الشهيدُ «الصمّاد».. منصبٌ شاغِر وحضورٌ متجدِّد
فاضل الشرقي
ربطَتْني بالرئيس الشهيد «الصّماد» علاقةُ عمل وإخاء قوية ومتينة منذ بداية التعرُّف عليه حتى تاريخ استشهاده على النحو الذي بيَّنته في مقالٍ سابقٍ بُعَيدَ استشهادِه بعنوان: «الرئيسُ الصماد والمحاربون القدامى» فقد كان له مميزاتٌ إيجابيةٌ ومهمةٌ في شخصه ورؤيته وفِكره ووعيه، ومستوى النفوذ والضبط والكاريزما التي تمتَّعَ بها، والحضور الواسع في كُـلِّ ميادين العمل من صعدةَ، وُصُـولاً إلى رئاسة المجلس السياسي الأعلى وحتى استشهاده، حَيثُ تميز بالأخلاق العالية، بالنجاح، بالتواضع، بالإحسان، بالنشاط العالي، بالأداء الفاعل، بالعطاء المُستمرّ، لا يعرفُ الكللَ والملل سواء في عمله الجهادي أَو في عمله الرسمي وهو رئيس للجمهورية اليمنية فهو صاحب نشاط واسع ومتعدد.
يمتلكُ قُدرةً على التفاهُمِ والتخاطُبِ مع مختلفِ الفئات والشرائح بما يناسبُها، بكل احترام وتقدير وإعزاز للآخرين، مع السياسيين، والقَبَليين، والعلماء والمرشدين، مع العسكريين، والأمنيين، مع المواطن العادي والبسيط، مع كُـلّ قطاعات المجتمع.
لقد كان صاحبَ نشاط حيوي متجدد، صقلت مواهبَه الأحداثُ، وبنت خِبرتَه التجارِبُ؛ فهو رَجُلُ المسؤولية والحوار والتفاوض والتفاهم والاحتواء، وعنده قدرة عالية على الاستيعاب والتكيف مع مراحل ومعطيات اتِّخاذ القرار، وإطفاء لهيب الأزمات، والتعامل مع المستويات المتعددة والجهات الأُخرى، والواقع شهد له بذلك.
كما تميَّز بقدرة كبيرة في الجذب والإقناع والتأثير والتوافق والتفاهم مع الآخرين، وهذه النقطة بالذات لا يختلف عليها اثنان، فقد كان له علاقةٌ متميزةٌ بالإخوة في القيادات الجنوبية بشكل عام: من أمنيين، وعسكريين، وسياسيين، وقوميين، وإسلاميين، وحراكيين، علاقة على أرقى المستويات، وترك رحيلُه في حياتهم أثرًا كَبيراً وفراغًا إلى يومنا هذا.
كما كان بنفس المستوى والعلاقة مع أبناء الوسط والشمال، مع القوى السياسية والاجتماعية والدينية، أولاً مع المؤتمر الشعبي العام قيادة وكوادر وأعضاء وجماهير، ربطته بهم علاقة ممتازة فاعلة ومتقدمة خدمة الوطن والجبهة الداخلية في مواجهة العدوان.
كما كان له علاقةٌ إيجابيةٌ مع بقيّة المكونات الثورية والأحزاب السياسية القديمة والحديثة والمناهضة للعدوان، علاقة متميزة وراقية تركت فراغًا كَبيراً في حياتهم إلى يومنا هذا.
لقد كان قريباً من الجميع، ورئيساً للجميع، كُـلُّ فريق أَو جهة يحسبُه أقربُ إليه من غيره، وكذلك يحسبُه الفريقُ الآخرُ أقربَ إليه من الآخرين، وبالتالي كان رَجُلَ التوافق، ورجلَ التوازن، ورجلَ التفاهم، ورجل المسؤولية.
كما كان بنفس المستوى والعلاقة والقرب بإخوانه ورفاق دربه في أنصار الله، فلم تغيِّرْه السلطةُ ولم يؤثر المنصبُ في علاقته وأخلاقه وإيمانه إلا إيجابًا؛ فعلاقتُه بالكادر التنظيمي والإداري والجهادي داخلَ الحركة والمسيرة القرآنية علاقةٌ متميزة جِـدًّا، كان قريباً من الجميع: عسكريين، وأمنيين، وسياسيين، وثقافيين، ومشرفين، وميدانيين، قريباً من الأفراد والمرابطين، وكان له أوقات مخصصة للقاءات وَالتواصلات مع رفاق الدرب والجهاد، يستمع، وَيزاور، ويتفقد، ويسأل، ويحضر، ويشارك في الاجتماعات واللقاءات والمناسبات وورش العمل على المستوى الجهادي بنفس النشاط والزخم والأداء على المستوى الرسمي.
وهو إنسانٌ جادٌّ وصادقٌ في حَمْلِ المسؤولية والتعاطي معها، زياراته ونزوله الميداني كذلك بنفس المستوى، علاقته مع الشعب علاقة حُبٍّ ووُدٍّ وروابط إخاء، وعمل، وتفانٍ، وإخلاص، ونصح، وخدمة، لم يشكّك أحد في نواياه، أَو يتأثر منه، ولم نعلم أَو نسمع أنّ أحدًا شكا أَو تذمّر منه، أَو أنه آذى أَو جرح أحداً على الإطلاق ولا حتى بكلمة، رغم نشاطه وحيويته واحتكاكه المباشر والمُستمرّ.
تميز بمكارم الأخلاق العالية، والقيم الفاضلة، ورحابة الصدر، كان وسع العلاقة، بشوشًا، مَرِحًا، يتسم بالاهتمام، والإحسان، والإصغاء، والتجاوب، كثير اللقاءات والمقابلات والاتصالات الإنسانية الاجتماعية والسياسية، قريباً من الجميع، كُـلّ فئة وكل شريحة وكل جهة تحسبه منها وإليها، حتى الأعداء شهدوا بكفاءته وقدراته ووعيه ومستواه، وأحبه الشعب حباً كَبيراً، ورأى فيه أحلامه وآماله وآلامه وأوجاعه، رغم أنّ فترة رئاسته الفعلية لم تتجاوز بضعة أشهر فقط، من بعد فتنة «ديسمبر» والحرب مع علي عبد الله صالح، الفترة التي مارس فيها شيئاً من صلاحياته، وتحرّر فيها من ضغوطات التوافقات السياسية، وأطر التوازنات والمراضاة الداخلية التي تفرضها طبيعة التوافقات والشراكة والتناقضات السياسية؛ ففي هذه الفترة الوجيزة التي أعطى فيها عطاءً مذهِلًا أحدث نقلةً نوعيةً في الواقع السياسي والاجتماعي اليمني، وترك بصمات واضحة، وأثرًا كَبيراً في حياة المجتمع اليمني.
طبعًا هناك عاملان أَسَاسيان تركا أثرًا كَبيراً في شخصية الصماد، ولعبا دورًا مُهِمًّا ومُحفِّزًا في بناء وصياغة شخصيته، منها في المقام الأول: اهتمامُه وتعامُلُه وتفاعله الجيّد مع الملازم (دروس ومحاضرات السيد حسين بدر الدين الحوثي)، واستيعابه وتجسيده الجيد للرؤية العامة والشاملة للمشروع القرآني والرسالة القرآنية (المسيرة القرآنية) المشروع المتمثل في دروس ومحاضرات السيد حسين بدر الدين -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-.
حيث يعتبر أبرز رموز الطبقة الأعلى والمستوى الأول في المسيرة القرآنية المتقدم وعياً وثقافةً وفهماً واهتماماً بالثقافة القرآنية والمشروع القرآني والتعامل والتفاعل معه والالتزام به وتجسيده وتقديمه.
العامل الثاني: التصاقُه وقُرْبُه من السيد القائد «يحفظه الله» الذي يمليه طبيعة عمله، وما اكتسبه منه من قيم عليا وأخلاق مُثْلَى، وما تلقاه منه من توجيهات وتعليمات وتوصيات وموجّهات ودروس ومحاضرات؛ باعتباره في المقام الأول كان متهيئاً نفسياً وشخصيًّا للتلقي والقبول والتفاعل والعمل والتأثر والاستفادة.
لهذا يعتبر اغتيال تحالف العدوان للرئيس الصماد الهدَفَ الأكبرَ والإنجاز الأوحدَ الذي حقّقه من عدوانه الإجرامي على اليمنِ؛ بما مَثَّلَه رحيلُه من خسارة كبيرة على الوطن، وبما تركه من فراغ وأثر بعد رحيله، حَيثُ رحل وترك بعده وإلى اليوم فراغاً كَبيراً في واقع الجميع: سياسيين، وقَبَليين، وعلماء، ومثقفين، وإعلاميين، وأكاديميين، وعلى قطاعات المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني والحقوقي، ورجال المال والأعمال، وعلى مرؤوسيه من رجالات وقيادات الدولة والحكومة، وعلى رفاق دربه من مجاهدين وعاملين ومرابطين، وعلى كُـلّ المستويات القيادية والإدارية العليا والوسطى والدنيا، وعلى كُـلّ فئات الشعب في وسطه وجنوبه وشماله على سواء؛ فهو الشخصُ الذي لا يختلفُ عليه اثنان.
اليومَ وبعدَ مرورِ سبع سنوات من تاريخ استشهاده اتضح للجميع سواء من كان مدركاً أَو من كان متغافلًا أنّ الصماد ترك فراغاً حقيقيًّا وفجوةً كبيرةً في الحياة الجهادية والسياسية والاجتماعية اليمنية، وأنّه رحل وإرثُه منصبٌ شاغر، وحضورٌ متجَدِّدٌ، نسألُ اللهَ تعالى له ولجميعِ الشهداء المغفرةَ والرحمةَ والرضوان.