ألمانيا وعُقدةُ الذنْب
سيرى العدوُّ والصديقُ إنجازاتٍ ذات أهميّة استراتيجية تجعل بلدَنا بقدراته في مصافِّ دول معدودة في العالم، وأقول للعدو الإسرائيلي وللأمريكي والبريطاني ولكل الأعداء: القادم أعظم بكل ما تعنيه الكلمة.
د. فؤاد عبد الوهَّـاب الشامي
تعيشُ ألمانيا عُقدةَ الذنب؛ بسَببِ تهمة ارتكاب الألمان جريمةَ إحراق اليهود في أفران الغاز (الهليوكست) أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي يشكِّكُ فيها الكثيرُ من المؤرِّخين، وقد استغل اللوبي الصهيوني هذه الدعاية وابتز معظم شعوب ودول أُورُوبا وخَاصَّة ألمانيا مادياً وعاطفياً في ظل عدم وجود سردية أُخرى تدحَضُ دعاية اللوبي الصهيوني.
بذلت ألمانيا كُـلَّ ما في وسعها للتكفير عن الذنب الذي لم تقُم به؛ فقد وقفت إلى جانبِ اليهود خلال إنشاء الكيان الغاصب في الأراضي الفلسطينية، وكانت ألمانيا من أهمِّ الدول التي دعمت الجيشَ الصهيوني بالسلاح والذخائر بعدَ تأسيسه بشكل رسمي، وخلالَ حرب 1967م كان موقفُها داعمًا للكيان الصهيوني بشكل مطلَق بخلافِ بقية دول العالم التي كانت تحاولُ أن تكونَ محايدة أَو وسيطة، وكذلك في حرب 1973م كان موقفُها إلى جانبِ الكيان الصهيوني، وفي ثمانينيات القرن الماضي تغيِّر موقفُ ألمانيا بعد أن وصل إلى الحكم فيها نُخَبٌ سياسيةٌ معتدلة أثرت في السياسة الخارجية الألمانية، وحاولت تبنِّي مواقفَ معتدلة في القضايا العربية وخَاصَّةً في القضية الفلسطينية، وتراجعت عن الدعمِ المطلَقِ للكيان الصهيوني، واستمرَّ هذا الموقفُ حتى معركة (طُـوفان الأقصى).
بعد (طُـوفان الأقصى) يبدو أن عُقدةَ الذنب لدى ألمانيا قد تحَرّكت؛ فقد فوجئ الشعبُ العربي بالموقفِ الألماني المتطرف إلى جانب الكيان الصهيوني، فقد رأى العالَمُ المستشارَ الألماني يهرعُ إلى “تل أبيب” ليعلنَ موقفَ بلاده الداعم بشكل مطلق للكيان الصهيوني ولكل ما يقومُ به من مجازرَ ببحق الفلسطينيين في غزة، وعندما خرج الشعبُ الألماني إلى الشوارع في معظم المدن الألمانية الكبرى؛ داعماً لفلسطين حاولت السلطات منعها ووضع العراقيل أمامها، ووصل الأمر إلى التهديد بسحب الجنسية عن المشاركين في المظاهرات، ولم تتوقف تلك المظاهرات ولكنها اتسعت وانتظمت أسبوعياً، وفي محاولة منها لإظهار استمرار دعمها للكيان الصهيوني أرسلت مدمّـرةً عسكريةً إلى البحر الأحمر، وعندما ارتفعت أعدادُ ضحايا مجازر الجيش الصهيوني في غزة وقعت ألمانيا في موقف محرج، ولكنها لم تتخذْ موقفًا واضحًا من تلك المجازر.
إن الموقفَ الألمانيَّ الداعمَ للكيان الصهيوني تسبَّب في خسارتها احترامَ وتقديرَ الشعوب العربية والإسلامية، والشعوب لا تنسى مَن وقف ضد قضاياها أَو مَن وقف معها، وألمانيا أصبحت تصنَّفُ لدى شعوبِنا في خانةِ الأعداء؛ بسَببِ موقفها الحالي من فلسطين.