الجبهةُ اليمنية نحو التصعيد بقرار شعبي ورسمي: زمامُ المواجهة البحرية بيد صنعاء
– القوات المسلحة تستهدفُ سفينة بريطانية وتتوعدُ بـ “إجراءات إضافية” للرد على العدوان
– قائد الثورة يؤكّـدُ أن اليمنَ يصنع “تحولاً استراتيجياً في واقع المنطقة”
المسيرة| خاص:
في ظل إصرار الكيان الصهيوني على مواصلة إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة قتلاً وتجويعاً، واستمرار رعاته الأمريكيين والبريطانيين بالاعتداء على الشعب اليمني لإسناد تلك الإبادة، تصاعدت مؤشراتُ التوجُّـه نحوَ مستويات جديدة من العمليات العسكرية اليمنية، وفقاً لمعادلةِ “التصعيد بالتصعيد”، وهي المعادلة التي عززتها القيادة اليمنية هذا الأسبوع بعدة رسائلَ أكّـدت فيها للأعداء أن ورطتَهم في اليمن هي ورطة تاريخية واستراتيجية، وأنهم لن يتمكّنوا من السيطرة على نتائجها، فيما أكّـدت القوات المسلحة أنها بصدد التوجّـه نحو خيارات إضافية من شأنها تعميق هذه الورطة.
وأعلنت القواتُ المسلحة مساء الخميس عن استهداف السفينة البريطانية “لايكافيتوس” أثناء إبحارها في خليج عدنَ بصواريخَ بحرية حقّقَ إصابةً مباشرة، وهو ما أكّـدته أَيْـضاً شركة “أمبري” البريطانية للأمن البحري والتي قالت: إن السفينة أُصيبت بأضرار في مولد الديزل الخاص بها.
وجاءت العملية بعد يوم من إعلان شركة “ستار بالك” المالكة لسفينة “ستار آيريس” الأمريكية التي تم استهدافها في وقت سابق الأسبوع الماضي، عن وقف الإبحار في البحر الأحمر، حَيثُ قال الرئيس التنفيذي للشركة لوكالة رويترز: “لن نعبر البحر الأحمر بعد الآن، فمن الواضح أننا أصبحنا هدفاً؛ لأَنَّنا شركة مدرجة في الولايات المتحدة الأمريكية”، ما يعني أن العمليات البحرية اليمنية مُستمرّة في تحقيق أهدافها الضاغطة على الأعداء بشكل مباشر وسريع، في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة وبريطانيا فشلهما الذريع في إحداث أي تأثير على القدرات اليمنية أَو على القرار اليمني بمواصلة العمليات.
وفيما أكّـدت القواتُ المسلحة أنها “مُستمرّةٌ في منعِ الملاحةِ الإسرائيليةِ أَو المتجهةِ إلى موانئِ فلسطينَ المحتلّةِ في البحرينِ الأحمر والعربيِّ حتى يتوقفَ العدوانُ ويُرفعَ الحصارُ عنِ الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاعِ غزة”؛ فقد أعلنت أَيْـضاً أنها “بصددِ اتِّخاذ المزيدِ منَ الإجراءاتِ رداً على العدوانِ الأمريكيِّ البريطانيِّ وتأكيداً على الموقفِ العمليِّ المساندِ للشعبِ الفلسطيني”، وهي رسالة واضحة بأن معادلة التصعيد بالتصعيد ليست مُجَـرّد شعار بل واقع سيدفع الأعداء ثمنَ تجاهله أثماناً مكلفة؛ بالنظر إلى أن المستوى الحالي للمعركة يعتبر بالفعل متقدماً وكارثياً عليهم من عدةِ جوانبَ.
وقد تطرق قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، إلى ما يمثله المستوى الحالي للمعركة من ورطة كبرى لثلاثي الصهيونية (الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الإسرائيلي) في البحر الأحمر، حَيثُ أكّـد أن العمليات اليمنية البحرية تمثل “تحولاً استراتيجياً في واقع المنطقة ولها تأثير كبير على النفوذ الأمريكي والبريطاني”، وهو توصيفٌ يشير بوضوح إلى أن اليمن اليوم يكسر حواجزَ جيوسياسية تاريخية سيكون لسقوطها تداعيات طويلة الأمد ولن يكون بإمْكَان الأمريكيين والبريطانيين استعادتها مرة أُخرى.
وحرص القائد على توضيحِ ذلك بالتأكيد على أن “معادلة أن يهدّد الأمريكي والكل يتفرج انتهت”، وأن “الأعداء في خسران حقيقي وورطة حقيقية وهجماتهم لا جدوى منها وإنما لها تبعات وآثار سلبية عليهم”، مستعرضاً بعض التداعيات الاقتصادية التي بدأت تطال الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب العدوّ الصهيوني نتيجة استهداف سفنهما؛ ما يعني أن اليمن يملك باقتدار زمام مواجهة البحر الأحمر بحجمها الدولي ومستوى تداعياتها التاريخية والواسعة وغير المسبوقة، ولن يتردّد في أن يوجه مجرياتها نحو تحقيق الضغط المطلوب على الأعداء مهما كان مقدار ذلك الضغط أَو حجمه وتداعياته.
وضبطاً لإيقاع هذه المعادلة المفتوحة على كُـلّ الاحتمالات، طالب القائد كُـلّ دول العالم بترك الولايات المتحدة وبريطانيا تواجهان ورطتهما وحيدتان، مشيداً بمواقف الدول التي رفضت الاشتراك معهما، وهي مواقفُ تعكس بالفعل واقع التحول الاستراتيجي الذي أحدثه التحَرّك اليمني البحري، إذ لم يواجه الأمريكيون والبريطانيون في تأريخهم من قبل مثل هذا الفشل في تحشيد دول العالم ورائهم؛ الأمر الذي تدركه القيادة اليمنية بوضوح وتعمل على تحويله إلى معطى من معطيات الواقع الجديد الذي تسقط فيه الهيمنة الأمريكية والبريطانية على المنطقة.
رسالة التصعيد التي وجهتها القوات المسلحة، ورسالة “التحول الاستراتيجي” التي أكّـدها قائد الثورة، تكاملت مع رسالة إضافية وجّهها الرئيس المشاط، يوم الجمعة، من أمام الحشود المليونية المساندة للشعب الفلسطيني في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، وهو ما يجدد التأكيد على أن زمام المواجهة اليوم بيد اليمن وأن الحسابات التي يعتمد عليها الأمريكيون والبريطانيون للسيطرة على مجريات المعركة أَو احتواء نتائجها ستسقط بفعل إصرار يمني على تثبيت واقع جديد لا يستطيعُ الأعداءُ العودةَ إلى ما قبله أَو حتى التحكم بمفاعيله.
وأولُ تلك المفاعيل أن الاعتداءَ على اليمن سيقابل بالرد “مهما كانت النتائج” بحسب الرئيس المشاط؛ ما يعني أن سقف العمليات اليمنية لن يتأثر بأية ضغوط أَو محاولات ترهيب أَو ترغيب ولن يكون محكوماً بأية حواجز، وهو أمر حرصت القيادة اليمنية منذ البداية على تثبيته في واقع ميدان المواجهة من خلال تنفيذ عمليات لم يسبق للأمريكيين والبريطانيين أن واجهوا مثلها في تأريخهم، بحسب اعترافات مسؤوليهم وضباطهم.
وإلى جانب رسائل القيادة والجيش، جاءت الرسالة الشعبيّة الواضحة على لسان الجماهير المليونية المحتشدة في صنعاء والمحافظات يوم الجمعة، والتي طالبت بالتصعيد بشكل صريح، لتؤكّـد بذلك أنها لا تقف فحسب إلى جانب القيادة والجيش في المستوى الحالي من المواجهة، بل إنها متطلعة لمستوى أكبر من الاشتباك مع العدوّ وتثبيت المزيد من المعادلات التاريخية التي تساهم في تغيير مستقبل المنطقة لمصلحة القضية الفلسطينية في المقام الأول ولمصلحة كُـلّ الشعوب.
وبالمحصلة يمكن القول إن الساحة اليمنية شعبيًّا ورسميًّا وعسكريًّا مهيأة ومجهزة بالكامل لتصعيد يواكب إصرار العدوّ على مواصلة إبادة الشعب الفلسطيني وما يتضمنه ذلك الإصرار من اعتداءات على اليمن والمنطقة، وهي جهوزية تنطلق من واقع إدراك لطبيعة المعركة الجارية كمعركة مصيرية وتاريخية يبنى عليها تحولات كبرى.
ويمثل هذا الموقف المتكامل رسميًّا وعسكريًّا وشعبيًّا دلالة واضحة على أن محاولات الأعداء للتأثير على الموقف اليمني قد ارتدت سريعاً بنتائج عكسية أكثر تأثيراً، وأن الأمر لن يقف عن مستوى فشلهم في حماية الكيان الصهيوني و”ردع” المساندين له، بل سيتطورُ سريعاً إلى حَــدِّ زعزعة أركانِ الهيمنة الأمريكية والبريطانية في المنطقة تمهيداً لهزيمة تاريخية غير مسبوقة.