صالح الصماد.. الرئيسُ الذي سكن القلوب
هاشم أحمد وجيه الدين
ونحن في ذكرى استشهاد الرئيس صالح علي الصماد -سلام الله عليه- كان لزاماً علينا أن نقفَ أمام هذه الشخصية الاستثنائية والهامة الوطنية والإيمَـانية كيف لا وهو أحد خريجي المدرسة القرآنية التي أنجبت ولا زالت تنجب الكثير والكثير من القادة العظام في إيمَـانهم وتقواهم وأخلاقهم وتواضعهم ونزاهتهم وعلمهم وإخلاصهم وتفانيهم وارتباطهم بالمستضعفين وباعوا أنفسهم وأموالهم لله وفي سبيله لإعلاء كلمته وإقامة القسط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد مثّل الرئيس الشهيد أنموذجاً فريداً لهذه المدرسة القرآنية في جميع مراحل الجهاد والكفاح والصبر مقاتلاً جسوراً في سبيل الله وفي ميادين السياسة، كان ذلك السياسي الحصيف المؤمن الحكيم الذي ينطلق في مواقفه وقراراته من خلال هدى الله وأمره وتوجيهاته في القرآن الكريم، وفي الميدان الثقافي والتوعوي كان ذلك البحر الزاخر بالعلم والمعرفة والثقافة القرآنية فكان خطيباً مفوَّهاً ومحاضِراً لا يُمَلُّ سامعه من حديثه العذب وأُسلُـوبه الفريد في الإلقاء.
وعندما أصبح رئيساً للمجلس السياسي الأعلى في أصعب مرحلة ومنعطف سياسي تمر به البلاد وعدوان عالمي غاشم يصُبُّ جَامَ حقده وغضبه على الأرض والشعب، إلا أنه كان رجلاً بحجم التحديات وسخر نفسه وماله في سبيل الله وخدمة شعبه لا يكل ولا يمل ويصل الليل بالنهار ويتحَرّك في جميع الميادين الجهادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والتصنيع الحربي حتى في الأعياد والإجازات كان سلام الله عليه يقضيها في زيارة المجاهدين والمرابطين وهو صاحبُ المقولة المشهورة “إن مسح التراب من على نعال المجاهدين أشرف من كُـلّ مناصب الدنيا”، وقال أَيْـضاً وهو يخطب في أحد معسكرات التدريب والتأهيل “إن دماءنا ليست أغلى من دمائكم”.
لقد حقّق -سلام الله عليه- خلال فترة رئاسته البسيطة الكثيرَ من الإنجازات البارزة والملموسة في جميع المجالات، أهمُّها تركيزُ الجهود باتّجاه مواجهة العدوان في الإعداد والتأهيل للجيش والتصنيع الحربي، وكان له دورٌ بارز ومحوريّ في مكافحة الفساد والمفسدين ومن عباراته في هذا الجانب أمام مسؤولي الدولة “الناس بيقدموا أرواحهم وأعضاءهم في سبيل الله في الجبهات، فالذي عاده يشتي ينهب أَو يسرق أَو بيني له بيت في هذه المرحلة فاكتبوا علي جبينه سارق كائناً من كان، وصالح الصماد لو يستشهد غد ما مع أولاده وين يرقدوا إلا يرجعوا مسقط راسهم وهذه نعمه كبيرة”، وهو بهذه العبارات حقّق نقله نوعيه في مجال مكافحة الفساد، وقدم نموذجاً عظيماً في النزاهة والأمانة والإخلاص وهو في أعلى منصب في البلد.
وفي اتّجاه بناء الدولة الحديثة استطاع الشهيد الصماد إطلاق مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة الحديثة التي مثلت حجر الزاوية لبناء اليمن الحديث بما فيها من البرامج والأفكار والطموحات ومن مرتكزاتها “يدٌ تبني ويدٌ تحمي” وما تحمله من الدلالات والشواهد.
أدرك العدوّ منذ البداية الدور البارز والمحوري الذي يلعبُه الرئيسُ الصماد لناحية مواجهة العدوان وبناء الدولة الحرة العزيزة المستقلة؛ فعمل بكل ما لديه من إمْكَانات وتقنيات حديثه لاغتياله، وفاز -سلام الله عليه- بالشهادة في أقدس ميدان وصعد إلى السماء شهيداً مجيِّدًا مؤمناً تقياً نقياً.
الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، رحمه الله عليه، لم يسكن القصور والفلل ولكنه سكن قلب كُـلّ يمني وَخَلَّدَ ذكراه الطيبة لكل الأجيال القادمة.. إلى جنة الخلد أبا الفضل.