الهُــوِيَّة الإيمانية لليمنيين مبدأٌ إيماني وموقفٌ أخلاقي وإنساني
وسام الكبسي
لقد كان لليمنيين دورٌ كبير ورئيسي في تثبيت دعائم الدولة الإسلامية منذ الأيّام الأولى لنشأتها، فما إن بزغ فجر الإسلام إلا وظهرت نجوم لامعة في سماء الدعوة إلى نور الهداية في بيئة يملؤها الظلم والجور والطغيان، فكان هناك وضمن المجموعة الأولى من المسلمين من تميز منهم بدور محوري وعظيم وقدموا مواقف تاريخية مشرفة جسدت الإيمان الحقيقي والاتباع الواعي بالرسالة والرسول محمد -صلى الله عليه وآله- ومن تلك النماذج الإيمانية اليمانية في الانتماء والموقف والاتباع والمناصرة أسرة عمار بن ياسر، حَيثُ كان أفراد هذه الأسرة من خيرة وصفوة المسلمين الأوائل في حمل الرسالة الإلهية ومناصرتها عن وعي وبصيرة نافذة رغم شدة العناء وأساليب الإيذاء وصنوف التعذيب الذي لحق بهم من قبل قادة الاستكبار في حينه المتمثل في قريش وساداتها ومن خلفهم اليهود حتى قضى ياسر شهيداً سعيداً تحت وطأة التعذيب.
لقد مثل إسلام أسرة عمار اللبنة الأولى في صرح الهُــوِيَّة الإيمانية لليمنيين، خُصُوصاً أن الأسرة اليمنية تلك كانت تعرف تماماً المصير المحتوم وهو القتل على أقل تقدير لبعض أفرادها -وهو ما حصل بالفعل لاحقاً- بعد تلقي أنواع العذاب والتنكيل من قبل زعماء قريش إلا أن الإيمان الواعي بما جاء به محمد -صلى الله عليه وآله- جعلهم يقدمون المواقف العظيمة في الصبر والجلد على خيار الإغراء والرهاب الذي حصل لهم.
تجلى رسوخ الإيمان في أعماق ونفوس أفراد أسرة عمار في قوة الموقف والمضي بحكمة في اتباع النور الإلهي ومواجهة الطغيان من واقع الاستضعاف الواعي؛ فكانوا بمثابة جبهة متقدمة وشوكة يغص بها الاستكبار فكسروا حاجز الخوف لمن لحق بهم على ذات النهج، حَيثُ كان سبب ذلك الموقف الإيماني هو أن (عمار ملئ إيمَـاناً من مشاشه إلى أخمص قدميه) حتى كان ذلك الإيمان علامة فارقة في أهم موضوع في الدعوة الإسلامية، به يميز الله تعالى الدعي الباغي المعتدي من المؤمن الصادق عندما تلتبس على منعدم البصيرة في أهم موضوع وهو مبدأ الولاية وطريق الاتباع، حَيثُ قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وآله- (ستقتلك الفئة الباغية).
ثم توافد الأنصار على رسول الله -صلى الله عليه وآله- على المستويَّين: الفردي والجماعي، فحاز اليمنيين قصب السبق في الإسلام فنالوا شرف الإيمان والنصرة جهاداً في سبيل الله، وكانت المدينة موطن -الأوس والخزرج القبيلتين اليمنيتين- كانت البيئة والمجتمع الحاضنة والحامية؛ الوفية والمخلصة، نابع من إخلاص في الإيمان وصدق في التوجّـه والولاء فلم يغيروا من مبدأهم رغم الأحداث الجسام حينما تغير الآخرون، ولم ينقلبوا حينما انقلب الآخرون بل زادتهم تلك الأحداث إيمَـاناً وثباتاً عليه، فقدموا المواقفَ المشرفة أمام الله ورسوله وآل بيته الكرام، فقد سجل التاريخ مواقفهم الكريمة في البذل والعطاء والتضحية والفداء.
واليوم هَـا هو يمن عمار والأشتر يمن الإيمان، يمن الأنصار، يمن الحكمة، يمن المواقف، يمن الإنسانية ورغم الجراح النازفة جراء العدوان السعو أمريكي على يمن الإيمان منذ تسع سنوات، إلا أن الشعب اليمني سباق بتميز على شعوب العالم كما هي عادته في الدفاع عن المظلومين ومناصرة الحق والمعتدى عليهم في غزة هاشم، فقد تحول الشعب اليمني إلى طوفان بشري ثائر في كُـلّ الساحات على المستوى الرسمي والشعبي، المدني والقبلي، وفي كُـلّ المسارات العسكرية والإعلامية تحول إلى جبهة تعبوية في عملية تكاملية لم يسجل التاريخ لها مثيلًا سوى في يثرب مدينة الأنصار، فهو شعب يعي جيِّدًا بأن قيمة قوة الموقف في كلمة واحدة لن “نترك غزة تباد من قبل اليهود الصهاينة”، سنتعالى على جراحنا ونقدم مظلومية شعبنا في فلسطين على مظلوميتنا ونتحَرّك لمناصرتها بكل الوسائل المتاحة والممكنة وكلنا شوق ولهفة للنزال في الميدان.
فالقضية الفلسطينية حية في وجدان الشعب اليمني ولن تموت أَو تذهب أدراج رياح التطبيع النجدية والأعرابية، خَاصَّة مع تنامي الوعي الجمعي للمجتمع اليمني ومعرفته الواسعة بطبيعة الصراع مع أهل الكتاب من خلال المشروع القرآني الذي قدمه الشهيد القائد -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- ومن خلال ما يتم ترسيخه أكثر من خلال محاضرات وخطابات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله تعالى-، وَأَيْـضاً من خلال مضامين مفردات الصرخة في وجه المستكبرين كشعار وهتاف يحمل قضية ومشروعًا تحرّريًّا بأبعاده الدينية والعقائدية.
لقد امتزجت القضية الفلسطينية بمشاعر ووجدان الشعب اليمني حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هُــوِيَّة اليمني دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، بل إن مواقف شعب الإيمَـان والحكمة ناتجة عن تراكمات في الوعي؛ لأَنَّه شعب يملك مشروعًا جامعًا وقيادة ربانية حكيمة وقضية عادلة ومحورية في المشروع القرآني وهي القضية الفلسطينية التي تمثل الفيصل في الصراع، ولهذا فَــإنَّ الشعب اليمني بهُــوِيَّته وقوة مواقفه وعلى كُـلّ الأصعدة والمستويات لن تفتر عزيمته أَو يصاب بالملل؛ لأَنَّنا نشاهد الفعاليات والأنشطة والعروض الشعبيّة المسلحة والمسيرات المليونية في تصاعد مضطرد بتنظيم راقٍ تحاكي ضربات القوات البحرية في القوات المسلحة للسفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة لصالح الكيان الصهيوني أَو السفن الحامية لها أمريكية وبريطانية استجابةً لنداء الواجب والضمير الإنساني مهما كانت النتائج، والنتائج المثمرة والحتمية في صالح من قال الله تعالى عنهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) كَسُنّة إلهية ثابتة لا تتغير.