أبطالُ الطوفان يستقبلون رمضانَ على طريقتِهم: معاركُ ملحميةٌ باعتمادِ طبقاتٍ متعدِّدة للمناورة بالحركة والنار
المسيرة | خاص
تواصلُ المقاومةُ الفلسطينيةُ في قطاع غزة ولليوم الـ156 على القتال؛ في معركة (طُـوفان الأقصى) البطولية؛ التصدِّيَ لقواتِ الاحتلال “الإسرائيلي” المتوغلة في القطاع، مستقبلةً غرةَ رمضانَ المبارك بمعاركَ ضاريةٍ في المحاور كافةً، ومكبّدةً إياها خسائرَ كبيرةً في صفوفِها وآلياتها؛ إذ إن معظم تلك المعارك توقّفت بتراجع العدوّ عندما نجحت المقاومة في إيلامه وتعطيل أهدافه، ورغم أن العدوّ وخلال هذه الفترة يرفق هذه المعارك بسلسلةٍ من عمليات التلميع ودعايات النصر الزائف إلا أنه لم يتمكّن من تحقيق أيٍّ من أهدافه.
وفيما يحاول العدوّ “الإسرائيلي” تغطية عجزه باللجوء إلى القوة الغاشمة مستفيداً من المِظلةِ الأمريكية وتغطية غربية وإقليمية قل نظيرها في التاريخ المعاصر، حَيثُ عمد إلى المس ببيئة المقاومة الفلسطينية الشعبيّة لتعطيل أهم ركن ممكن أن تلجأ إليه أية مقاومة في حرب المناطق المأهولة؛ فكان التركيز على المدنيين تدبيراً مخطّطاً له عن سبق إصرار وتصميم لنزع المظلة التي تقي المقاومة وتحتضنها.
استراتيجية المقاومة تتغلب على كُـلّ استراتيجيات العدو:
وتؤكّـد الكثير من التقارير العسكرية الميدانية أن الدور الحاسم الذي لعبته الاستراتيجيّة العسكرية للمقاومة الفلسطينية ضمن مسار “حرب المدن” في تحويل مجرى معركة (طُـوفان الأقصى) لصالحها؛ لما صاحبها من مهارة استخدام سلاح القناصة، إلى جانب إنشاء مواقع دفاعية قوية، وإتقان مبدأ التمويه الحضري المعتمد على الدفاع السلبي، وبالتالي تقوم بشن الهجمات المضادة من الأجنحة، بالاعتماد على جمع معلومات استخباراتية شاملة وحسن استثمارها.
ويرى محللون عسكريين أن المقاومة عملت بشكلٍ غير مسبوق في تاريخ الحروب بالمناطق الحضرية؛ وذلك لما تتميّز به البيئة الحضرية لقطاع غزة، بوجود متاهة من الشوارع والأزقة الضيقة فوق الأرض ومتاهة أعقد من الأنفاق تحت الأرض بُنِيَت عن غير قصد لأجل الدفاع عن المقاومين في غزة والسماح لهم بالمناورة والنار وتعويض الجغرافيا “الغزاوية” غير المناسبة للقتال البري الحضري، من خلال تنسيق التعاون بين فصائل المقاومة، والذي جاء نتيجة الوعي الثقافي لديهم، وَتبادل المعلومات الاستخبارية، والتنسيق بين المجاميع الجهادية المختلفة في سيناريوهات هكذا حرب.
في هذا السياق، يشير المحللون، إلى أن كتائب وفصائل الجهاد والمقاومة العاملة في غزة اعتمدت أُسلُـوب الطبقات المتعددة، أولها: طبقة فوق الأرض للمناورة بالحركة والنار من عليها؛ بهَدفِ تعطيل وإضعاف عنصر التفوق لدى العدوّ ما أمكن، وإعاقة قواته من الحركة وإعاقة استخدامه لدباباته ومركباته المدرعة الثقيلة، وعمل المقاومون على أُسلُـوب التعطيل والتشويش كمبدأ أصلي في الفن العسكري والذي يعتبر أن التكتيكات العسكرية التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على المناورات المفتوحة والتحَرّكات واسعة النطاق تصبح أقل فعالية في مثل هذه الأماكن.
أما عن الطبقة الثانية، فتؤكّـد التقارير اليومية أن “الأنفاق الدفاعية والأنفاق الهجومية” التي يستخدمها المقاومون في عمليات التعرض والاشتباك القريب في أنحاء مختلفة من مناطق العمليات، مع فرضها امتيَاز أكبر لمناطق مسؤولية محدودة تابعة للمقاومة تعمل على المناورة البرية وتوجيه ضربات قاسية ضد قوات العدوّ وعتاده، وهي نفس الحالة التي تتكرّر بشكلٍ يومي، حَيثُ تمكّنت فيها من تنفيذ استطلاع تكتيكي وتعبوي ناجح بين وخلف خطوط العدوّ وتقوم بمهمة مباغتة قوى العدوّ الراجلة من خلف الخطوط والأجناب، وتجهز على أفرادها من المسافة صفر.
الموقفُ الميداني لليوم الـ156 من الطوفان:
في هذا الإطار، أعلنت كتائبُ القسام، الجناحُ العسكري لحركة حماس، تفجير منزل جرى تفخيخه مسبقًا، في قوة “إسرائيلية” راجلة في بني سهيلا في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، مشيرةً إلى إيقاع أفرادها بين قتيل وجريح.
وأوضحت الكتائب أنّ العملية تخللها اشتباك مع قوةٍ أُخرى، داخل نفق وتحقيق إصابات؛ الأمر الذي أَدَّى إلى إيقاع أفرادها بين قتيل وجريح، كما تخلل عملية “بني سهيلا” في “خان يونس” قتل جندي “إسرائيلي” من سلاح الهندسة، بطلق ناري في رأسه.
بدورها، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إسقاط طائرة مسيرة يستخدمها “جيش” الاحتلال في مهمّات استخبارية، شمالي شرقي البريج، وسط قطاع غزة، ونشرت السرايا مشاهد عن حمم الهاون التي دكّت بها مواقع وحشود الاحتلال في محور التصدي للتقدم في حي الزيتون، شرقي مدينة غزة.
أمّا كتائب شهداء الأقصى فأكّـدت أنّ مقاتليها خاضوا اشتباكات ضارية ضد جنود الاحتلال، بالأسلحة الملائمة، في محور التقدم، جنوبي حي الزيتون، وأضافت أنّ مقاتليها قصفوا، بقذائف الهاون، تجمعاً لجنود الاحتلال في شارع 10، جنوبي حي الزيتون.
وفي محور التقدم غربي خان يونس، قصفت كتائب شهداء الأقصى أَيْـضاً جنود الاحتلال وآلياته، بوابل من قذائف الهاون العيار الثقيل، كما استهدفت دبابة إسرائيلية من نوع “ميركافا” بقذائف “R. P. G” في محور التقدم ذاته.
وشهدت خان يونس، في الأيّام الماضية، كمائن واستهدافات نوعية ضد الجنود “الإسرائيليين”، ونشرت كتائب القسّام، مشاهد مصوّرة عن بقايا ومخلفات لآليات “جيش” الاحتلال في إثر استهدافها في محاور المدينة، كما أعلنت الكتائب أنّ مجاهديها تمكّنوا من الاستيلاء على طائرتَي “كواد كابتر” إسرائيليتين، كانتا تقومان بمهمات استخبارية جنوبي حي الزيتون، في مدينة غزة.
ومن خلال هذه المعطيات يتبين أن الاستراتيجية التي تتبعها المقاومة، تشير إلى استخدام طبقة من التكتيك وهي أجواء غزة وأجواء المستوطنات القريبة المفتوحة لها، وتعتبر تلك الفكرة التي ابتكرت هذه الطبقة إنجازاً عسكريًّا يُسجَّلُ للمقاومة، حَيثُ عرض الإعلام الحربي لسرايا القدس مشاهدَ توثِّقُ الاستحكامَ المدفعي والصاروخي لمجاهدي السرايا ضد تجمعات جنود “جيش” الاحتلال، شرقي المحافظة الوسطى من قطاع غزة، ناهيك عن الرشقات الصاروخية المختلفة على مستوطنات الغلاف.
كما تعتبر “الأنفاقُ المخصصة للمناورة بالنار” ضمن الطبقة الخامسة من استراتيجية المقاومة، بحيث تستخدمُها جميعُ كتائب المقاومة في قطاع غزة (شمال – وسط – جنوب) وتتميز هذه الأنفاق بتأمين الرؤية والغطاء للمقاومين فضلاً عن أنها تتميز تكتيكياً بأنها تعطيهم قدرة الإشراف والمناورة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وسلاح القنص الخفيف والثقيل والمدفعية المنحنية وإطلاق طائرات الاستطلاع المسيرة (الانقضاضية – والاستطلاعية) وبعض هذه الأنفاق ضمت صواريخ من مديات مختلفة طالت تجمعات القوات المتوغلة كما طالت مستعمرات الغلاف ومدن العمق الصهيوني.
خسائرُ العدوّ “الإسرائيلي” تتراكم:
استفاد أبطالُ الجهاد والمقاومة بشكلٍ كبير من طبيعة البيئة الحضرية التي تتمتع به جزء لا بأس به من جغرافية قطاع غزة العسكرية والتي أمنت أَيْـضاً تحديات للعدو، أهمها التأثير السلبي في كثير من الحالات على عنصر الاتصال التكتيكي، والتأثير في معنويات وحافزية مقاتليه، إلى جانب ما بعثته المعركة من انقسامات حادة داخل مجتمع الكيان المحتلّ.
وكما تواصل المقاومة الفلسطينية معاركها، أقرّ “جيش” الاحتلال، بمقتل ضابط إضافي في صفوف قواته المتوغّلة في القطاع، وتحت بند “سُمح بالنشر”، ذكر أنّ الضابط القتيل هو عمشير بن داوود، كاشفاً أنّه برتبة رائد، ويعمل في القوات الخَاصَّة، “الكوماندوس”.
وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، أقرّ “جيش الاحتلال الإسرائيلي” رسميًّا بسقوط 589 ضابطاً وجندياً قتلى في صفوفه، منذ 7 أُكتوبر 2023م، بينهم 247 قتيلاً سقطوا في المعارك البرية.
إجمالاً؛ وأمام هذا التوزيع البارع لتشكيلات المقاومة اعتمدت كتائبها على خطط وطرائق قتال متكيفة مع جهد العدوّ القتالي وتبنت في الغالب نهجاً لا مركزياً، باستخدام وحدات صغيرة للتنقل في نقاط الاشتباك مع العدوّ؛ مما أتاح لها قدراً أكبر من المرونة، فضلاً عن القدرة على استغلال عنصر المفاجأة، بالإضافة إلى التميز والدقة في استخدام الأسلحة التي خصصتها المقاومة وفقاً لدراستها لمنهجية قتال العدوّ وطريقة تقربه بالاعتماد على خبرات سابقة وبالاستناد على معلومات استخباراتية غاية في السرية جرى تجميعها لسنوات.
وهكذا فرضت أسلحة رخيصة الكلفة بالغة الفعالية نفسها في الميدان كقذيفة الياسين 105 الترادفية – وقذيفة التاندوم عيار 85 ملم – والعبوات المتعددة المخصصة للأفراد والآليات من طراز ثاقب وَشواظ وَغيرها – قناصة الغول المصنعة محلياً من طراز 50 ملم – صواريخ رجوم الأرضية ومتبر1 و2 المخصصة للدفاع الجوي، كُـلّ ذلك السلاح المتواضع الكلفة والفائق التأثير كان يحمله مقاتل جرى بناؤه وتنمية قدراته لسنوات يحمل عقيدة مقدسة تؤمن بقداسة المبدأ التي تدافع عليه وتمتلك اندفاعاً وعشقاً للشهادة لا مثيل له يستمد وقوده من العقيدة الصحيحة والشجاعة والإقدام.