(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ)

 

علي يحيى عبدالمغني*

كلّ الشعوب العربية والإسلامية أيَّدت الضربات اليمنية ضد السفن والبوارج الأمريكية والبريطانية في البحرين الأحمر والعربي، وخرجت بالملايين تعلن دعمها ومساندتها للقوات اليمنية وترفع شعار أنصار الله وصور السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- وتتمنى لو أنها كانت يمنية تحت قيادة هذا العلم؛ لتسجل هذا الموقف الذي لن يكتب التاريخ أشرف منه، إلا العملاء والخونة والمرتزِقة من اليمنيين الذين يعتبرون ذلك مسرحية.

وهذا الموقف ليس غريباً ممن باع أرضه وعرضه وشرفه وكرامته للسفارات الأجنبية والأنظمة العميلة المطبعة مع الكيان الصهيوني في المنطقة، هؤلاء هم الذين أضلهم الله على علم وختم على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة؛ فلم يعودوا يرون ما تراه الشعوب العربية والإسلامية من حقائق جلية واضحة؛ لأَنَّ الحقد الذي أصابهم على أنصار الله قد أعمى بصرهم وبصيرتهم، وأصبح لسان حالهم يقول كما قال كفار قريش حينما جاءهم الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- بكل آية بيّنة: (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، مع أنهم يعلمون أن الرسول حق وأن ما جاء به هو الحق من ربهم كما قال الله: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).

إذن هذا هو موقف بعض الجماعات والأحزاب التي كانت تدَّعي أنها يمنية وأنها إسلامية، من المسيرة القرآنية التي أسسها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-، مع أن الشهيد القائد لم يكن له موقف من هذه الجماعة ولا أية جماعة إسلامية أُخرى، بل دعا الجميع إلى الوحدة ونبذ الاختلاف والفرقة؛ حتى تتمكّن الأُمَّــة من مواجهة أعدائها.

وكان الأولى بهذه الجماعة أن تكون أكثر استجابة من غيرها لهذه الدعوة، لكنها رأت في هذه الدعوة خطراً على وجودها كجماعة مسيطرة على الساحة اليمنية، ولم تدرك الخطر الذي يتهدّد الأُمَّــة برمتها ودعوة الشهيد القائد لمواجهة هذا الخطر المحدق بها، بل واعتبرت هذه الجماعة نفسها المعنية بمواجهة هذه الدعوة التي أطلقها الشهيد القائد والمشروع الذي جاء به لإنقاذ الأُمَّــة، وتعاملت مع المسيرة القرآنية بمنطق الاستعلاء والسخرية كما تعامل كفار قريش مع الدعوة الإسلامية، ووصفوا قائدها بنفس الأوصاف بأنه ساحر وكذاب ومجنون جاء من الكهوف وأن من اتَّبعه هم الأرذلون، إلا أن ذلك لم يمنع المسيرة القرآنية من التوسع والانتشار، ولم يعد أنصار الله من وجهة نظر هذه الجماعة خطراً على وجودهم كجماعة مسيطرة على المدارس والمساجد والجامعات والمعاهد، بل أصبحوا خطراً على وجودها في السلطة، حتى إنها رفضت شراكتهم فيها بعد إسقاطها منها بثورة شعبيّة لا غبار عليها؛ فأصاب هذه الجماعة ما أُصيب به عبدالله بن أُبَي من نفاق في زمن رسول الله؛ لشعوره بأن رسول الله هو من سلب زعامته وأن الإسلام هو من حال بينه وبين أن يُتَوَّجَ ملكاً في الجزيرة العربية، وصار يتحالف مع اليهود للقضاء على الإسلام والمسلمين كما تحالفت هذه الجماعة مع الأنظمة العربية الموالية لليهود والنصارى للقضاء على المسيرة القرآنية وقيادتها الربانية، ولم يفلحوا في ذلك كما لم يفلح ابن أُبَي في القضاء على الدعوة الإسلامية، بل زادها قوة وصلابة بعد خروجه ومن معه منها ودخول بقية القبائل العربية فيها، وهذا هو ما تحقّق للمسيرة القرآنية بعد خروج هذه الجماعة من اليمن بمحض إرادتها؛ ظناً منها أن تحالفها مع الأنظمة العميلة والمطبِّعة سيعيدها إلى السلطة، ولم تدرك أن موقفَها هذا لن يُخرِجَها من الوطن فحسب بل ومن الدين أَيْـضاً، وستجد نفسَها في صَفِّ الباطل الذي كانت تحذر منه لمواجهة الحق الذي كانت تدعو إليه.

هذه الجماعة التي كانت تدَّعي أنها مع القضية الفلسطينية وتتغنَّى بأحمد ياسين ويحيى عياش تعلم علمَ اليقين أن الأنظمة العربية التي هرولت إليها وتحالفت معها من أكثر الأنظمة العربية والإسلامية عداوةً للشعب الفلسطيني ولجماعة حماس على وجه الخصوص، اليوم هذه الجماعة مع هذه الأنظمة، ليس لها موقف مما يتعرَّضُ له الفلسطينيون في غزةَ وهي التي كانت تجمع التبرعات لها وتتغنى بنصرتها.

والأسوأ من ذلك هو أن يظهر نشطاء هذه الجماعة على وسائل الإعلام ليس للتنديد بجرائم الكيان الصهيوني أَو الموقف الأمريكي المساند له وإنما للتقليل من موقف أنصار الله الصريح والواضح في مناصرته للقضية الفلسطينية، والتشكيك بعمليات الجيش اليمني ضد السفن والبوارج الأمريكية والبريطانية، التي جاءت إلى البحرَينِ الأحمر والعربي لحماية السفن الإسرائيلية أَو المتجهة إلى الموانئ المحتلّة واعتبار ذلك مسرحيةً هَزْلية، وصدق الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- حينما قال: “إذَا لم تقف في نصرة الحق فستجد نفسك تساقُ سوقاً لمناصرة الباطل، وليس هناك أسوأ ممن يعلم بالحق ثم يقف في مواجهته، كما هو حال هذه الجماعة”.

* أمين عام مجلس الشورى

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com