نهجٌ خالد
أُسامة الفَــرَّان
لم تخلُ كُـلُّ العصورِ والأزمانِ من استهداف قوى الشَّرِ لقوى الخيرِ؛ بَيْدَ أن كُـلَّ قوةٍ تملِكُ طُرُقاً خَاصَّةً في منهجيةِ الاستهداف الذي تمشي عليه، ولا سيما استهدافَ اليهودِ للإسلام والمسلمين؛ استهدافٌ جعل الأُمَّــة الإسلامية تحتَ أقدامِ من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة؛ إثر خللٍ في ثقافتها، جاء من خارج الثقلين فرأت في الخنوعِ والاستسلام دِيناً وفي السكوتِ عن الحقِّ والتطبيلِ لمفسدِي الأرض وسطيةً واعتدالًا.
وهذهِ أمريكا تعيثُ في الأرض فساداً ترومُ إخضاعَ كُـلِّ الشعوبِ الإسلامية بتلكَ الذرائعِ التي سهَّلت وصولَها لمآربِها الشيطانيةِ فاستباحت الأرضَ والعِرْضَ، وقامت بتخريبِ البلدانِ واحتلالِ الأوطان؛ بذريعة مكافحةِ الإرهاب.
أُمهاتٌ ثكلت، نساءٌ ترمَّلت وأصبحت تحملُ هَـمَّ معيشةِ أولادها اليتامى، أمَّا أُولئك الشيوخُ فقد عجزوا في زوايا ديارهم المهدَّمة!
أقبلت أمريكا بجيوشٍ ضخمةٍ وعتادٍ عسكريٍّ مهولٍ تحتلُّ المنطقةَ بعدَ أن أبرمت اجتماعاتٍ عدةً برفقةِ قاداتِ اليهود؛ منفذةً مؤامراتٍ خُدِعَ بها الكثيرُ وشاركَ فيها الكثير؛ فضلاً عن تأييدِ زعماءِ العربِ لتلك الحملاتِ الإجراميةِ التي كانت تشُنُّها أمريكا، وموقِفِهم السلبي أمامَ استباحةِ أرضِ إخوانِهم المسلمين؛ بل مشاركتِهم في تلكَ الجرائمِ الوحشيةِ، يرومون إرضاءَ اليهودِ ويبغونَ لقمةَ عيشٍ حقيرة.
الأنفُسُ تُزهَقُ وبنارِ الحقدِ توقد، والعالمُ يصمُت، لا سِـيَّـما بعد احتلال أمريكا للعراقِ وأفغانستان، والدمارِ الذي خلَّفَهُ ذاك الاحتلالُ الذي أقبلَ حينها لنفسِ الهدفِ المرسومِ من قبلُ؛ إلا أن الذريعةَ اختلفت.. لا غير.
في الوقت نفسِه! ليس هناك مشروعٌ يخدم المنطقة، بل لا يوجد مستنهِضٌ للهمم ومجدِّدٌ لعزمها عند المسلمين حين انغمسوا في الاتِّباع الخالي من الحرية والكرامة والدفاع،
لكن؛ كانَ هناكَ عينٌ كتبت على نفسِها العيشَ بكرامةٍ في الدنيا والسعادةَ في الآخرة، كانت تلك العينُ ترقُبُ الأحداثَ بكلِّ دقةٍ وتأنٍّ حتى اتضحت الصورةُ أمامَها أكثرَ.
انطلقَ السيدُ حسينُ بدرِالدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- بينَ الناسِ هادياً لهم وكاشفاً كُـلَّ الطرقِ التي اتضحتْ أمامَ عينَيهِ والخططَ القذرةَ التي أبرمها اليهودُ والنصارى، وشارحاً كُـلَّ التصريحاتِ والتوجيهاتِ القرآنية والتي توجبُ عِداءَ اليهودِ والنصارى، وموالاةَ أولياء الله، وموضحًا خطرَ اليهودِ والأمريكان على هذهِ الأُمَّــة؛ رافعاً الستارَ عن ذاك التضليلِ الذي كانت تقومُ به السلطةُ والزيفِ القائمِ من قبل الشيطانِ الأكبر.. أمريكا.
شكَّلَ الشهيدُ القائدُ حسينُ بدرِالدين الحوثي دوراً هاماً في توعيةِ المجتمعِ، ورمزاً أَسَاسياً في بناءِ أُمَّـة تثقَّفت بالقرآن الكريم وعملت به، مؤسِّساً مشروعاً قرآنياً أزعجَ كُـلَّ عميلٍ وعدو، وقدَّمَ الحلولَ أمامَ كُـلّ المشاكلِ التي تواجهُها الأُمَّــة.
فكانَ ولا بدَّ من توريثِ عزمٍ في الورى؛ يوقِظُ من خَــدَنِ الكرا؛ كُـلُّ المدائنِ والقرى؛ ويخلِّدُ ذكرى امتلأت بالإباءِ حينَ انطلقَ ثلةٌ من المجاهدين تجللُ أصواتُهم الجامعَ الكبيرَ بصنعاءَ؛ وثلةٌ أُخرى بمسجد الإمام الهادي بمحافظة صعدة؛ أمَّا البقيةُ فقد توزعوا على عدةِ مساجدَ أُخرى صارخين فيها بصرخةِ البراءةِ من أعداء الله بكُلِّ شجاعة، وحينها تحَرّكتِ الأنفسُ الخبيثةُ لتُصدِرَ أوامرَها الشيطانيةَ باعتقال كُـلِّ مَن يهتفُ بصرخةِ (الله أكبر)، واعتُقِلَ العشراتُ من المجاهدين ذلك اليوم.
استمرتِ الحركةُ المناهضةُ لليهودِ والأمريكان بصرخاتِ المكبِّرين والمجاهدين، ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، واستمرَ النشاطُ القرآني يُلقيهِ السيدُ حسينُ الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- تزامُناً مع استمرار العمالةِ التي يتمتعُ بها زعماءُ العربِ والسلطةِ الظالمةِ التي استمرت في اعتقال المكبِّرين في كُـلِّ جمعة، والترصُّدِ لهم في شتى المساجد، وليتَها اكتفت بالاعتقال فقط! فقد مارستْ شتَّى وأبشعَ أنواع التعذيبِ بحقهم وإجهادِهم جسدياً؛ لإخضاعهم معنوياً ونفسياً.
اعتقالاتٌ.. تعذيبٌ.. أوبئةٌ وأمراضٌ.. تهديدٌ بالسلاح.. كُلُّــها لم تُجْدِ نفعاً أمامَ تلك العزائمِ الجهاديةِ الحديديةِّ؛ فالتجأتِ السلطةُ لشنِّ الحروبِ على محافظةِ صعدة. مرانُ تُهدَمُ وحيدانُ تُقتَلُ بأسلحةٍ قويةٍ وفتاكة، واندلعت شرارةُ الحربِ الأولى في العام ألفين وأربعةٍ للميلاد 2004.
ثلاثة أشهر إلا أربعة أَيَّـام كانت غضب النيران الذي صُبّ على الشهيد القائد حسين الحوثي ورفاقه، وكانت قد نجحت في اغتياله وقتله جسدًا؛ أما روحًا مشروعًا فَــإنَّ اليمنَ اليومَ يراه في كُـلِّ عملية للقوات المسلحة اليمنية ضد “إسرائيل” وتضامنًا مع فلسطينَ المحتلّة.
اليمنُ اليومَ يرى هذا القائدَ في الصمود الأُسطوري أمام ضربات العدوان الأمريكي البريطاني على البلد، وقبل ذلك أمام ضرباتِ العدوان السعوديّ الأمريكي الذي ابتدأ في السادسِ والعشرينِ من مارس للعام ألفين وخمسة عشر.
بمعنى أن كُـلَّ أُولئك رحلوا.. وبَقِيَ الشهيدُ القائدُ حسين بدرالدين الحوثي كنهجٍ خالد.