غزة طعنةٌ في خاصرة الإنسانية
احترام عفيف المُشرّف
اللهم إليك المشتكى فقد خذلهم القريب والغريب وقد سكت عن مظلوميتهم العالم ولم يعد لهم غيرك يا الله فكن لهم مؤيداً وناصراً وآمن خوفهم وأشبع جوعهم، فقد رفعنا إليك شكواهم، وأنت وليهم ومولاهم خذ بثأرهم ممن ظلمهم واعتدى عليهم وممن خذلهم ولم ينصرهم.
سيظل ما حدث ويحدث بغزة غُصةً عالقة لن يستطيعَ أحدُ بلعَها وطعنةً في خاصرة الإنسانية لن تقتلع مهما مر الزمن عليها وتعاقبت الحقب على ذكراها، فما يحدث في غزة هو العار الذي لن يمحى عن جبين الحكام المدجنين والعلماء المسيرين والحقوقيين الذين يذرفون الدموع على القطة المشردة والكلب الذي بلا مأوى، والشجرة التي اقتلعت والوردة التي داستها الأقدام، ويبدون أسفهم وحزنهم على الأسماك والبحريات والبيئة وكأن كُـلّ شيء أغلى وأعز من الإنسان الفلسطيني.
هذه الإنسانية التي تجردت من كُـلّ القيم والأخلاق عنما يحدث في غزة من مجازر وكأنهم نكرة في هذا العالم الأهوج الذي يتشدق ما بين الحين والآخر بالحقوق المجتمعية والبيئية، وَإذَا وصل الأمر إلى فلسطين نكس رأسه مطأطئاً ومر من فوق أشلائهم دون أن يحرك ساكنًا.
وأما المنظمات اللاإنسانية التي لم ترَ الإنسان في غزة ولم ترَ أطفال غزة يموتون من الجوع إن لم يموتوا من القصف، ونساء غزة اللواتي تمتهن كرامتهن أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، والذين عليهم أن يعلموا علم اليقين أن ما يحدث في غزة هو عار ليس في حق العدوّ الصهيوني فقط، بل في حقهم أَيْـضاً وهم من صدع رؤوسنا بمنظماتهم الكاذبة؛ فهم مدانون وكلّ الإنسانية مدانة، وأن التاريخ سوف يسجل ما حدث في غزة من إبادة وتجويع وتشريد، وَأَيْـضاً من سكوت من المجتمع الدولي، ومن انحطاط أخلاقي أصاب ضمير الإنسانية وجعلها تخرس عما يحدث في غزة.
الجميع محاسب ومدان لما يحدث في غزة وهم يرون أن من لم يصبه القصف أضحى أسوأ حالاً ممن استشهد وارتقى، فقد وقع ضحية الجوع والتشريد.
أما حكام العرب فما عسى أن نقولَ لهم، هل نقول لهم: أنتم المجرم الأول في حق غزة وأهلها؛ فأنتم من خذلتموهم وأسلمتموهم إلى من لعنهم الله بالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وأغلقتم عليهم الأبواب وأطبقتم عليهم الحصار مع وحوش مفترسة لا تراعي فيهم إلّا ولا ذمة، وأنتم مطبقون في صمتكم، غارقون في تيهكم، أفلا تنظرون إليهم وتسمعون صرخاتهم، فالجوع يفتك بهم يا متخمون من الشبع، جائعون يا فاقدي الإنسانية، جائعون يا عديمي الرحمة، أمعاؤهم ملتوية من الجوع يا حثالة، ماتوا ويموتون من الجوع يا أموات الضمائر، وهم إن ماتوا فقد مات العرب ومات كُـلّ ما تبقى من شرف لهذه الأُمَّــة التي أصبحت كسيحة مقعدة وليس فيها حياة.
أطفال غزة جائعون وجوعهم هو الويل والثبور عليكم، أطفال غزة العمالقة جائعون وصامدون وأنتم يا أقزام منتكسون في قصوركم، وسيكون جوعهم هو الذي سيهدمكم ويهدم بنيانكم، يتضورون جوعاً وأنتم تهزون مؤخراتكم وترقصون مع أسيادكم اليهود، البشر في غزة يأكلون أعلاف الحيوانات وأنتم أحق بأكلها فأنتم الحيوانات الذين لم تشعروا بمقدار الخزي الذي سوف يلحقكم حتى قيام الساعة.
وحتى المساعدات التي أرسلت إليهم، وأمام أنظاركم وأنظار العالم كلّه، كمنوا لهم في لقمة الخُبز التي أرسلت وغمسوها بدمائهم، قتلوهم وهم ينتظرون رغيفاً يسد رمقَهم، ولكنكم أموات لم تهزكم كُـلّ تلك المناظر ولا فائدة من استنهاضكم.
وأما العلماء، ولا أعني هنا علماء الوهَّـابية، فهم معروفون معروف نهجهم أنهم لا يقولون حي على الجهاد إلا إذَا كان ضد بلد مسلم، أنا هنا أخاطب وأنادي العلماء بكل مسمياتهم وأطيافهم ومذاهبهم، اعلموا وتيقنوا أنكم محاسبون أمام الله عن ما يحدث في غزة وأنكم مسؤولون عن سكوتكم عن مظلومية غزة التي ضاقت بها الأرض وارتفعت حتى السماء؛ فأين أنتم من كُـلّ هذه الدماء والأشلاء والأجساد العارية والبطون الخاوية والأُمهات الثكالى، والأطفال اليتامى والصرخات التي تدوي في غزة المطعونة منكم أولا؛ بسَببِ سكوتكم وعدم تغييركم للمنكر المتمثل بحكام المسلمين وقد أصبح خروجكم عليهم فرض عين، ولن يسقط عنكم خذلانكم لغزة، لا تعتلوا المنابر اخرجوا إلى الشوارع واستنهضوا الشعوب فهم ينتظرونكم لتغيير المنكر تحَرّكوا قبل أن يدمدم ربكم عليكم جزاء سكوتكم.