كيف نجحت اليمنُ في صنع البطولات وفضح القرصنة والرد على حرب الإبادة الجماعية لغزة؟
من دعاية استهداف كابلات الإنترنت إلى حظر السفن
المسيرة – عبد الخالق النقيب
ترتكبُ “إسرائيلُ” جريمةَ إبادة جماعية بحق جوعى غزةَ أثناء محاولاتهم الحصولَ على الغذاء في شارع الرشيد غرب القطاع.
بينما حكوماتُ العالم تتداعى للإدانة ثم لا شيء سوى أنها تترك شعبَ فلسطين الذي يرفُضُ التشريد والتهجير ويتمسك بالأرض والوطن ليواجه مصيرَه مع آلة حرب قذرة.
عالَمٌ بأسره خاض حربَين كونيتين، وسلسلة حروب صغيرة وأهلية، ولم يجرؤ أي جيش على دفع شعب للموت جوعاً، ثم يأمر جنده بإطلاق النار مباشرة صوب نازحين متعطشين للطعام والشراب؛ هرباً من مجاعة تفتك بأطفالهم.
وتوازياً مع تصعيد الكيان الإسرائيلي لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، تتوعد صنعاء والقوات المسلحة اليمنية الكيانَ وحلفاءَه بالتصعيد، وتلوِّحُ بأسلحة جديدة إلى ما بعد خليج عدن، وأكّـد سماحة السيد عبد الملك الحوثي، في خطاب له الخميس بمفاجآت فوق ما يتوقعها العدوّ، وسيتم الحديث عنها لما بعد الفعل.
عندما يتعلّق الأمرُ بفلسطين وجراحِها وشهدائها وعزائِها في أطفالها، فَــإنَّ موقفَ اليمن راسخٌ لن يتبدل، وأن صنعاءَ ماضيةٌ بجرأة ووضوح في الانتصار لغزة، وتحرير الأُمَّــة من عقدة الخوف، وعقدة الارتهان المعرفي للسردية الغربية التي تخلت في حرب غزة عن كُـلّ ما بشرت به لزمن طويل.
مجزرة الطحين التي اعترف بها الجيش الإسرائيلي جاءت ضمن ترتيبات ونية مبيَّتة لإيقاع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى.. اختارت “إسرائيل” وقت الفجر حتى يصعب توثيق المجزرة، ثم وبعد تجمهر المدنيين في مكان واحد بدأ إطلاق الرصاص بغزارة على الجموع؛ ما أَدَّى لاستشهاد أكثرَ من 116 مدنيًّا وجرح أكثر من 700، حسب إحصاء الصحة الفلسطينية.
هذه الجريمة كفيلة بأن تكشف أمام العالم أن “إسرائيل” المسنودة أمريكياً هي فعلاً من تشكل خطراً على الوجود والحق الإنساني، وأنها مستعدة لطحن العالم؛ مِن أجل دولة الكيان في أرض فلسطين المحتلّة.. كُـلّ جريمة تُرتكب بحق فلسطين ستشعل جذوةَ الغِيرة لدى شعب اليمن الذي يخوض حربًا حقيقية ضد “إسرائيل”، ومثلما أصبحت حماس وكلّ فصائل المقاومة داخل فلسطين وخارجها في لبنان والعراق، فَــإنَّ صنعاء اليوم تتوعد بالمزيد، وتسعى إلى تعزيز الجهد اليمني المساند للمقاومة ولصمود الشعب الفلسطيني في الأيّام المقبلة.
خاضت القوات البحرية اليمنية خلال اليومين الماضيين مواجهة شرسة غير معلنة مع القوات الأمريكية البريطانية، رصدت خلالها دخول ألمانيا على خط المواجهة في معركة البحر الأحمر عبر فرقاطة (هسن)، ومنذ الحرب العالمية الثانية لم يجرؤ أحد على الاشتباك مع الأساطيل الأمريكية، بينما صنعاء تبشر «تحالف أمريكا وبريطانيا وإسرائيل» بالمزيد من التصعيد، بينما لا قدرة لدى التحالف على فرض إرادتها في البحر الأحمر، ولا أمل في حماية الملاحة الصهيونية، فقد جرَّب كُـلّ شيء تقريبًا دون تحقيق أي انتصار يأمله.
لقد انخفض تأثيرها وخلال الأيّام الماضية لم يجد ما يمكن أن يخفف من وطأة هزيمته التاريخية في المعركة البحرية، فلجأ لخلق فبركات تشير إلى تهديد وشيك قد يطال شبكة كابلات الإنترنت البحرية التي تمر من البحر الأحمر وباب المندب وتربط قارات ومناطق ودول العالم بأسرها؛ لإثارة مخاوف العالم الذي رفض مشاركة أمريكا وبريطانيا في مهمة كسر الحصار اليمني على “إسرائيل”، ولم تبقَ وسيلةُ إعلام كبيرة أَو صغيرة إلا وسعت لتكريس ادِّعاءاتها؛ بهَدفِ شيطنة الجيش اليمني المنتصر في معركة البحر، والتشويش على ما يحقّقه من بطولات يتابعها أحرار العالم بشغف.
بالنسبة لحكومة صنعاء فهي تتحدث من منطق القوة والإرادَة؛ فبنك أهدافها واضحٌ وحقيقيٌّ، وجاء تأكيدُها في خطاب سماحة السيد عبدالملك الحوثي، الذي تحدث عن المهاراتِ والاستخبارات والقدرات العسكرية التي بات اليمن يمتلكها، وهي موجهة ضد كيان العدوّ الصهيوني والسفن المتجهة إلى فلسطين المحتلّة، وكلّ من يورط نفسه في إسناد العدوّ، مؤكّـداً على سلامة كابلات الإنترنت البحرية، وأن موقفَ صنعاء مرتبط بشكل تام بمسألة ما يجري على غزة، وهو موقفٌ واضح منذ بدايته من السفن المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي؛ فعين صنعاء مركزة صوب الانتصار لغزة وكسر حصارها.
مجزرة الطحين وجوعى غزة ستسرع من تنفيذ صنعاء ما وعدت به من تصعيد، بعد أن تمرَّست في صنع البطولات، وفضح المفارقات بين العمليات العسكرية الشجاعة وبين أعمال القرصنة والإبادة، وكشف مسلسل واشنطن لتخويف العالم وإثارة مخاوفه من تنامي قدرات صنعاء العسكرية وفرضية تهديدها للكابلات البحرية، والذي يشير إلى تهالك أوراق «التحالف الأمريكي البريطاني» التي أخذت تتسَاقط ورقةً تلوَ أُخرى، بعد أن خسر المعركة، كما يشير أَيْـضاً إلى أن التحالف فقد منطقَ الصواب في تقييمِه لظروف المعركة؛ فإشهاره لورقة تهويل واشنطن للعالم بذريعة باطلة لإمْكَانية قرصنة كابلات الإنترنت البحرية في باب المندب وفرضية تسببها الوشيك بتعطيل الاقتصاد العالمي من بوابة الإنترنت؛ لتأليب الرأي العالمي ضد حكومة صنعاء بعدَ أن عجز التحالف عن مجابهة جيش قواتها البحرية وهو يبدي قدرته العالية في الإمساك بزمام المعركة وتقييم نتائجها بشكل جاد؛ ما أحدث صدمة عنيفة لتحالف أمريكا بريطانيا.
استعدادٌ لتوسيع نطاق المعركة:
العالَمُ يستطيعُ التفريقَ بين أعمال القرصنة والعمليات البطولية التي تنتصر للإنسانية وحق العدالة والحرية، ولا أحد يتوقع من أن التحالف سيستجيب للصوت الإنساني المرتفع عالميًّا، وهو يصرخ في وجه التحالف: «لن نكون شركاء في الإبادة الجماعية ولن نغفر مجزرة الطحين التي تحولت إلى عار في جبين الإنسانية.
وفي ظل ما يجري في غزة من تصعيد إجرامي يستمر السقوط الأخلاقي الأمريكي، وتتسع أشكال التعبير والسخط؛ فمن الداخل طيار أمريكي يحرق نفسه؛ احتجاجاً على جرائم الإبادة الأمريكية الإسرائيلية، ومئات الجنود يتمردون، كما تتسع دائرة العواصم التي تنتفض وتحاول إيقاظ العالم، ومقاطعة كُـلّ من اختار التواطؤ مع الكيان الصهيوني.
وأمام كُـلّ هذا تتوعد صنعاء وتؤكّـد أنها صارت على استعداد كامل لتوسيع نطاق المواجهة إلى ما بعد خليج عدن، بينما يصعب على «تحالف حارس الازدهار» الاعتراف بهزيمته وفشله أمام اليمن في المعركة البحرية، يريد انتصاراً وجمهوراً يصفق لجرائمه بأي ثمن، جرّب العدوان الأمريكي البريطاني المشترك على اليمن ولم يحقّق الردع، جرّب الضغطَ دبلوماسياً على اليمن، واستنزف أدواتِه في الحصار وتضييق الخناق الاقتصادي، وبدأت تصريحاتُ واشنطن بالنزولِ من الشجرة، وتراجع سقفُ حمايته للسفن الصهيونية والمرتبطة بها، وتحول البحر الأحمر إلى هاجسٍ مؤرق يستنزفُ البحرية الأمريكية التي أعلنت مؤخّراً على لسان قائد الأسطول الخامس الأمريكي، الذي أكّـد أنها غير قادرة على تحمل هذا الاستنزاف بمفردها؛ كونها لم تستثنِ شيئاً للتغطية على مساندَتِها المطلقة لجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جنباً إلى جنب مع دولة الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، معترفاً بجهل واشنطن إزاء القدرات العسكرية اليمنية.
تتوالى الأحداثُ وتنجحُ صنعاء في فضح المفارقات بين أعمال القرصنة والإبادة الجماعية، وبين صنع البطولات الحقيقية لدعم صمود غزة وإسنادها، بينما لا يزالُ التحالف الأمريكي البريطاني يراهن لفعل مؤثر تنفذه دولُ المنطقة وحلفاؤه في ظل حالة الضعف والهوان العربي لكسر الحصار وحرف الأنظار عن كلفة العدوان على غزة، ودفع شعبها إلى الموتِ جوعاً، ضمن مشهد عام يمتهنُ الإنسانية والقانون الدولي.
ما يحدث هي أطولُ وأعنفُ حرب خاضتها “إسرائيل” منذ وجودها، وفي النهاية ستخلّد البطولات وستسقط مساعي القرصنة والعسكرة وجرائم الإبادة، لا سيَّما وقد بات التحالفُ على يقين بأن الحربَ البحرية قد تطول، وأنه يفقد يوميًّا الكثيرَ من خيوط اللعبة؛ فلجأ لابتزاز العالم واستنزافِ كُـلّ خيارته واحداً تلوَ آخر.