الموقفُ العملياتي “التكتيكي والتعبوي” لميدان معركة “طُـوفان الأقصى” بعد 3000 ساعة من الحرب
المسيرة | عبد القوي السباعي
بعد أن تمكّن أبطالُ الجهاد والمقاومة الفلسطينية وعلى مدى 3000 ساعة من الحرب في ميدان معركة “طُـوفان الأقصى” البطولية؛ من نسف كُـلّ السرديات الثقافية والسياسية والعسكرية الدعائية والترويجية لكيان العدوّ “الإسرائيلي” الغاصب، والتي أظهرت حجم الفشل الذريع لأجهزة أمنه واستخباراته، وهشاشة جيشه الكرتوني، وكبّدته خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، ليُعلن حربه العدوانية الوحشية على قطاع غزة، مستهدفاً فيها البشر والشجر والحجر ويكشف عن حيثيات النفاق والخداع الأممي، وزيف القيم والأخلاق والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان المزعومة، التي شغلت العقول والمعارف لعقودٍ من الزمن.
ومع مرور 125 من المعركة، فرضت المقاومة منطقها العملياتي “التكتيكي والتعبوي” في معارك ومناطق العمليات المتوزعة على ثلاثة مناطق ومحاور من قطاع غزة، ألزمت العدوّ فيها بإجراءاتٍ عملانية يمكن قراءتها بأنها إجراءات دفاعية عن مجمل العملية العسكرية في غزة.
شمالًا.. إلزامُ العدو التخليَّ عن محاور ملاصقة للمستوطنات:
في معركة منطقة العمليات الشمالية لقطاع غزة، ألزمت المقاومة قوات العدوّ بإجراءات عملانية يمكن قراءتها بأنها إجراءات دفاعية عن مجمل العملية العسكرية لمختلف الجبهات في قطاع غزة.
حيث أكّـدت مصادر ميدانية أنه “تم إرغام العدوّ على التخلي عن المحاور الملاصقة للمستوطنات في الشمال والشرق وجره إلى فخٍ كبير في محاور مدينة غزة”، وبالتكتيك الذي اتبعته المقاومة منذ عودة القتال إلى منطقة العمليات الشمالية، “من الطريق رقم 10 وحتى الحدود الشمالية للقطاع”، توزعت فيه كتائب لوائي غزة والشمال الـ12، والمهام في الخطة المستحدثة اعتمدت على ثلاث خطوط صد رئيسية.
خط الصد الـ1.. “أسودٌ منفردة” تخترقُ العدوَّ من الحافة:
اعتمد أبطال الجهاد والمقاومة القتالَ التعطيلي على الحافة بواسطة عناصرَ ومجموعات عبارة عن أسود منفردة مهمتها المشاغلة والتأخير والاستنزاف لرؤوس الجسور “رأس حربة” القوات المتوغلة، فضلاً عن مهمتي الاستطلاع والإنذار المبكر الذين يؤمنان المعلومات الفورية لغرف العمليات الميدانية والمركزية.
الخط الـ2.. وإبطاء وإضعاف التوغل:
من خلال قراءةٍ فاحصة لبيانات “أبو عبيدة وأبو حمزة” في أكثر من بيان خلال أسبوع مضى يشار إلى أن هذا الخط صُمم بدرجة رئيسية كمنطقة قتل تقوم خلالها الأسلحة المشتركة المختلفة بضرب قوات العدوّ المتوغلة وإبطاء وإضعاف زخمها الهجومي في مناطق مفتوحة تفصل الخط الأول عن الخط الثالث.
الخط الـ3.. تحصينُ المناطق المأهولة وسحقُ التسلُّلات:
اعتمد هذا الخط على تحصين وحماية المناطق المأهولة وسحق التسللات، كما ينفذ من خاله وبشكلٍ دائم عمليات مباغتة وتعرض كبيرة لقوات العدوّ التي تنجح في اجتياز خط الصد الثاني ويستخدم طاقة نيرانية كبيرة تعتمد على أسلحة النيران المنحنية كالهاون، والنيران المباشرة الحاصدة الرشاشة.
ووفق مطالعة فاحصة “لصحيفة المسيرة” لكل ما تنشره وسائل إعلام العدوّ “الإسرائيلي”، خلال أسبوع من المناورات الهجومية، يبدو أن العدوّ قد تبين أن إجراءاته المتجددة للدخول إلى المنطقة الشمالية غير مجدية، فضلاً على أن الاستعدادات التي كان يجنِّدها للتصدي لعمليات التعرض التي كان ينفذها أبطال المقاومة في بداية المرحلة غير كافية، ووجد نفسه منذ بداية الأسبوع الماضي، يتورط في عملية جديدة على منطقة العمليات الشمالية من خلال إعادة نشر ألوية من الفرقتين 162 و99 (الناحال – الـ 401 مدرع و179 المدرع) ووحدات نخبوية متعددة المهام (الوحدة 888 رفائيم – ووحدة الشالداغ) فضلاً عن تسخير كُـلّ الطاقة النارية الأرضية للفرقة 162 التي قدمها الفوج 215 مدفعية، فضلاً عن كتيبة البحث والإنقاذ 498 المعروفة بكتيبة “شاحار”.
ومردوعاً بالقتال الأُسطوري الذي خاضه أبطال المقاومة في منطقة الشجاعية والزيتون والدرج وتلة الريس وشرق جباليا قام العدوّ بنشر معظم قواته التي يوازي استعدادها 4 ألوية في المنطقة الغربية الممتدة من أبراج المخابرات وحتى حدود منطقة الشيخ عجلين، والذي أكّـدت مصادر محلية، أنه صُدم بقتالٍ أشرس في القسم الشمالي لمناطق انتشاره “التوام – المخابرات – الشيخ رضوان – النزلة” فأعاد تركيز قواته في المنطقة الممتدة من ميناء غزة وحتى الشيخ عجلين ليعيد محاولة تنفيذ مناورة هجومية عميقة شرق هذا القاطع.
وهنا كانت المفاجأة، حَيثُ تبين للعدو أن نخبةَ الفصائل المقاومة حشدت مجاهديها في هذه المنطقة متعرضة لقواته المنتشرة في تلك المنطقة ومهدّدة استعداده الصغير المكون من لواء واحد بين تلك المنطقة والمنطقة الوسطى “أبراج الزهراء – المغراقة – النصيرات – البريج”، فقام بتعزيز المنطقة الوسطى التي اعتبر أنه أنهى عملياته فيها بلواء مدرع هو اللواء 205.
وأوضحت المصادر أنهُ، بعدما تبين للعدو أنه وقع في مصيدة المقاومة، استمر باستعداد يوازي 4 ألوية بالتعرض منذ 5 أَيَّـام لضربات مجهدة من المقاومة في منطقة لا يمكن المناورة فيها لضيق جغرافيتها العسكرية ولعدم قدرة العدوّ على المناورة الهجومية والفتح التعبوي فيها نتيجة لعبثه السابق بمميزاتها من خلال الغارات المدمّـرة التي استفادت منها كتائب المقاومة لتفرض عليه قتال مدن بين خرائب “تل الهوى والجامعات والجوازات والشيخ عجلين ومجمع الزهراء”.
اللافت في هذا المجال، أن جيش العدوّ الذي أعلن أنه دمّـر كتائب لوائي غزة والشمال الـ 12 يبدو عالقاً الآن بنيران وعمليات 5 كتائب فقط من كتائب لواء غزة وهي بحسب مصدر عسكري فلسطيني، كتائب “تل الإسلام – كتيبة الزيتون – كتيبة الفرقان – كتيبة الشجاعية – كتيبة الشيخ رضوان” فيما تترصد كتائب لواء الشمال أي قوة يدخلها من الحد الشمالي أَو الشرقي لقطاع غزة التي مل يجرؤ العدوّ بعد من تحريك أي استعداد باتّجاهها رغم أن قادته يعلنون ليل نهار أنهم سيتخذون منها مناطق عازلة.
وسط.. عمليات تعرضية مباغتة:
تراجعت الأعمال القتالية المرتبطة بالمناورات الهجومية بشكلٍ كبير في منطقة العمليات الوسطى لغزة، وهي: “البريج والنصيرات والمغازي ودير البلح”، وتحولت معظم عمليات العدوّ إلى جهود تأمينية دفاعية بحتة.
في السياق، تشير مصادر عبرية إلى أن الاستعداد الأصغر في قطاع غزة يستمر، ويتكون من لواء مدرع في شمال المنطقة الوسطى هو اللواء 205 ولواء مشاة احتياطي في شرقي الوسطى هو اللواء الاحتياطي 261 بعدما تم سحب اللواء 646 التابع للفرقة 99 من منطقة انتشاره في وادي غزة وزجه مكان اللواء الرابع (كرياتي) في منطقة العمليات الجنوبية في منطقة الكتيبة في مدينة خان يونس.
وبقراءة طبيعة الاستعداد في منطقة العمليات الوسطى المكون من لواءين فقط يبدو أن جيش العدوّ حول مهمة الفرقة 99 من مهمة بحث ومداهمة إلى مهمة تأمينية لمنطقة وادي غزة والطريق رقم 10.
وتحولت عمليات المقاومة التعرضية (المباغتة)، إلى استهداف مكثّـف لاستعدادات الفرقة 99 في منطقة الشيخ عجلين لمنعها من تشكيل أي تهديد على مخيم النصيرات أَو الواجهة البحرية الممتدة من الشيخ عجلين وحتى الأطراف الغربية لتل الهوى على طريق الرشيد البحري، كما أن وجودَ لوائي احتياط ضمن مسؤولية منطقة العمليات الوسطى التابعة للفرقة 99 يظهر بأن معظم الجهد الذي سينفذ من الآن فصاعداً في منطقة العمليات الوسطى في “البريج والمغازي ودير البلح والنصيرات” سيكون جهداً ثانوياً، بحسب مصادر ميدانية.
جنوبًا.. استنزاف العدوّ لمنعه من اجتياز الحد النهائي:
بعدما تحول كُـلّ جهد الفرقة 98 من قوات العدوّ إلى غرب مدينة خان يونس تكاد المحاور الشرقية للمنطقة الجنوبية شبه خالية من القوات “القرارة – الزنة – معن – شرقي عبسان الكبيرة – بني سهيلا – الفواخري – خزاعة”، حَيثُ يستمر العدوّ بعمليته الواسعة على مدينة خان يونس منذ 10 أَيَّـام بالاستعدادات مكثّـفة.
وبحسب مصادر عبرية فَــإنَّها تتمثل في: “وحدة الهندسة العسكرية النخبوية “يهلوم” المتخصصة باستكشاف الأنفاق والتي تعمل مع اللواءين 35 مظلات واللواء السابع المدرع داخل مدينة خان يونس، واللواء الإقليمي 6643 “القطيف” جنوب القرارة شمال شرق مدينة خان يونس، ولواء الكوماندوس 89 التابع للفرقة 98 ووحداته الخَاصَّة “إيجوز – ماغلان” ويعمل شمال مدينة خان يونس في مناطق العبادلة تحديداً محيط مؤسّسة تطوير الأطراف الاصطناعية.
وأضافت، أن تواجد “اللواء السابع مدرع التابع للفرقة الـ 36 والذي انتقل إلى منطقة معن يهدف للضغط على مدينة خان يونس من شرقها، فيما لواء جفعاتي التابع للفرقة 162 ويضغط على مدينة خان يونس ومخيمها من جنوبها الغربي، واللواء الـ35 المظلي التابع للفرقة 98 وهو أهم لواء مظلي في جيش العدوّ يعمل داخل مدينة خان يونس في منطقتي الكتيبة والمحطة، كما أن اللواء 646 الكوماندوس الاحتياطي التابع للفرقة 99 ينتشر غربي بني سهيلا في منطقة مسؤولية اللواء 35 المظلي.
في السياق، تفيد تقارير ميدانية أن تركز قتال هذا الاستعداد الضخم لقوات العدوّ على مربع داخل مدينة خان يونس عرضه 600 متر وطوله 1300 متر، ويدور القتال في هذه المنطقة “محيط حي الأمل – الحي الياباني” والأحياء المحيطة به على طريقة منازلة الشوارع أَو مباريات الملاكمة، حَــدّ وصفها.
في المقابل تعتمد استراتيجية مجاهدو المقاومة التكتيكية والتعبوية في مناطق العمليات القتالية وضمن تطبيق مبدأ الاقتصاد بالقوى على استراتيجية الاشتباك مع العدوّ في الحدود الأمامية لمربع “الأمل” من خلف الخطوط ومن المسافة الصفرية؛ بهَدفِ استنزاف العدوّ مادياً ومعنوياً لمنعه من اجتياز الخطوط التي تعتبرها المقاومة حداً نهائيًّا مسموحاً للعدو بالاقتراب منه.
ومن خلال المشاهد التي توثق عملياتها على مدار الساعة، فَــإنَّ المقاومة تقوم بتطبيق تكتيك الالتحام المباشر مما يحرم العدوّ من أهم ميزاته التعبوية “الدعم الجوي – الإسناد المدفعي – المعلومات القتالية الفورية”؛ بسَببِ التداخل وتقارب القوى المشتبكة مما يجعل تلك المميزات التعبوية للعدو بلا فائدة، كما أن عدم التماس وقطع الاشتباك مع العدوّ في المحاور التي ينفذ فيها عمليات خادعة “تثبيتية” والاستعاضة عن التماس باستخدام أسلحة المناورة بالنار والنيران الحاصدة.
هدفُ العدوّ تحطيم إرادَة قتال المقاومة انعكس عليه:
الاشتباكات الضارية التي تخوضها المقاومة الفلسطينية في المحور الجنوبي “خان يونس”، وتحديداً في الأحياء الشرقية والغربية من مجمع ناصر الطبي، حتى آخر ساعة من الثلاثاء، مع قوات العدوّ المتوغلة، تؤكّـد عدم تحقيقه أي هدف أَو إنجاز ميداني على الأرض عبر تسويق كذبة” انتهائه من تطهير جيوب المقاومة وتحقيقه إنجازات ميدانية في خان يونس والوسطى وغزة والشمال.
ومما تقدم فالمقاومة تمكّنت على مدى أَيَّـام الأسبوع الفائت، من القتال الضاري بمواجهة 5 ألوية أن تستوعب محاولة العدوّ إغراق المربع المستهدف في مدينة خان يونس بالقوات حتى يتسبب ذلك بتحطيم إرادَة القتال لدى المقاومة وهذا ما انعكس سلباً على العدوّ، حَيثُ تستمر قيادته بسحب القوات التي تتعرض لأضرار شديدة بالموارد البشرية والمادية منذ بداية معركة خان يونس في الثاني من ديسمبر الماضي.
مصادر عبرية أكّـدت سحب “لواء كفير الذي تعرض لضربات مجهدة ومؤثرة في عبسان ثم في القرارة ثم في الأطراف الجنوبية لمدينة خان يونس، واللواء 55 المظلي الذي لم يستطع إكمال المهمة في مدينة خان يونس لأكثرَ من 96 ساعة، واللواء الرابع المدرع الذي تعرض لضربات شديدة في بني سهيلا رغم احتلاله لأكثر من %60 من مساحتها.
يضاف إلى ذلك، اللواء الخامس الذي لم يكمل عمليته في خزاعة فجرى نقله إلى شمال القطاع ثم سحبه نهائيًّا مساء الثلاثاء، من الخدمة، إضافة للألوية المذكورة التي جرى سحبها من القتال في غزة فَــإنَّ اللواءين الرئيسيين العاملين في محاور خان يونس وهما اللواء 89 كوماندوس ولواء جفعاتي يتعرضان لضغوط كثيفة بعد تعرضهما لضربات كبيرة منذ بداية المعارك ويبدو أن انهيارهما قد أصبح وشيكاً.