تمدُّدُ (طُـوفان الأقصى) إلى البحر الأحمر وانعكاساتُه على الساحة الدولية
محمد عبدالسلام العامري
تزامناً مع تهديد قائد المسيرة القرآنية عبدالملك الحوثي، في العاشر من أُكتوبر، بالدخول في الحرب حال ثبت تورط الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر في الحرب على غزة، ومع ثبوت ذلك أطلقت القوات المسلحة اليمنية مجموعة من الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة إلى فلسطين المحتلّة، لتسارع أمريكا بإسقاط معظمها في البحر الأحمر عبر مدمّـراتها التي وصلت في السادس عشر من نفس الشهر، كما أسقطت القوات المسلحة اليمنية الطائرة الاستطلاعية التجسسية الأمريكية MQ-9، في أجواء المياه الإقليمية اليمنية، في الثامن من نوفمبر، ومع اشتداد وتيرة الحرب في غزة، أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، بأنها ستقوم باستهداف جميع أنواع السفن التي تحمل علم “إسرائيل”، والتي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، والتي تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، في البحر الأحمر وباب المندب، وفي نفس اليوم أعلنت عن اقتياد سفينة جالكسي ليدر إلى الساحل اليمني.
تعددت أسباب ودوافع عمليات البحر الأحمر التي تقوم بها الحكومة اليمنية وقيادة الثورة، فقد اعتبرها السيد عبدالملك الحوثي، عملية إسناد لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأنها دوافع آنية ستستمر حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة، وإدخَال كُـلّ ما يحتاجونه من غذاء ودواء، كما أنها حق مشروع وفق اتّفاقية الدفاع العربي المشترك لعام ١٩٥٠م.
برزت تداعيات عديدة نتيجة عمليات البحر الأحمر كان أبرزها توسيع بند أهداف الحكومة اليمنية إلى منع مرور السفن المتجهة إلى مواني فلسطين المحتلّة من أية جنسية.. إقدام العدوان الأمريكي على استهدِاف ثلاثة زوارق تابعة للقوات المسلحة اليمنية؛ مما أدى إلى استشهاد ١٠ مجاهدين، بالإضافة إلى إقدام العدوان الأمريكي البريطاني، على تشكيل حلف الازدهار، وشنه أكثر من ١٣٩ غارة جوية على اليمن، في المقابل أقدمت الحكومة اليمنية على توسيع أهدافها واعتبار كافة السفن والقطع الحربية الأمريكية والبريطانية أهدافاً مشروعة ضمن حق الدفاع على النفس، وحتى اليوم أقدمت الحكومة اليمنية على احتجاز سفينة، واستهداف أكثر من ٣١ سفينة، وإجبار العديد من السفن على التراجع.
من خلال ما تم التطرق إليه من أسباب ودوافع وتداعيات، برز لدينا سيناريو تمثل في: تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وبروز قوة إقليمية جديدة.
إن توسع عملية (طُـوفان الأقصى) إلى البحر الأحمر أحدث تغييرات كثيرة في الواقع المحلي والإقليمي والعالمي، كإثبات قدرات حكومة صنعاء في استهداف السفن الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية، التي لعبت دوراً كَبيراً في تغيير موازين عملية (طُـوفان الأقصى)؛ ولأننا لا نستطيع فصل ما يحدث في غزة عن التطورات في البحر الأحمر أَو في الساحة الدولية، لما لها من تأثير مباشر في مسار التفاعلات الدولية، فَــإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية في أزمة سياسية وعسكرية واقتصادية؛ فلم تعد قادرة على إدارة الصراعين الروسي الأوكراني، والعربي الإسرائيلي، ومع تكرّر استهداف مصالح الكيان الصهيوني سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إطلاق تحالف الازدهار؛ بهَدفِ التصدي لهجمات اليمن، إلَّا أن أمريكا عجزت عن جر أية دولة من الدول المطلة على البحر الأحمر للمشاركة في التحالف، مما يدل على تراجع دور أمريكا في المنطقة، ولم يقتصر تراجعها على المنطقة العربية، بل توسع إلى القارة الأُورُوبية بانسحاب كُـلّ من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا من التحالف، وإعلان الاتّحاد الأُورُوبي بأنه سيرسل قوة خَاصَّة به، مستقلة عن واشنطن، ولن تشارك في حماية مصالح الكيان الصهيوني؛ كما أنها فشلت في تحييد الساحة الدولية، والذي اتضح جليًّا مع انتهاك سيادة اليمن عبر قصفها، لتواجه انتقادات عالمية، ومع تصاعد الرأي العام العالمي الرافض للمجازر التي يقوم به الكيان الصهيوني في فلسطين، سارعت بعض الدول لقطع علاقاتها مع “إسرائيل”، التي عملت أمريكا لسنين؛ مِن أجل إقامتها، كما خسرت التأييد الدولي لما تقوم به في البحر الأحمر، وعجزها عن تجميع حملة دولية للقضاء على أعدائها ومعارضيها في الساحة الدولية، على غرار ما كان عليه الوضع ما بعد الحرب الباردة؛ كُـلّ هذا يؤكّـد تراجع الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية، بالإضافة إلى أن التهديد الأمريكي باستخدام القوة عبر إرسال المدمّـرات والسفن الحربية لتغيير المواقف والاكتفاء بالصمت، لم يعد يجدي، فمحور المقاومة سواء في لبنان أَو العراق أَو سوريا أَو اليمن، أصبح يبادر بالاشتباك مع أمريكا، ويستهدف مقراتها وقواعدها، كُـلّ ذلك يوضح مدى جدارة محور المقاومة وفعاليته وقدرته على تجاوز القوات النظامية، وقدمت منظوراً جديداً للساحة الإقليمية الدولية مضمونة أن موازين القوى تغيرت عن ما كانت عليه بعد الحرب الباردة.