وَحدةُ الجبهات
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
تعملُ أمريكا بكُلِّ إمْكَانيتها على تفكيكِ الجبهاتِ التي تواجهُ العدوَّ الصهيوني في حربه على غزة؛ فقد حرصت منذ بداية الحرب على إظهارِ موقفها الداعي إلى عدمِ توسيع ساحات الصراع واقتصارها على غزة فقط، حتى الضفة الغربية لم ترغب أمريكا في أن تنخرطَ في المعركة إلى جانب غزة، ولم يكن بوسعِ محور المقاومة أن يتفرجَ على غزة وهي تقتل وتدمّـر وهو لا يحرك ساكناً.
ولذلك تحَرّك وسارع حزبُ الله في 8 أُكتوبر إلى فتح جبهة في شمال فلسطين دعماً وإسناداً لجبهة غزة، وتمكّن من سحب جزء من قوات العدوّ إلى هذه الجبهة، كما تسبب بخسائر للعدو في العدة والعتاد، ثم تحَرّكت اليمن وبدأت بإرسال الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيَّرة إلى الأراضي المحتلّة، وتحَرّكت في البحر الأحمر لمنعِ السفن الإسرائيلية أَو الذاهبة إلى “إسرائيل” من المرور؛ حتى تتوقفَ الحرب الصهيونية على غزة، وبذلك نجحت اليمن في فرض حصار على الموانئ الإسرائيلية، ولم تتأخر المقاومةُ الإسلامية العراقية في الانخراط في معركة “طُـوفان الأقصى” إلى جوار غزة من خلال المسيّرات والصواريخ التي ترسلها إلى مناطق مختلفة لقصف أهداف حساسة في الأراضي المحتلّة، إلى جانب استهداف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، وكلّ تلك التحَرّكات تأتي في إطار الوقوف إلى جانب الإخوة في غزة، ومخالفةً لرغبة أمريكا في عدم توسيع الصراع.
وأما أمريكا فلم تكن تتوقعُ أن تظهرَ قوىً مقاوِمةٌ تتحداها وتعلنُ وقوفَها إلى جانب غزة بالقول والفعل، خَاصَّةً بعد أن كانت قد سوَّت أرضَ الملعب ليدخُلَ الكيانُ الصهيوني كلاعبٍ وحيدٍ مدعومٍ من دول العالم لمواجهة الفلسطينيين الضعفاء والذين لا يملكون أيَّ دعم حتى من العرب والمسلمين، وأصبحت النتيجةُ محسومةً لصالح الكيان الصهيوني بالضربة القاضية التي سوف تقضي على الأحلام الفلسطينية بالعيش في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولكن تحَرّكات محور المقاومة أعاق خططَ أمريكا الخبيثة فلجأت إلى التعامل مع كُـلّ جبهة بشكل منفرد، حَيثُ بدأت بالضغط على لبنان بالتهديد والإغراءات لوقف تحَرّكات حزب الله في شمال فلسطين، وأعلنت أن تحَرّكات اليمن في البحر الأحمر شأن دولي وليس له علاقة بما يجري في غزة ودعت إلى تحالف دولي لمواجهة تلك التحَرّكات، وأما تحَرّكات المقاومة العراقية فاعتبرتها أمريكا مشكلة تخصها وسوف تقوم بمواجهتها.
وهدفُ أمريكا من كُـلّ ذلك هو تركُ حماس وحيدةً تواجهُ مصيرها، ثم بعد ذلك يتم التعاملُ مع بقية القوى المقاومة والقضاء عليها بشكل منفرد، ولكن محور المقاومة استوعب الخططَ الأمريكية ولن يسمحَ لها بتنفيذِها.