المبعثُ النبوي والقرآنُ الكريم

 

م. م. زينب محمد ياسين عبد القادر*

المبعثُ النبوي هو يومٌ عالميٌّ لهدايةٍ اجتماعية ودينية واقتصادية وسياسية للمسلمين كافة يُستنبَطُ في قوله تعالى: “اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”؛ فإخراج الناس إلى حياة نور أضاء دربهم بشخص النبي الأكرم بعطاء رباني له بالقرآن الكريم؛ فهتكت آياته حجاب الظلمات المانع لتكامل الإنسان كظلمة الجهل وَظلمة العصبية وظلمة الفساد وَظلمة المعصية وغيرها؛ فبعث اللهُ النبيَّ للعالمين أجمعَ؛ إذ قال تعالى: “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا”، وكانت بعثتُه -صلى الله عليه وآله وسلم- في بيئةٍ مليئة بالجاهلية وَالتخلف، وفي محيط تشوبه الصراعات والمؤامرات واستطاع أن يجعل من الأُمَّــة التي لا تجيدُ إلَّا رعيَ الإبل والغنم أُمَّـةً تقودُ الأُمَمَ.

وفي هذا الصدد، يقول الصادق -عليه السلام-: أفضل الأعياد وأكملها هو اليوم الذي بعث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا اليوم هو غاية من سبق ومرجع من لَحِق، وإن كُـلّ الأنبياء كانوا لأجله يمهّدون، وكلّ الأوصياء كانوا لأجله يجاهدون، حتى إن بعضَ المسلمين جعله عيدَ الله الأكبر.

فيومُ المبعث النبوي هو يومٌ جُعِل فيه القرآن مشروعَ السماء لبناء الإنسان من خلال النبي الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله-، وهذا المشروعُ ليس للآخرة فقط وإنما دعوةٌ للحياة الكريمة، من كتابٍ صادرٍ عن الله على لسان رسوله، في لغة عقل وبرهان وَقلب ووجدان، ببلاغته المعجزة عن الإتيان بمثلها، وبمضمون هو قلب الإسلام، ومحور ثقافة الإنسان في جامعة الحياة.

وعوداً على بدء فَــإنَّ للقرآن تنزيلَينِ:

الأول: في ليلة القدر؛ باعتبار كونه كتاباً سماوياً وَدستوراً إلهياً؛ فلم يبدأ إلا بعد مضي ثلاث سنين من بعثته المباركة، وَعليه فبداية نزول القرآن الكريم كانت في ليلة القدر الثالث وَالعشرين أو السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك من عام (10 قبل الهجرة) بمكة المكرمة، وَالقرآن الكريم يصرّح بنزوله في شهر رمضان في ليلة القدر، حَيثُ قال اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّـام آخر يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

أما التنزيل الثاني: فهو يومُ المبعث النبوي الإذن الإلهي بالتصريح؛ أي أصبح النبي مرسلاً “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ”، ومما جاء به القرآنُ هو كلمة “اقْرَأْ”؛ لكي يبصّر الإنسان الذي كان يعيش الجهل على أن يقْرَأْ نفسه بوصفه مخلوقاً، ويقرأ الكون وجزيئاته والعالم وصفاته، فالقراءة أمر من السماء تنأى بالإنسان عن أن يصاب بمرض الجهل.

واليوم فَــإنَّ الأُمَّــة بحاجة إلى معرفة المسؤوليات المناطة بـأبنائها في مقدمتها تصحيح علاقة الإنسان بالإنسان، كمعرفة العلاقة بين موسى وعيسى وإبراهيم ومحمد وحسين ووهب وجون وزهير وسلمان الفارسي وبلال الحبشي والغلام التركي والحر الرياحي علاقة أخوّة إيمانية… “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” لا يتم التفريقُ بين أحدٍ منهم لا على أَسَاس العقيدة ولا القومية ولا الطائفة ولا المذهب ولا العشيرة “قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إلى إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحدٍ مِّنْهُمْ”.

وأن تعيشَ الأُمَّــة مع صفحات القرآن وتترجمها بشكل صحيح بعيدًا عن الترجمة المذهبية والطائفية والقومية، ترجمة لا صلة ولا عهدَ لها بالإسلام بل يجب أن يحرّر الإنسان نفسه من ظلمة الجهل والتخلف، ويعود إلى النبي الأكرم (ص) وتلتمس منه نور القرآن؛ عندها سيشاركُ العالمَ في الإنتاج الفكري والحضاري والصناعي والعلمي والعسكري وَالطبي وَغيرها.

ختامًا، يتبين لنا، أن التمسكَ بما جاء على لسان الصادق الأمين (ص) من آيات الذكر الحكيم، شرط أَسَاس من شروط نهضة الأُمَّــة وتطورها دينياً وَسياسيًّا وَاقتصاديًّا، واجتماعياً وَنفسياً، وسلوكاً أخلاقياً؛ لأَنَّه منهاجٌ يجهِّزُ الفردَ والمجتمعَ برؤية ربانية صافية نقية توجّـه العقولَ أولاً والأفكار ثانياً والمواقف ثالثاً، كيف لا وهو كتاب الله المرقاة إلى السعادة البشرية؟!

* كاتبة عراقية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com