الممرُّ الاقتصادي بين الهند وأُورُوبا.. ممرُّ بايدن

 

عبدالملك محمد عيسى*

أطلق الرئيسُ الأمريكي، جو بايدن، فكرةَ المشروع الذي تدعَمُه الولاياتُ المتحدة والاتّحادُ الأُورُوبي حول ربط الهند بأُورُوبا عبر الشرق الأوسط، ضمن السياسة الأمريكية القائمة على احتواء الصين وتوجّـه أمريكا وانسحابها من منطقة الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا؛ تحت حجج مختلفة، منها: تخفيضُ التكاليف اللوجستية للنقل، وتعزيز التنمية وغيرها من الحجج، وفي حقيقة الأمر إنها لتقليل الاعتماد على الصين ويهدف في المقام الأول إلى:

1) تعزيز ثقة الشركاء الخليجيين في التزام واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط في مواجهة إيران ومحاولة عزلها خارج التأثير على الإقليم.

2) بالمقابل إدماج “إسرائيل” في النظام الإقليمي العربي وتصبح صاحبة التأثير الأبرز في المنطقة.

3) تعزيز مكانة الهند ونفوذها في المنطقة في مواجهة الصين.

4) والأهم مواجهة نفوذ الصين المتزايد من خلال منافسة وتحييد “مبادرة الحزام والطريق” الصينية الواعدة المشتركة فيه أغلب دول العالم واحتوائها ومن ثم ضربها مستقبلاً.

يتكون المشروع من ثلاث ممرات أَسَاسية:

1) ممر بحري شرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، وخَاصَّة الإمارات.

2) ممر بري شمالي الذي يربط دول الخليج عبر الأردن بـ”إسرائيل”.

3) ممر بحري غربي يربط بين الكيان الإسرائيلي واليونان في أُورُوبا.

أعلن عن المشروع 10 سبتمبر 2023 خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي 2023 واشتركت فيه الدول التالية:

الهند، الولايات المتحدة، المملكة السعوديّة، الإمارات، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وبقية دول الاتّحاد الأُورُوبي.

هذا في المخطّط ولكن ما هي التحديات الأَسَاسية التي ستواجه هذا الممر بالتأكيد سيأتي التحدي السياسي في المقام الأول ثم التحدي الاقتصادي والتحدي التنظيمي.

1) بالنسبة للتحدي السياسي ومع أن التصوراتِ الأوليةَ لمشروع الممر تقول إنَّ الخط البحري الواصل بين الهند والإمارات سيعبُرُ مضيق هرمز الذي هو تحت سيطرة إيران بدون منازع إلا أنه من غير المتصور منح إيران ورقة ضغط استراتيجية بشكل مجاني عبر قدرتها على تهديد هذا الخط الملاحي الهام بحسب ما مخطّط له، أضف إلى ذلك التحديات بداخل الدول التي سيمُرُّ بها الخطُّ البري؛ فهناك تَحَدٍّ أردني داخلي كبير جِـدًّا ولا تستطيعُ الأردن الصمودَ أمام هكذا تحدٍّ مع تصاعد الأمور، كما أنه سيضر بمصالح دول وازنة في الإقليم كمصر وضرب مصالحها في قناة السويس، وتركيا التي أعلنت لا ممرَّ إلى أُورُوبا بدون تركيا الذي هو تحدٍّ آخر، إلى جانب إيران التي لن تقبل العُزلة وهي الدول الأَسَاسية في الإقليم، ولن نناقشَ موضوعَ السعوديّة وإمْكَانيات إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي؛ فالتحالفات متغيرة في عالم السياسة اليوم.

2) تحديات اقتصادية، فمن سيقوم بتمويل المشروع حتى السعوديّة والإمارات تعجز عن تمويله بشكل كامل (تأهيل موانئ، طرق برية، سكك حديدية، تمويل تأمين عسكري للخطوط وغيرها)، وخَاصَّة أن احتياطيات النفط والغاز الإماراتي والسعوديّ على وشك الأفول، والدول خَاصَّة الهند لن تدفع روبيةً واحدةً مقابل مشروع ليست له جدوى اقتصادية، أضف إلى ذلك هل ستكتفي الدول بالبضائع الهندية ذات الجودة المنخفضة وتعيش فقط عليها دون تنويعها من مصادرَ أُخرى، وخَاصَّة أن الصين هي الصانعُ الأولُ عالميًّا وبأسعار تنافسية.

3) تحديات تنظيمية، التوقعات حول تقليل مدة نقل البضائع عبر الممر بـ40 % وتكلفة النقل بـ30 % مقارنة بقناة السويس مؤكّـد أنه مبالَغٌ فيها، يستند هذا التقدير إلى كلفة التحميل والتفريغ في كُـلّ ميناء على حدة، والوقت المستغرق في عملية التفريغ، فضلاً عن رسوم العبور المستقبلية في كُـلّ دولة، وخَاصَّة على المدى المنظور فحركة التجارة العالمية ليست على ما يرام في الوقت الحالي، وشرط نجاح المشروع مرتبط بتعافي الاقتصاد العالمي، مع العلم بأن قوانين السوق تنظّم نفسها ولا يمكن التحكم بها مع الخلافات الكبيرة بين الهند وأُورُوبا في موضوع الصناعات المحلية والوصول العادل إلى الأسواق والجمارك والضرائب وغيرها.

لو عملنا مقارنةً صغيرةً بين السفينة والقطار والشاحنات، تستطيع السفن الكبيرة المخصصة لنقل البضائع نقل 24 ألف حاوية، بينما يستطيع القطار نقل 100 حاوية فقط، بينما الشاحنة الواحدة تنقل حاوية واحدة أَو اثنتين كحد أقصى؛ أي أن السفينة الواحدة توازي في الحمولة 240 قطاراً وَ24 ألف شاحنة أَو كحد أدنى 12 ألف شاحنة نقل.

أضف إلى ذلك المنتجات البترولية والغازية التي ستواجه صعوبةً كبيرة في النقل البري وتأخذ وقتاً أطول وإمْكَانيات كبيرة جِـدًّا، خَاصَّة أن معدات التخزين في كُـلّ دولة قائمة ضمن البحر وفي موانئ هذه الدول.

خلاصةُ القول أن بايدن أراد إعلانًا عن مناكَفةِ أمريكية للصين لا أقلَّ ولا أكثرَ فإن نجحت فنعم بها وإن فشلت دفعت الدول المشاركة الثمن بعيداً عن الأمريكي.

* أُستاذ عِلم الاجتماع السياسي المشارك جامعة صنعاء

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com