفذت الدول العربية التوجيهات الأمريكية إلَّا اليمن.
فقد أطل قائد المسيرة القرآنية، السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- في خطابه الأول ليتحدَّثَ بلسانِ الشعب اليمني عن تضامنه معَ الإخوة في فلسطين المحتلّة ليقول لإخواننا في فلسطين وفي قطاع غزة بالذات: “لستم وحدكم”، وإن هنالك خطوط حمراء إذَا تعداها العدوُّ الصهيوني سيتدخَّلُ وسيدخُلُ المعركة بجانب المقاومة الفلسطينية.
فقد تعدّى العدوّ الصهيوني الخطوط الحمراء وأمعن في قتل الأطفال والنساء، وأطبق حصاره على القطاع على مرأى ومسمع العالم، غيرَ آبه بأحد، لا بالقوانين الدولية ولا بمنظمات حقوق الإنسان، والطفل، والمرأة.
فسقطت الأقنعةُ للمنظمات والدول التي كانت تدَّعي مناصَرةَ القضية الفلسطينية، فقد كان صوت الثكالى ودموعهن وصرخات الأطفال تحُزُّ في صدور الشعب اليمني، لم يعد باستطاعته السكوتُ أكثر أمام ما يحصل في غزة.
فدخلَ اليمنُ المعركَةَ مباشرةً مع العدوّ الصهيوني لنصرة إخواننا في قطاع غزة غير مكترث لما سيحصل من تداعيات؛ بسَببِ موقفه المساند لغزة.
وعند بدء استهداف الأهداف الحيوية للكيان الغاصب في فلسطين المحتلّة، قامت الدول العربية الفاصلة بين اليمن وفلسطين باعتراض الصواريخ والطائرات المسيَّرة خدمةً للكيان الإسرائيلي.
توسعت الخياراتُ لدى القوات المسلحة اليمنية في ردع العدوان الإسرائيلي على غزة؛ فاستُهدفت السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر والعربي والسفن المتجهة إلى “إسرائيل” حتى إدخَال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، ما لم فعملياتُ الاستهداف مُستمرّة حتى إنهاء العدوان على قطاع غزة.
ومن هذا الموقف الذي قدّمه اليمن كواجب ديني وإنساني لإخوتنا في غزة، إلَّا أن هذا الموقف أزعج أمريكا و”إسرائيل” ودولًا عظمى أُخرى؛ فأسرعت أمريكا بتشكيل تحالف لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر والعربي، إلَّا أنها لم تستطع حمايتها، ومن ثم شكلت تحالفًا لردع ما أسمتهم “الحوثيين”، فأقدمت القوات الأمريكية على استهداف عناصرَ تابعة للقوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية وهي تقوم بواجبها.
أطل قائد المسيرة القرآنية من جديد، وحذر بأن أي عدوان أمريكي على بلادنا لن يمر بدون رد ولن تكون هنالك أية وساطة لتهدئة الوضع، إذَا تورط العدوّ الأمريكي فَــإنَّه تورَّط بما تعنيه الكلمة.
لم تفهم أمريكا تحذيرَ قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، فاعتدت مرةً أُخرى؛ فجاءها الرد باستهداف بارجة أمريكية، وسفينة أمريكية، بل وسفن تابعة لها وأُخرى متجهة إلى “إسرائيل”.
وكان الاستهداف لتلك السفن في أماكنَ غيرِ متوقعة لدى الأمريكي بأن الاستهدافَ سيصلُ إليها، وهذا كله بفضل الله سبحانَه وتعالى.
خاتماً، إذا كانت أمريكا تظُنُّ أن اليمنَ سوف يتراجع عن موقفه المساند للقضية الفلسطينية جراء استهدافها له أَو تصنيفها ووضعها له في قائمة الإرهاب، فَــإنَّها واهمة.
بل إنها بقراراتها تلك أسعدت اليمنيين، وبالاعتداء على شعب يعاني من حرب وحصار دامَ لتسع سنوات، هي من أوجدت تلك المعاناة على اليمن وشعبه ما زادَه إصراراً على الاستمرار في موقفه.
فاليمن أعلن موقفه تجاه القضية الفلسطينية ولن يتراجع عنه مهما كان الثمن مقابل هذا الموقف.
النصرُ حليفُنا بإذن الله، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) صدق الله العظيم.