بعد توريطها وإغراقها في المستنقع اليمني.. أَمريكا تدقّ المسمار الثاني في نعش المملكة المتهالكة
قرارٌ أَمريكيٌّ صامت بتجميد بيع القنابل العنقودية للمملكة، تزامنت معه حملاتٌ إعلاميةٌ منظمة تقوم بها الصحافة الأَمريكية، تتهم فيها الأخيرة بتمويل وتصدير الإرهاب لكافة دول العالم. هذا التزامن أثار تساؤلات العديد من المراقبين الذين أكدوا أنه تنصُّلٌ أَمريكي من تبعات الحرب على اليمن ودقّ المسمار الثاني في نعش النظام السعودي المتهالك.
صدى المسيرة/ حسين الجنيد
يؤكد علماءُ الفضاء أن النجمَ حين يكون على وشك الانهيار، فإن نواتَه تصبحُ غير مستقرة، حيث يبدأ النجم في الاتساع إلى ما هو أبعد من حجمه العادي، وحين يظهر في حجم كبير، فإنه حينها يكون في الواقع في أضعف حالاته.
هذه بالضبط هي الحالة التي تعيشها المملكة السعودية في الوقت الراهن، ابن خلدون، أحد كبار فلاسفة القرن الرابع عشر، رسم في كتابه “المقدمة” ملامح صعود وسقوط الإمبراطوريات.
مؤكداً أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق أي شيء ما لم يوجد هناك توافق في الآراء بشأن أهدافه وغاياته، بالإضافة إلى تمتعه بالتضامن المجتمعي والذي أشار له “بالعصبية” أو الإجماع على دعم تلك الأهداف، يخلق التنافس على النفوذ الشخصي والفساد وإغواء الثروة نوعاً من الفتور العام الذي يشكل الطور الأخير لأية قوة مهيمنة.
كل المؤشرات تشير إلى أن السعودية تمر بمثل هذه المرحلة في الوقت الحالي.
فبعد ترك حكام النظام السعودي دورهم التقليدي في استهداف الدول من خلال اختلاقهم وإدارتهم للأزمات في الداخل، وتحول سياستهم إلى التدخل العسكري المباشر، والذي تمثل بعُـدْوَانهم الشامل على اليمن في الخامس والعشرين من مارس عام 2015.
وانكشاف الدور السعودي في تمويل وتدريب ودعم الإرهابيين والمرتزقة في العراق وسوريا والعديد من دول العالم، بحسب ما تداولته الصحافة ومراكز الدراسات الغربية. وتفاقم الأزمة الشاملة في المملكة والتي تزداد بشكلٍ اطراديٍّ متسارعٍ على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
أصبح البدء في العد التنازلي لانهيار هذا النظام أمراً مفروغاً منه، وما يجعلنا نسلم بهذا الأمر، دخول الولايات المتحدة على خط هذه المعادلة لتسريع التفاعلات فيها للوصول إلى النتائج المتوقعة، وذلك بردود أفعالها إزاء هذا النظام الذي احتضنته ووفرت له الحماية منذ عشرينيات القرن الماضي.
حيث كانت أول ردة فعلٍ أَمريكيةٍ تستهدف المملكة ونظامها، مطلع هذا الشهر، حين صوّت مجلس الكونغرس على مشروع القانون الذي يتيح لأهالي ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بمقاضاة السعودية في المحاكم الأَمريكية، وذلك بالتزامن مع إعلان الصحف الأَمريكية نقلاً عن مصادر في المخابرات المركزية أنها ستقوم بنشر الجزء السري من سلسلة الوثائق المتعلقة بتفاصيل تلك الأحداث والتي تثبت تورط بعض القادة السعوديين في تلك الاحداث.
وفي استمرارٍ للتسريع الأَمريكي لمعادلة إسقاط النظام السعودي، ما أعلنته مجلة “فورين بوليسي” الأَمريكية، عن إصدار البيض الأبيض لقرار سري بتجميد صفقات بيع القنابل العنقودية للمملكة العربية السعودية.
حيث كشف الكاتب الأَمريكي جون هادسون أن الإدارة الأَمريكية اتخذت هذا القرار بعد انتقاداتٍ واسعةٍ وُجِّهت لها؛ بسبب ارتفاع أعداد الضحايا الذين يُقتَلون يومياً بهذه الأسلحة من جراء استخدام النظام السعودي لها في اليمن.
وقال هادسون في مقاله الذي نشرته المجلة “إن واشنطن تحركت أخيراً لوقف المذبحة في اليمن، حيث أسفرت الحرب الجوية التي تشنها السعودية هناك عن مقتل وإصابة مئات المدنيين”، مشيراً إلى أن مسؤولين أَمريكيين أكدوا أن وقفَ توريد القنابل العنقودية للنظام السعودي “هو أول خطوةٍ حقيقيةٍ تتخذها الولايات المتحدة للتعبير عن عدم ارتياحها وقلقها إزاء الحرب السعودية على اليمن”.
ولفت هادسون إلى أن الخطوة الأَمريكية الجديدة جاءت بعد تصاعد الانتقادات من قبَل نواب أَمريكيين لدعم بلادهم للنظام السعودي رغم الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها، والتقارير التي توثق استهدافه للمدنيين في اليمن بأسلحة محرّمة دولية بما فيها القنابل العنقودية.
وأوضح هادسون أن الدعم الأَمريكي للنظام السعودي لا يقتصر فقط على تزويده بالأسلحة وبيعه قنابل عنقودية بملايين الدولارات في السنوات الماضية فقط بل يشملُ أَيْضاً تقديم التدريب والدعم اللوجستي وتزويد الطائرات السعودية التي تقصف اليمن بالوقود جواً.
بدورها أكدت منظمات حقوقية أن الإجراء الأَمريكي الجديد “ليس كافياً” على الإطلاق حيث دعا مسؤول قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية “سانجيف بيري”، الولايات المتحدة إلى القيام بفعل المزيد في هذا المجال، مبيناً أن جميع المحاولات التي قامت فيها المنظمة لوقف صفقة بيع قنابل ذكية أَمريكية الصنع بقيمة 3ر1 مليار دولار إلى النظام السعودي باءت بالفشل.
وكانت الأممُ المتحدة ومنظمات حقوقية دولية أكّدت أكثر من مرة مسؤولية التحالف الذي يقوده النظام السعودي عن ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين واستخدامه ذخائر عنقودية محرمة دولياً أغلبها أَمريكي الصنع.
من جهته قال الأستاذ “ناصر باقزقوز”، عضو الوفد الوطني المفاوض عن حركة أنصار الله، في مقابلةٍ أجراها معه موقع “سبوتنيك” الروسي حين سُئل عن القرار الأَمريكي بتوقيف بيع القنابل العنقودية للسعودية “إن هذا اعتراف واضح وصريح من الولايات المتحدة باستخدام السعودية لهذا النوع المحرم من القنابل في عُـدْوَانها على اليمن، بحق المدنيين الأبرياء”. مؤكداً للموقع الروسي “اليمن لن تنسى شهداءها وستتقدم بشكاوى وتحاكم السعودية دولياً”.
الصحافة الأَمريكية تدين المملكة
وفي تزامنٍ أثار العديد من التساؤلات لدى بعض المراقبين والمحللين السياسيين، صعّدت الصحافة الأَمريكية نبرة الخطاب تجاه النظام السعودي، متهمةً إياه بدعم وتصدير الإرهاب.
حيث أكّدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأَمريكية، في مقالٍ لها نشرته يوم الجمعة الفائتة 28 مايو، تحت عنوان “العالم يحصد ما يزرعه السعوديون”، دور النظام السعودي في صناعة الإرهاب وتمويله، وذلك من خلال انشائها للمراكز الدينية التي تنشر الفكر الوهابي الذي يعد منبع التطرف والمرجعية التي انبثق منها تنظيم القاعدة وداعش.
واستشهدت الصحيفة في مقالها بتقريرٍ كانت قد نشرته مؤخراً عن كوسوفو، والذي جاء فيه أن الإنفاقَ السعودي والخليجي لتطوير وتمويل شبكةٍ من رجال الدين والمساجد والمؤسسات السرية، لعب دوراً أساسياً بإيصال كوسوفو إلى هذا الوضع من التطرف.
وقالت الصحيفة: “إن استخدام السعودية لكوسوفو كأرض خصبة للمتطرفين، أو السماح لأي كيان أو مواطن سعودي بالقيام بذلك، إنما يذكّر بالسلوك المتناقض أو حتى المزدوج من قبل شركاء أميركا في الخليج الفارسي، ويساعد كذلك على شرح أسباب العلاقات المضطربة اليوم بين واشنطن وهذه الدول”.
وفي مقالٍ له على صحيفة “نيويورك تايمز” نشِر يوم أمسٍ الأحد 29 مايو، كشف الصحفي الأميركي “نيكولاس كريستوف” أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه أوباما، هو توفير ما اسماه السلام للسعودية من أجل شن الحرب على اليمن، منبهاً أن “ذلك يورط أميركا بأعمال قد تكون جرائم حرب بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش”.
وَتحدث الصحفي الأَمريكي، عن ما أسماه بـ “دورٍ غادرٍ” تلعبه السعودية بزرع الفوضى و”تشويه صورة الإسلام في جميع انحاء العالم”، معتبراً أن “القادة السعوديين يلحقون ضرراً أكبر بكثير بالإسلام مما يمكن أن يلحقه أيٌّ من ترامب أو كروز المرشحين الجمهوريين للرئاسة الأَمريكية.
وفي ختام مقاله، أكّد كريستوف أن الوقت قد حان لمصارحة أنفسنا والاعتراف أن السعودية ليست مجرد “محطة وقود”، بل هي منبع السم في العالم الإسلامي، وأن تعصبها الأعمى هو الذي يؤجج التعصب الأعمى في الداخل الأميركي، داعياً إلى تسميتها بـ “مملكة التخلف”.
النظامُ الآيل للسقوط
وعلى ما يبدو أن الإدارة الأَمريكية لم تكتف بالتصعيد السياسي إزاء المملكة في سيناريو صامت، ودفع صحافتها للنيل من النظام السعودي وتشويه صورته في ذهنية الشعوب، بل أوعزت لمراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابعة لها، بنشر العديد من الدراسات التي تؤكد قرب سقوطه وانهيارَه على المستوى الداخلي.
وفي آخر هذه الدراسات نشر معهد واشنطن للدراسات السياسية، منذ يومين، أي بعد قراره بتجميد بيع القنابل العنقودية للمملكة، أن النظام السعودي بات على شفير الانهيار كلياً؛ وأحد أهم أسباب هذا الانهيار، حربه على اليمن التي تعد أفقر وأضعف دولة في العالم العربي، منذ أكثر من عام بحجة مساعدة الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي الذي تمت الإطاحة به من قبل تحالف بين قطاعات مختلفة في المجتمع اليمني طالبت بالديمقراطية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي الملموس في بلادها.
وأوضحت الدراسة أن هذه الحرب أدَّت إلى عواقب وخيمة على اليمنيين، حيث قتلت وجرحت عدد غير معروف من المدنيين وتسببت في نزوح ما يقرب من مليونَي شخص وخلفت قرابة 500 ألف لاجئ وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة.
لافتةً أن هذه الحرب تذكر الناس بالأيديولوجية المدمرة لداعش، التي تستمد جذورها من المملكة العربية السعودية، حتى مواكب المدنيين الفارين من العنف، لم تسلم من الاستهداف.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك تقاريرَ متكررة للعديد من الوكالات والمنظمات الإنسانية العالمية تفيد أن المملكة العربية السعودية، تستخدم أسلحةً غير تقليدية (كالقنابل العنقودية، وحتى الأسلحة الكيميائية)، وتقوم بارتكاب جرائم حرب قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
وأكدت الدراسة أن نقل اليمنيين الحرب للأراضي السعودية، والذي أسفر عن سقوط المئات من الجنود السعوديين، قد تسبب في إثارة المخاوف لدى الداخل السعودي من امتداد هذه الحرب لعمقها الجغرافي، وأسهم بشكلٍ مباشرٍ في تنامي السخط الشعبي تجاه الحكام السعوديين، معلناً قرب سقوطهم الحتمي في الوقت القريب.
ومن خلال الربط بين كُلّ المعطيات التي تم تناولها، مراقبون أكدوا “أن القرار الأَمريكي لم يكن نابعاً من حرص الإدارة الأَمريكية على أرواح المدنيين في اليمن؛ نظراً لعدم اتخاذها أية اجراءات جادةٍ إزاء النظام السعودي بهذا الشأن، بقدر ما هو قرار كان الغاية منه تحميل السعودية كُلّ المسئولية الأخلاقية والجنائية لهذه الحرب، في تنصُّلٍ واضحٍ من تبعاتها التي وعلى ما يبدو أن السعودية هي التي ستواجه تلك التبعات منفردةً ووحيدة، من دون حليفتها الكبرى”.
لافتين إلى أن قراءةَ الصحافة الأَمريكية لمستقبل المملكة، ليس من باب الاستنتاج الحتمي من واقع المستجدات، بل هي عبارة عن رسائل موجهة تعلن فيها الإدارة الأَمريكية تخلّيها الصريح عن النظام السعودي، والحرب على اليمن لم تكن سوى المبرر الذي كانت بحاجته لهكذا توجّه.