مشروعُك ثورةٌ واستشهادُك ثورةٌ أُخرى

 

أمة الملك قوارة

“إن من أعظم نكبات الأُمَّــة أن تفقد عظمائها”، تتردّد أصداء هذه الكلمات فينا كلما لاح بريقُ اسمك الوضاح الآفاق سيدي، ترسو بنا على قارعة الرحيل الأشد مرارة، ورغم هذا إلا أنكَ الحي في وجداننا أبدًا، الحاضر المتجذر في أرواح أنصارك، يا من رسمت بفيض علمك للأُمَّـة رؤيتها الصحيحة، محاولاً إعادتها إلى مسارها الحقيقي وطريق هدايتها، ويا من على يديه تتلمذت قوافلُ من طلبة العلم، جُدت بما تعلم على ثلة من الرجال والصبيان، واثقاً بأنهم سيحملون همّ تلك الرؤية من صغيرهم حتى كبيرهم، في موقفٍ يتجلى اليوم عظمته وأحقيته؛ تستفيق قوى الظلام وأياديها الغادرة على خوف؛ لتبادر بكل عنفٍ؛ كي تمحوَك وتمحوَ ذكرك، وبفعلهم وبكل بطشهم وبجبروتهم ذاك خطوا حضورك؛ فأصبحت أكثر حضوراً فينا من قبل، وهذه الحقيقة التي اليوم يتجرعون مرارتها، ولن نستطيع أن نخفي ذلك؛ ففقدك آلمنا وأحرقنا كحرقتك وألمك على الحسين يوم كربلاء: هي نكبة أمتنا حين فقدناك، والتي كانت تتويجاً لما سبقها من النكبات، نكبة بقدر ما آلمت بقدر ما أشعلت، وبقدر ما أفجعت بقدر ما أزالتِ الغشاوة عن البصائر، نكبة أشَارَت ببنانتها إلى الباطل لتُعريه واستمرَّت بالإشارة حتى تعرَّى أمام الجميع؛ فكشفت حقيقته، فأصبحنا نعي ونعي أكثر مع تكشُّف الأحداث واستجلاء خبرها مسبقًا من وحيك وصدق قولك يا حليف القرآن..

كان مشروعُك ثورةً وفقدُك ثورةً أُخرى وامتدادًا أوسعَ لجهاد مقدَّس؛ فكنت القائدَ الشهيدَ الذي بدمائه صنع حاضر ومستقبل الأُمَّــة، وها نحن اليوم نعيش حاضر صنعته بدمائك الطاهرة، ومستقبلاً نتجه إليه ضمن مشروع قرآني وجهتنا إليه.

سيدي في بضعِ كلمات اقتبسناها من محيط علمك العذب ووافر حكمتك وينبوع معارفك “إن الإنسان سيصبح قوياً متى ما وثق بالله وارتبط بالقرآن وحقّق مسؤوليته الملقاة عليه ولم يرتَبْ ولم يخف دون الله فقد سبق ذلك ثقته بالله”، و”إن الإنسان سيصبحُ عظيماً متى ما ارتبط بالقرآن”، ثم أثبت لنا فرأينا عظمتَك تتجلى قرآناً يمشي ولا يقال، فقلت وعملت وتحَرّكت حتى أحس الأعداء الأرض تهتز تحت أقدامهم على بعد أميال قبل أن نعيَ نحن قولك!

سيدي الشهيد الحي: أخبرتنا دون خوف أن أعداءَنا على ملة الكفر هم قشة وليست عصا غليظة ظلها أكبر من حجمها وهيمنتها سراب؛ إنما تتباهى بها على أئمة النفاق لتخيفهم وتجعل منهم أدوات رخيصة لها! ولقد تشّبع من قولك السديد شعب بأكمله؛ ليعود إلى نهجه ويتمسك بهُــوِيَّته الإيمانية وقضيته المركزية، فأصبح شعباً عظيماً بمنهجه وقائده وموقفه.

واليوم سيدي إن القلة التي حاضرتها وراهنت على وعيها أصبحت أُمَّـة تضرب بموقفها الحر آذان العالم الأصم؛ لتعلمه معنى الحرية والإنسانية وأهميّة الدفاع عن كرامة المسلمين وكرامة الإنسان، شعبٌ عَبّر عن مقدار وزن قوى الطاغوت التي يرهبها الجميع وتخافها الشعوب..

فقدناك عظيماً لكن بعظمتك بنيت عظمةَ شعب سترهبه الآن أعتى قوى العالم ظلماً وجبروتاً، فأصبح العالم ينظر إلى ماهية مشروعك القرآني الذي أحيا شعباً مواتًا ووصل به إلى أوج الكرامة والعزة بإجلال واحترام، وبعد أن أوهم الأعداء أنفسهم أنهم قضوا عليك وعلى مشروعك القرآني! يتفاجؤون ليروا أنهم بدمائك أحيَوا أُمَّـةً عظيمةً بعظمتك، أُمَّـةً عصيَّةً عليهم يقف لها الأحرار احتراماً ويتبنى موقفها الشرفاء ويستهوي اللحاق بها إنسانيو العالم..

فقدناك سيدي جسداً لا غير، وها هو مشروعُك القرآني تتردّد أصداؤه في زوايا العالم، وأتباعك يحاضرون فعلاً كما علّمتهم ويترجمون أقوالهم على أرض الواقع وفي عُمق العدوّ، باقٍ أنت فينا ما بقي القرآن يا حليف القرآن وأنت القُدوة فريضة وسنة، والقائد والشهيد الحي في فينا، فالويل لهم من دمائك التي حملناها في عروقنا، وبصيرتك التي استوطنت أرواحنا، ورؤيتك التي تجذرت في عقولنا، والسلام للعالم موصولة من رحمتك التي أودعها الله في قلوبنا، فالسلام عليك يوم خُلقت ويوم استشهدت، ويوم أنعم الله بك علينا ويوم تُبعث حياً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com