التوكُّلُ على الله مع الأخذ بالأسباب طريقٌ للنصر والفلاح
القاضي حسين محمد المهدي
من الواضح أن الإنسانَ كلما ازداد علمًا ومعرفة بالله ازداد إيماناً ويقينًا وعزة وقوة، فالمسلم ديدنه ودينه في أمور دينه ودنياه الأخذ بالأسباب والاعتماد على الخلاق.
الأخذ بالأسباب وحدَها لا يغني (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شيئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).
وكم أغنى الله عن المسلمين مع قلة الأسباب، ولم تغن الكافرين أسبابهم على كثرتها شيئاً (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
فإذا أراد العالم أن يعرف سر المواقف العظيمة لأنصار الله وقائد المسيرة القرآنية السيد العلم عبدالملك بدرالدين الحوثي، في مواجهة الاستكبار العالمي والصهيونية اليهودية والطمأنينة التي يقف بها أنصار الله وقائد المسيرة القرآنية يجد أنها تكمن في الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، ففي ذلك قوة وعزة وأمن وسكينة وعزيمة وطمأنينة.
فقد كان ذلك صنيع الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار، فحينما حشدت الأحزاب عليهم ازدادوا إيماناً وتسليماً (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأحزاب قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً)، قد كان ذلك ناتج عن صدق الإيمان بالله والامتثال لأوامره (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأرض وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّـام ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً).
فالمسلم يأخذ بالأسباب الحسية كلها في الجانب العسكري والسياسي والثقافي والاقتصادي ويستعملها؛ فالتوكل من أقوى الأسباب للحصول على المراد، ولهذا خاطب الله المؤمنين بقوله: (وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
وخاطب الله نبيه بقوله: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)؛ فالتوكل على الله زاد روحي يجعل المؤمن يتغلب على الخوف والقلق ويهبه سكينة النفس الذي حرم منها كثير من سكان هذه الأرض، ويقوي الهمة، ويشجع على العمل، ولا يؤدي إلى الكسل.
وقد يشارك المؤمن الكافر في الأخذ بالأسباب ويفارقه في الاعتماد على الله وحده، وبدون هذا فلا إيمان.
ومن علامات صحة التوكل الأخذ بالأسباب، ألَّا ترى أن الحق سبحانه وتعالى يقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).
وبخصوص التداوي يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (تداووا عباد الله، واخزوا الشيطان، فَــإنَّ الله لم يخلق داءً إلا خلق له دواء).
ولكن مع اليقين في أمور الدنيا والدين أن تلك الأسباب وتأثيرها إنما هو بيد العزيز الحكيم، وفي الحديث النبوي الشريف: (من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله) فهو الواهب للموت والحياة والنصرة والقوة والقدرة.
وتأمل لقول العزيز الحكيم: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ولقد ضربت حماسُ وبقية أجنحة المقاومة في فلسطين وأنصار الله وقائدُ المسيرة القرآنية وحزبُ الله وقائد الثورة الإسلامية في طهران والمجاهدون في العراق مثلاً أعلى في حسن التوكل على الله والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه والاعتصام به وطلب النصر منه، رافعين هاماتهم، آخذين بتعاليم القرآن (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّـهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).
وليعلم المتخاذلون، القاعدون، المستسلمون لإرجاف الصهيونية بأن تخاذلهم وبال عليهم وهلاك في الدنيا والآخرة، وأن حماس وفصائل المقاومة في فلسطين منتصرة بإذن الله، والمجاهدون من أنصار الله وحزبه، والمؤيدون لهم في محور المقاومة سيرفعون راية النصر، نصر الله الموعود عن قريب (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
العزة لله ورسوله والمؤمنين.. واللعنة والخزي على الكافرين والمنافقين.