في اليوم الـ141 من الطوفان: المقاومةُ لا تزالُ تنفِّذُ مناوراتٍ بارعةً بالنار وتفرضُ قواعدَ الاشتباك جديدةً
المسيرة | خاص
خلال الـ48 الساعة الأخيرة، وسَّعَ العدوُّ “الإسرائيلي” محاورَ توغُّله لتشملَ جنوبي الزيتون وشرقي وشمالي شرقي الشجاعية، فضلاً عن المحور الغربي الذي أطلق العدوّ من خلاله عملية في مدينة غزة، هذا الاستعدادُ الكبيرُ الذي يهدف -بحسب ما ادَّعى- إلى تنفيذ عملية كبيرة في حَيَّي الزيتون والشجاعية؛ للتفتيش عن وسائط إطلاق الصواريخ الثقيلة التي استهدفت العُمْقَ الصهيوني في الأسابيع الـ5 الماضية، والتي تشك قيادة العدوّ بأن تلك الصواريخ انطلقت من هاتين المنطقتين، وزعمت أن هذه العمليةَ سوف تمهِّدُ الطريقَ أمام إنشاء منطقة منزوعة السلاح تدير فيها مجالس محلية “معينة من قبلها” المناطق التي ستخليها الفرقة 162 من مجاهدي المقاومة وتقوض فيها “حكم حماس”، حَــدَّ زعمها.
مخطَّطُ فصلِ شمال القطاع عن جنوبه:
وبناءً على المؤشرات التي تناولتها وسائل إعلام العدوّ، فَــإنَّ المعطيات الميدانية تؤكّـد أنهُ وبعد أقل من 24 ساعة، من بدئه عمليتَه جنوبي مدينة غزة بقوة يوازي استعدادها نصف لواء وفيما يكاد يشبه مغامرة انتحارية؛ رفع العدوّ استعداده إلى مستوى فرقة لتنفيذ جُهد رئيسي في حي الزيتون وحي التركمان شرقي الشجاعية، وزج ما يقارب %90 من القوات العاملة في منطقة عمليات شمال غزة وهي ألوية الناحال والـ 401 وكتيبة “شاكيد” (الكتيبة الضاربة في لواء جفعاتي) وفوج المدفعية 215.
وكشفت مصادر عبرية أن ثلاث وحدات وضعت بتصرف الفرقة 162 وهي: (الوحدة 262 المعروفة بـ”سييريت ماتكال” وهي وحدة الاغتيالات السرية المشهورة والمشهرة باسم سرية دورية الأركان الوحدة الأكثر سرية في جيش العدوّ – الوحدة 5101 المعروفة بـ”شالداغ” وهي وحدة متخصصة بتحديد الأهداف وإدارة النيران الجوية والتحديد والتسديد الليزري – الوحدة (707) المعروفة بـ”لوتار” وهي وحدة خَاصَّة مركزية متخصصة بمكافحة “الإرهاب”).
وبحسب مراقبين، تبين أن كلتا الحُجَّتَين منافيتان للحقيقة؛ فالعدوُّ بعمليته هذه يهدفُ إلى توسيع حيز المنطقة الوسطى التي يحتلها لتصبح ملائمةً لإقامة منطقة “عازلة” يفصل بها العدوّ شمال غزة عن جنوبها، غير أن المصادر أكّـدت أن تلك القوات وكما واجهت في شهرَي 11 و12 من العام 2023م، مقاومة شرسة من كتيبتَي الزيتون والشجاعية تعرضت القوات التي زجت في معركة اليومَين الفائتين، لثلاث ضربات قاسية في الساعات الأولى للإعلان عن رفع العدوّ لاستعداد قواته المهاجمة إلى مستوى فِرقة.
المقاومةُ تحفظُ عن ظهر قلب مؤشرات العدوّ وعملياته الخداعية:
في ميدانٍ اعترف فيه أحدُ ضباط العدوّ “الإسرائيلي” -مسرَّح من منطقة القتال- بعدم جدوى الاشتباك فيها مع قوة من الأشباح، وقال في معرض تعليقه على ما واجهه من مجاهدي المقاومة هناك لصحيفة “الغارديان” البريطانية: “لا يظهرون أنفسهم، أنت ترى الأهدافَ لأجزاء من الثانية، الأمر غريب بعض الشيء، فأنت تمشي وسط هذه المدينة المدمّـرة والفارغة، ولديك كُـلّ هذه القوة المدمّـرة -من مروحيات هجومية ودبابات ومدفعية يمكنك طلبها- ولهذا تشعر بالقوة المطلقة، لكنك تشعر في الوقت ذاته بأنك عرضة للخطر”.
وتحدث كذلك عنْ “تحدي القتال في أرض مجهولة يعرفها عناصر حماس جيِّدًا؛ ما منحهم فرصاً سهلة لشن هجمات مفاجئة رغم التفوق العسكري التقليدي لـ “إسرائيل” وقوتها الجوية”.
وهو ما يؤكّـد ما وصفه مراقبون بأن العدوّ لا يتعلم وأنه ما زال يعتمد على استراتيجية “القوة الكبيرة” في القتال، في مقابل مقاومة خبرت العدوّ جيِّدًا وباتت تستبق خُطاه وتحفظ عن ظهر قلب مؤشرات عملياته الخداعية وتبدع في تمييز ما هو جهد رئيسي مما هو جهد ثانوي خداعي.
إذ تظهر تقارير المقاومة الميدانية سلسلة المعارك التي يخوضها أبطال الجهاد والمقاومة منذ يومين فقط، على الأطراف الشرقية لمخيم جباليا وحَيَّي الدرج والتفاح، وإعادة تشغيل وتفعيل ثلاث كتائب مقاومة والضغط عند الشيخ عجلين وفي منطقة القصاصين.
كل ذلك -بحسب محللين- يظهر أن المقاومة لا زالت تدرك وتستطلع عن كثب مجملَ خطوط انتشار العدوّ وتفهم جيِّدًا كيفية بنائه لاستعداداته وأهداف حشدها ومحاور تقربها وعملياتها الخداعية وتتصرف معها على أَسَاس الجهد لا على أَسَاس الحشد، ومن ذلك توسيع المقاومة للمعركة من تخوم حي الزيتون إلى حدود المقبرة الشرقية بمحاذاة شرق مخيم جباليا وحيي الدرج والتفاح، يأتي نتاج معطيات الميدان.
وعى الرغم من أن الحشدَ الذي بناه العدوّ كان غربي وجنوبي محورَي الزيتون والشجاعية إلا أن المعطيات الميدانية التي توفرت من خلال عمليات الاستطلاع الميداني كشفت أن العدوّ كان يحضر لمناورة هجوم عميقة من الجهة الشرقية سالكاً (خط المقبرة – أطراف حي التفاح – طريق صلاح الدين) وُصُـولاً إلى الالتقاء بقوة تحَرّكت من جنوب وجنوب شرق الزيتون وهي قوات اللواءَين (ناحال والفرقة المدرعة 179 ووحدة لوتار)، فضلاً عن القوات التي تحَرّكت منذُ أمس الأول، من الغرب بجهد استطلاع قتالي.
مناورةٌ بارعةٌ بالنار على اتّجاهات الهجوم المتوقَّع:
في هذا السياق، نَفَّذَ أبطالُ الجهاد والمقاومة الفلسطينية مناورةً بارعةً بالنار على اتّجاهات الهجوم المتوقَّع الثلاثة على نحو قامت من خلاله أولاً: بدَكِّ القوة التي كانت ستتحَرّك من المقبرة الشرقية لتنفذ مناورة الاختراق العميق بواسطة المدفعية الثقيلة 120 ملم وحقّقت فيها إصابات مؤكّـدة، وفي نفس الوقت فتحت عليها نيران ثقيلة حاصدة من الحد الأمامي الشرقي من جباليا، ومن حي التفاح (مدافع بـ 10 – رشاشات 14.5 ودوشكا)؛ ما شوّش تحَرُّكَها من البداية وقبل ساعات من بدء عمليتها.
ثانياً: فرضت على العدوّ مجدّدًا العملَ بالوحدات الصغرى بعد محاولته اجتيازَه الحدَّ الغربي باتّجاه عُمق حي الزيتون وتولت وحدات القنص الخفيف والثقيل (الغول)، ومجموعات الهندسة (عبوات ثاقب وَغيرها) والمجموعات المتخصصة بالمضاد للدروع (تاندوم – الياسين 105 – حراري) بإجهاض زخم الهجمات التي تعرض لها حي الزيتون من الغرب، والتي تبين أنها عملياتٌ إلهائية وخِداعية تخفي الجهدَ الرئيسي في هذا الهجوم والذي انطلق من الجنوب.
ثالثاً: استخدام أكثر من 60 % من الطاقة النارية للمقاومة في المحور الجنوبي لحي الزيتون لإيقاع أكبر أذىً ممكنٍ في وحدات العدوّ المدرعة والمدولبة والجنود، وأظهرت التقارير أن المقاومة أقامت سداً نارياً بقذائف الهاون من مختلفِ العيارات؛ دكت فيه تجمعات العدوّ وقواته التي كانت تتحضَّرُ للتوغل، وفور بدء تقدم بعض الأرتال المدرعة استخدمت أسلحة ضد الدروع المناسبة، حَيثُ استطاعت تدمير وإعطاب أكثر 7 آليات 4 ميركافا و3 ناقلات جند خلال ساعات الالتحام الأولى التي لم تتعدَّ الأربع ساعات، فيما تحولت الساعات الـ20 الباقية من السبت، إلى معارك مناورة بالنار من بعيد.
الترويجُ لتنفيذ مهمة في رفح فيما هو غارقٌ في مستنقع خان يونس:
في السياق، تؤكّـدُ وسائلُ إعلامية عبرية وعربية، أن جيش كيان الاحتلال لا يزال عالقًا في كُـلِّ الأماكن الحضرية التي احتلها في قطاع غزة، غير أنه يحضِّرُ قواتِه لشن معركة فاصلة ونهائية في مدينة خان يونس، بعدَ ما أجلى اللواء 646 الاحتياطي التابع للفرقة 99 واستبدله بلواء مدرع هو لواء “هاريل” التابع للفِرقة 252؛ إذ أعادت قيادة العدوّ تقسيم المهام للاستعداد الموضوع بتصرف الفرقة 98.
وبحسب معاريف العبرية، فَــإنَّ “لواء “هاريل المدرَّع” يعملُ مع لوائي الكوماندوس 89 في القسم الشمالي لمدينة خان يونس وتؤمن ظهر هذا الجهد من الشمال الكتيبة التاسعة المدرعة التابعة للواء 401 المعروفة باسم “كتيبة إيشيت”، واللواء السابع المدرع يعمل مع لواء “جفعاتي” ووحدة الكوماندوس البحري “الشييطيت 13” غربي وجنوبي غربي مدينة خان يونس، حَــدَّ وصفها.
ويرى خبراء عسكريون أن هذه القوةَ الضخمةَ التي تضُمُّ أفضلَ ألوية جيش العدوّ كفاءةً ومراساً والتي يوازي استعدادَها 6 ألوية يتوقعُ أن يحاولَ العدوُّ من خلالها للمرة الأخيرة إنجاز المهمة المستعصية في مدينة خان يونس؛ وهو ما يضعُها أمام اختبار الوقت الذي سيسمح للعدو بخوضِ معركة لا يتعدَّى حَدُّها الزمني عدةَ أَيَّـام.
وفي مسار آخر، تشيرُ مصادرُ إلى أنه، ورغم التسخين الليلي على الأطراف الشرقية والجنوبية لمحافظة رفح والذي نفذته أسرابٌ من الطائرات الحربية وعددٌ من بطاريات مدفعية فوج ما يسمى “مقلاع داوود 214 ” ومدفعية البوارج الحربية؛ فَــإنَّ عدم وجود استعداد عسكري كاف لتنفيذ عملية كبيرة في رفح يقوي احتمال تكليف الفرقة 98 بالمهمة بعد إنجاز مهمتها في خان يونس، هذا إذَا أنجزت أصلاً.
بالنتيجة، فالمناخ العامُّ ميدانيًّا يرجِّحُ أن كُـلَّ ما يقومُ به العدوُّ “الإسرائيلي” الآن من مناورة بالنيران هو أُسلُـوبُ ضغط في الميدان لتعزيز “الوفدِ المفاوض” في (مصر – قطر – باريس)، حَيثُ يقومُ بمحاولة فرض أمر واقعٍ من خلال ابتزاز قيادة المقاومة للتراجع عن شروطها من خلال التلويح بورقة رفح التي تأوي -70 75 % تقريبًا من سكان قطاع غزة، وتبقى احتمالاتُ تنفيذِ عملية عسكرية برية صهيونية على رفح معلقة، تتوازن فيها كفَّتا الهجومِ وعدمه.