التحدياتُ العربيةُ وضياعُ الفُرصِ
د. شعفل علي عمير
عادةً ما يكونُ لكُلِّ زمنِ فرصةٌ قدْ لا تتكرّرُ، تكونُ فيها الظروفُ مواتيةً والأحداثُ التي تخدُمُ اقتناصَ هذهِ الفرصِ، وَإذَا ما استعرضنا ماضي أمتنا العربيةِ نجدُ أنَ العقودَ الماضيةَ شهدتْ ضياعَ الكثيرِ منْ الفرصِ العربيةِ التي لمْ تتم الاستفادة منها، بدءًا بالتكاملِ الاقتصاديِ العربيِ الذي بدأتْ فكرتهُ في 23 آذار /مارسُ 1945 كإحدى الفرصِ الاقتصاديةِ التي تعززُ الاقتصاد العربيَ، وتقوّي دورهُ التنافسيَ في السوقِ العالميةِ، وتحقّق أهم هدف وهوَ الأمنُ القوميُ العربيُ، وكذلكَ الاستفادة من الطفرةِ النفطيةِ التي عاشتها الدولُ النفطيةُ في سبعينياتِ القرنِ الماضي، والتي كانَ بالإمْكَان الاستفادة منها في عمليةِ تنويعِ مصادرِ الدخلِ وإحداثِ ثورة صناعية بدلاً عنْ الاقتصارِ على الريعِ النفطيِ فقطْ، إضافةً إلى تقليصِ فواتير الاستيراد للسلعِ المصنعةِ التي أرهقتْ الخزانة العربية.
ويلوحُ في الأفقِ ضياعُ فرصة أُخرى هيَ التضامنُ العربيُ الذي أصبح الاحتياج لهُ أمراً في غايةِ الأهميّة، لا سيَّما في هذهِ الظروفِ والتحدياتِ التي تعصفُ بالأمّةِ؛ تضامناً يجعلُ منْ الأُمَّــة العربية قوةً يعملُ لها الآخرون ألف حسابٍ ويضمنُ للعربِ حريتهمْ في اتِّخاذ قرارهمْ والتحكم في ثرواتهم.
وتعدُ هذهِ الفرصةَ الأخيرةَ التي يستوجبُ على الأُمَّــة العربيةِ أنْ تنتهزَها؛ فالأحداثُ التي تمُرُّ بها الأُمَّــة كفيلةٌ بأنْ تستنهضَ الوعيَ العربيَّ في واقعٍ أصبح فيهِ قانون الغابِ هوَ سيد الموقفِ، فإما أنْ تكونَ ذئباً وإلا أكلتكَ الذئابُ، وها نحنُ نشاهدُ ذئابَ الغربِ وأمريكا تنهشُ في جسدِ أمتنا بعدَ ما غرستْ فيها بذورَ النزاعاتِ؛ لتجعلَ منها أُمَّـة متناحرةً متفرقةً يصوِّبُ كُـلٌّ منهما سلاحَهُ ليقتلَ أخاهُ في العروبةِ والإسلام.
في الوقتِ الذي تتكتَّلُ وتتحالفُ فيهِ دولٌ لا يربطُها ببعضها لا جغرافيا ولا دينٌ ولا لُغةٌ نجدُ أمتَنا العربيةَ التي يتوفرُ فيها كُـلُّ عواملِ التكاملِ والتضامنِ تتسعُ فيما بينها فجوةُ الخلافِ إلى حَــدِّ المواجهةِ العسكريةِ.
كُـلُّ هذا الخِذلانِ العربيِ لمْ يأتِ منْ فراغِ، إنما كانَ نتيجةَ الانقياد الأعمى لما تمليه عليها قوى الاستكبار العالميِ التي تسعى إلى إيجاد فجوةِ خلافٍ تتسعُ باستمرار دونَ أي مبرّر لهذهِ الخلافاتِ.
إلى متى تستمرُّ الأُمَّــة العربية في سباتها العميقِ؟! إلى متى تجهلُ الأُمَّــة قواها الكامنةَ فيها؟! لمْ يعدْ هناكَ ما يبرّر للحكامِ العربِ الاستمرارَ في واقعهمْ المذلِ؛ فما تمتلكُهُ الأُمَّــة منْ مقدراتٍ اقتصادية وقوى بشرية تؤهِّلُها لأنْ تكونَ في صدارةِ الأمم، كما تستطيعُ الدولُ العربيةُ أنَ تبادلَ منتجاتِها منْ خاماتها النفطيةِ وغيرها وتساوم بها الغربَ لنقلِ التكنولوجيا التي تفتقرُ الأُمَّــة لها، بحيثُ تستطيعُ أنْ تحوّلَ فائضَها الماليُ المتأتي منْ مبيعاتها إلى بناءِ اقتصاد مقاوِمٍ يرتكزُ على توطينِ الصناعاتِ المختلفةِ منْ جانبٍ، ومنْ جانبٍ آخر التوجّـه إلى تحقيقِ الاكتفاء الذاتيِ منْ السلعِ الغذائيةِ، وبهذا يمكنُ أنْ نطلقَ على أمّتنا العربيةِ أنها حقّقتْ الاستقلالَ الكاملَ لها في قرارها وقوتها فلنْ يتحقّقَ لأيِة أُمَّـة عزتُها وقوتُها وكرامتها إلّا بوَحدتِها ووعيها بما يدورُ في محيطها الدوليِّ حتى تستفيدَ منْ إيجابياتِ الحداثةِ وتحميَ نفسَها منْ سلبياتها وتحدياتها ومخاطرها.