دماءُ الصماد تسقي ثرى حارس البحر الأحمر
دروب العزي
“أن تفقِدَ الأُمَّــة عُظماؤها فهذه خسارةٌ كبيرة جِدًّا” هذا ما قاله شهيد القرآن السيد حسين الحوثي، لم يكن قوله هذا مُجَـرّد حديث عابر أَو حكمة للتداول، هو والله واقع وحقيقة؛ فما الذي ستخسره الأُمَّــة ويكون أكبر من خسارتها لقادتها وعظمائها.
لهذا لم يكن الصماد رجلاً عابراً قط؛ فحياتهُ مدرسة عظيمة من الإيمان والطهارة والنزاهة والمصداقية والتسليم والعلاقة بالله والأخلاق وَ… إلخ.
فلو عدنا لبداية ظهور نجمه؛ إذ كان من خريجي مدرسة السيد العلامة “بدر الدين الحوثي” ورفيقاً للشهيد القائد السيد “حسين بدر الدين الحوثي”، لتأتي الحروبُ على صعدة وتقضي الحربَ الأولى باستشهاد السيد حسين ويتقطع قلب الصماد حزناً لخسارة مثله، وتأتي الحربان الثانية والثالثة والتي زاد فيها الصماد توهجاً؛ إذ هو يُحرك جبهة بني معاذ لتخفيف الضغط عن السيد القائد والمجاهدين في مناطق المواجهة.
ليتجلى للجميع ظهورُ رجل عظيم لا يخشى في الله لومة لائم، كـ نُسخة عن الشهيد القائد، لا تخلو السنون من مواقف الصماد حتى أصبح رئيساً مُبجلاً لليمن، وبدأ ببناء الدولة من نقطة الصفر في مرحلة عصيبة ومواجهة عدوان صهيو أمريكي سعوديّ آنذاك، وتحديات وصعوبات لم يكن أحد يظن أنهُ يُمكن تجاوزها.
لكن الصماد بثقتهِ واعتماده على الله وبحكمته وحنكته السياسية وبما آتاه الله من بسطة في العلم والجسم في فترةٍ وجيزة أقل من عامين منذ توليه رئاسة الجمهورية، بنى دولة دستورها القرآن الكريم ولم يسبقهُ بذلك أي من الرؤساءِ سواء في اليمن أَو غيرها من بلدان العالم، ربط بين الدولة والدين ولا تكاد تخلو خطاباته وجلساته وزيارته من القرآن، لم يشاهد أحد من قبل رئيساً يتحدث بالقرآن أَو يحفظ ولو شيئاً يسيراً من القرآن “ما عدا الصماد”.
ذلك الرئيس الذي لا يعرفهُ كرسي الرئاسة كما تعرفهُ ميادين الجهاد، حتى تفاجأ قصر الرئاسة منه أين أولئك الذين لم يكونوا يبرحوني؟ من هذا الذي لا يعرف الجلوس هنا أبداً، ولا يأتي إليَّ إلا لقضاء حاجة فيها لله رضا وخدمةً للعامة؟ نزيهاً لا يسطو ولا ينهب ولا يختلس مال العامة، لم يكن همُّه المنصبَ ولا السلطة، جُلُّ اهتمامه كان أن يقوم بمسؤوليتهِ على أكمل وجه، أن يرتقيَ بالدولة ويبني مؤسّساتها ويقدم مشاريع البناء من القرآن، كان سياسيًّا محنكاً كان دستوره القرآن، وعلى أَسَاسه وتولي أعلام الهدى بنى دولة مشروعُها “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”.
في غضون أقل من عامين على رئاسته فعل ما لم يفعله غيرهُ في ثلاثة وثلاثين عاماً خلت.
الصماد وما أدراك ما الصماد، الرئيس المجاهد، أيقونة التواضع يقضي معظم وقته بين الناس لتلمس حوائجهم ورفيقاً للمجاهدين يرفع معنوياتهم، ويتفقد أحوالهم ويجلس معهم يرى فيهم عظمة الجهاد ويبجلهم أيما تبجيل ويرى خدمتهم شرفاً ما بعده شرف “يتشرف واحد أن يمسح الغبار من نعال المجاهدين أشرف من كُـلّ مناصب الدنيا”.
الرئيس الصماد ذلك القرآني، عظيم العلاقة بالله والذي رغم مشاغله الكثيرة ومتاعبه وهمومه إلا أنهُ لم ينسَ الله قط، لم تفُته ليلة لم يختل فيها مع الله مهما كان إرهاقه، لا ينسى تلك الساعة المتأخرة من الليل التي خصصها لتدبر القرآن وتأمل الهدى لِما يُزود الروح ويزيدهُ صلاحاً وفلاحاً.
كان للحديدة في قلب الصماد مكانة عالية، يذهب إليها كَثيراً يلتقي أبناءها، يعي ما يرمي إليه الأعداء من وراء سعيهم للسيطرة عليها، عندما زار الحديدة في المرة الأخيرة بعد أن استفزهُ العدوّ الأمريكي ومن يطبل له بأن أهل الحديدة “سيستقبلونه بالورود” أبى إلا أن ينزل بنفسه يشحذ الهمم ويزرع الوعي ويستنهض الرجال “سنستقبل الأمريكي على خناجر بنادقنا”، توهمت أمريكا أن يكون لها وطأةُ قدم في الحديدة ولم تكن تُدرك أن الحديدة واليمن بأكمله خطٌ أحمر، ومحرمٌ عليها برها وبحرها مُذ سولت لها نفسها باغتيال الرئيس الصماد غدراً، عندما رأت أنهُ يُشكل خطراً بالغاً عليها وعلى مصالحها.
ما هي إلا سويعات، بعد خطابه ذلك الناري الذي دعا فيه لمسيرة البنادق، وتحدث فيه أنه ليس للأمريكي وطأة قدم في الحديدة ولو زيف له العملاء ومهما توهم؛ فيستشهد الصماد ويقضي نحبه في سبيل الله ساقياً بدمه ثرى الحديدة، وأبى الصماد إلا أن يسقي بدمائه عطش حارس البحر الأحمر، ولولا دماء الصماد لما حُرمت الحديدة على الأمريكي، ولولا دماء الصماد لما حُوصرت إسرائيل وسقطت هيبة أمريكا، فسلام الله على الصماد ألف سلام.