خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” حول آخر التطورات والمستجدات الخميس 11 رمضان 1445هـ 21 مارس 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعمَال.
في منتصف الشهر السادس، وللأسبوع الرابع والعشرين، ولليوم المائة والسابع والستين، يستمر العدو الإسرائيلي في جرائم الإبادة الجماعية، ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ويرتكب المجازر الجماعية التي يقتل بها الأهالي بشكلٍ جماعي، خلال هذا الأسبوع أكثر من (ستين مجزرة)، بمعدل (مائة شهيد يومياً) على الأقل، وبلغ عدد المجازر الجماعية: أكثر من (ألفين وتسعمائة مجزرة)، عدد هائل جداً ورهيب، وبلغ عدد الشهداء والمفقودين: أكثر من (أربعين ألف شهيد ومفقود)، والجرحى: أكثر من (أربع وسبعين ألف وستمائة جريح)، ومعظمهم من الأطفال والنساء، وفي نطاقٍ جغرافيٍ محدودٍ في قطاع غزة.
في الضفة الغربية كذلك: أربعمائة وسبعة وثلاثين شهيداً، وأربعة آلاف وسبع مائة وعشرين جريحاً، وسبعة آلاف وسبعمائة مختطف، اختطفهم العدو الإسرائيلي إلى سجونه.
هذه الآلاف المؤلفة من الأرواح التي أزهقها العدو الإسرائيلي، والعدد الكبير بمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، الذين يكابدون الجراحات، والآلام، والمعاناة بأقسى أنواعها، ثلاثة أرباعهم من الأطفال والنساء، وذلك الإصرار على سياسة الإبادة الجماعية الممنهجة، والمدروسة، والمعتمدة من العدو الأمريكي والإسرائيلي كتكتيكٍ مقصود، والمخطط لها، والمدعومة، هو شاهدٌ حيٌ على بشاعة وتوحش وإجرام قتلة الحياة، ومصاصي الدماء الصهاينة، كم هم مجرمون، وسفاحون، وخطرون على البشرية بكلها.
ولا غرابة من وحشية القاتل الصهيوني الحاقد، وهو يُدمِّر بشكلٍ ممنهج، ويحرق كل مظاهر الحياة، لشعبٍ اغتصب أرضه، فقد تربى أولئك القتلة المجرمون منذ طفولتهم على أفكار ومناهج تُرسِّخ فيهم الكراهية، وحب القتل لكل عربيٍ ومسلم، وهذا موجودٌ في مناهجهم وسياساتهم التعليمية والتربوية.
هذه المجازر المهولة، وهذه الهمجية التي ترعاها أمريكا، وتدعم استمرارها، وتصرُّ على استمرارها، تشهد على الانحطاط الأخلاقي والإفلاس الإنساني، من دولةٍ خدعت الكثير بزعمها أنها تقود العالم المتحضر، تلك الجرائم الرهيبة تكشف قبح أمريكا، وتقرع جرس الإنذار المتجدد عن خطورة ممارساتها تجاه غيرها من الشعوب، وتُذكِّر الكثير من سكان هذا العالم، ممن قد نسوا ماضي أمريكا الأسود، الذي تأسس على الإجرام، والغطرسة، ونكران حقوق الغير، وعلى أنقاض السكان الذين أبادتهم في بلدانهم، فهي مصاصة دماء الشعوب، وضحاياها بالملايين، من فيتنام، إلى أفغانستان، إلى العراق، إلى فلسطين واليمن، وهي الدولة الوحيدة في هذا العالم التي استخدمت القنابل الذرية ضد المدنيين في (هيروشيما ونجازاكي – في اليابان)، من قد نسي، أو انخدع، أو غفا، فمأساة غزة كفيلةٌ بأن توقظه، إن كان بقي لديه أمل لأن يستيقظ، تكشف حقيقة أمريكا وربيبتها العدو الإسرائيلي، ربيبتها التي ترضع الدماء منذ ولادتها غير الشرعية وإلى اليوم.
وهذه المأساة أيضاً فضيحة لما يسمى بالمجتمع الدولي، ودوسٌ لقوانينه وأعرافه الدولية، وعارٌ على المجتمع المسلم، في مختلف البلدان الإسلامية في الوطن العربي وغيره، الذين عليهم مسؤولية أخص من غيرهم وأكثر من غيرهم، ومضافاً إلى المسؤولية الإنسانية هناك المسؤولية الدينية والأخلاقية، وهناك الأمن القومي لهذه الأمة.
الممارسات الإجرامية للعدو الإسرائيلي متنوعة، ويبتكر المزيد والمزيد من أساليب الإجرام، وارتكاب الجرائم بحق الأهالي، من ضمن ذلك: ما حصل في الساعات الأولى من فجر يوم الجمعة الماضية، عندما تجمَّع الأهالي الجائعون عند دوار الكويت، لانتظار المساعدات، باغتتهم مروحية تابعة للعدو الإسرائيلي، وأطلقت عليهم النار بشكلٍ مباشر، وعندما حاول الناجون الاحتماء في المباني من نيران المروحية، أكملت مدفعية العدو الإسرائيلي المجزرة وأمطرتهم بقذائفها، وفي اليوم التالي دمَّرت طائرات العدو الإسرائيلي بعدة غارات عمارةً سكنيةً (في حي الرمَّال) على رؤوس ساكنيها، ودفنت بين أنقاضها عدة عائلات، ويتذرَّعون في هذه الجريمة، والسبب الوحيد الذي يبررون به تلك الجريمة هو: أنَّ تلك العمارة كانت بفنائها بئر ماء، يتم توزيع الماء منه لعشرات الأسر النازحة في العمارة ومحيطها.
أمَّا عن الحصار والتجويع، فالعدو الإسرائيلي يتحرَّك في اتجاهين:
- الاتجاه الأول: الإعاقة لدخول الشاحنات المحملة بالغذاء، والاحتياجات الضرورية للشعب الفلسطيني في غزة، فلا يدخل إلَّا القليل النادر، عند اشتداد المجاعة، وكثرت الوفيات، ووصول المأساة إلى الذروة.
- ثم ذلك القليل الذي يدخل يستهدف البعض منه وهو يتحرك في الطرقات، ويستهدف الأهالي عند الذي تبقَّى منه، أثناء تجمعهم للحصول على الطعام والغذاء.
نسبة الحاجة إلى المساعدات الغذائية في قطاع غزة بلغ (100%)، هذا في التقارير الدولية والأممية، نسبة غير مسبوقة في العالم، ولا في أي بلدٍ من البلدان، يعني: الكل من سكان غزة- بدون استثناء- بحاجة مساعدة بالغذاء، وتوفير الطعام لهم، وهذه مأساة كبيرة جداً، غير مسبوقة في العالم، ولا مثيل لها حالياً في أي بلد منكوب أو فيه حرب، وهي حالة مؤسفة جداً، ومأساوية للغاية!
وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الخاص بمراقبة الجوع عالمياً، والمتكون من وكالات للأمم المتحدة (جماعات إغاثة دولية): أنَّ مستويات خطيرة للغاية من سوء التغذية الحاد والوفيات، أصبحت وشيكةً بالنسبة لأكثر من ثلثي السكان في شمال غزة، حيث تُحاصر قوات العدو الإسرائيلي (أكثر من ثلاثمائة ألف مواطن فلسطيني)، كارثة، ونكبة، وإجرام رهيب جداً!
العدو أيضاً رفع من وتيرة استهداف شاحنات المساعدات أثناء سيرها، وهي تتحرك، وهذا هو القليل النادر الذي يدخل منها، ويستهدف كذلك مراكز التوزيع، وهذا الأسبوع فقط ارتكب (أكثر من عشر مجازر) ضد مراكز توزيع المساعدات، وقتل العاملين في اللجان المنظمة؛ إمعاناً في حرب التجويع، وكذلك لصناعة حالةٍ من الفوضى والانفلات، واستهدف العدو حتى اللجان العشائرية، التي تؤمِّن توزيع المساعدات، وقتل العديد منهم، ومن ذلك ما حصل أول من أمس (يوم الثلاثاء) بدوار الكويت.
من الحالات التي تُعَبِّر عن حجم المأساة للشعب الفلسطيني ونسائه وأطفاله، وهي حالة من آلاف الحالات: انتشرت مشاهد لأحدى الأمهات الفلسطينيات، ذهبت للبحث عن طحين لأطفالها الجائعين، وعند عودتها لاقت منزلها أثراً بعد عين، بعد أن قصفه العدو ودمره على رؤوس أطفالها، وسط مشهدٍ مأساويٍ، ونوباتٍ من البكاء الشديد والقهر على أطفالها.
هذه المشاهد المأساوية والأرقام ليست قصصاً تحكى، بل هي مآسٍ وأوجاع يجب أن تحيي الضمائر لمن بقي له قلب، وهي لعنةٌ على أولئك الظلمة المجرمين وعلى داعميهم، ووصمة عار في جبين الساكتين والمتفرجين.
أمَّا المتواطئون طمعاً في ود أمريكا، فيمكنهم مراجعة مقولة للرئيس الباكستاني الراحل (محمد ضياء الحق)، الذي قال: [أمريكا ليس لها صاحب، من يتعامل مع البيت الأبيض كمن يتعامل مع بائع الفحم، لا يناله إلا سواد الوجه واليدين]، سوَّد الله وجوه كل الساكتين والمتفرجين!
المأساة الكبيرة هناك يُصرُّ الأمريكي على الاستخفاف بها، ويصرّ على استمرارها، ومع التقارير التحذيرية من الأمم المتحدة، وتصريحات الكثير من الدول والمنظمات، بأن العدو الإسرائيلي يستخدم التجويع كسلاح يقتل به الأهالي في غزة، ووضوح ذلك رأي العين، تشاهد هذه المأساة في التلفزيونات، في المشاهد الموثقة بالفيديو، إلَّا أن الأمريكي الشريك للعدو الإسرائيلي في جرائمه، يطلع بكل وقاحة ويقول بأنه: [لم يرَ أي دليل، وأنه يريد أدلة قاطعة]، هذا كله من الاستخفاف.
أمَّا عن النازحين ومعاناتهم، فالعدو الإسرائيلي يستخدم أساليب متنوعة في إبادة واضطهاد النازحين وترويعهم، وتنويع أساليب قتلهم، فمن خلال تشريدهم، وتحديد ممرات وشوارع على أنها آمنة، وقتلهم بالقصف على قوافل النازحين في تلك الممرات، ونشر قناصة تنصب الكمائن في تلك الشوارع؛ لتنفيذ عمليات إعدام بحق النازحين، إلى تحديد مناطق على أنها مناطق آمنة للنزوح إليها، ويعلن ذلك للفلسطينيين، وفجأةً بعد أن تكتظ بالنازحين يعلنها مناطق عسكرية، ويقصفها، ويقتل النازحين فيها بشكلٍ دامٍ، بعد أن يكون قد تمكن من جمع الكثير منهم في حيزٍ جغرافيٍ ضيق، كما يقتلهم بالتجويع، والأوبئة، ومختلف أساليب الإبادة.
قوات العدو الإسرائيلي حاصرت في هذا الأسبوع مدرستين، تؤوي نازحين في محيط مستشفى الشفاء بمدينة غزة، واقتحمت إحداها، واعتقلت عدداً من النازحين، وشرَّدت النساء، وأرغمتهن على المغادرة عبر شارع الرشيد، الذي عادةً ما تحدده قوات العدو كممر للنزوح، وارتكاب المجازر فيه، بعد أن يصل الأهالي إلى ذلك الشارع، تبدأ بقتلهم، وقنصهم، وإعدامهم، كما استمرت عمليات القتل للنازحين عبر الاستهداف المباشر لتجمعاتهم، وحتى للخيم، وقد أصبح معظم سكان قطاع غزة نازحين، حوالي مليوني نازح.
أمَّا عن الوضع الصحي، فهو كارثيٌ بكل المقاييس، والعدو الصهيوني يواصل تدمير المنظومة الصحية، وترويع المرضى والكوادر الطبية، من خلال الاقتحام المتكرر للمستشفيات، وإطلاق النار باتجاه غرف الرقود بين كل فترةٍ وأخرى، وقتل المرضى على أَسِرة المستشفيات، وهذا الأسبوع ومنذ يوم الاثنين الماضي بدأ العدو عملية عسكرية متواصلة، استهدفت من جديد مجمع الشفاء الطبي بالقصف، وإطلاق النار المباشر، وقتل العشرات، وجرح المئات، داخل المستشفى وفي محيطه، ووصل الحال بالأطباء والممرضين إلى عدم التمكن من إنقاذ بعض المصابين، وهم حتى داخل المستشفى؛ بسبب كثافة النيران، واستهداف العدو لكل من يقترب من النوافذ، ومن ثم قام جنود العدو باقتحام المستشفى، وتنفيذ عمليات إعدام، وتصفية للمرضى والكوادر الطبية بعد اعتقالهم، واعترف العدو الإسرائيلي بإعدام تسعين مريضاً منهم، ومن الكوادر الطبية الصحية.
قام أيضاً بالاعتداء بالضرب والاختطاف على بقية الكوادر الطبية والمرضى، وفصل أجهزة التنفس الاصطناعي عن بعض المرضى؛ لقتلهم بذلك، وإجبار البعض منهم على مغادرة المستشفى مشياً على الأقدام، ومحاصرة مبنى الجراحات التخصصية، وإشعال النيران فيه، ومحاصرة استقبال الطوارئ، وترويع المرضى والنازحين، وإضرام النيران في بوابة المستشفى، كما قام المجرمون الصهاينة بتعرية المختطفين العُزَّل لمدة نهارٍ كامل. أي وحشية تساوي تلك الوحشية وذلك الإجرام! أولئك الذين قدَّمهم المطبعون العرب على أنهم حمائم السلام، وقدَّموا لشعوبنا العربية أن الصحيح، وأن الحكمة هي في علاقة طبيعية مع أولئك.
أمَّا على مستوى الاستهداف للكوادر الطّبيَّة، فقد استشهد (أربعمائة وستة وسبعين منهم)، وأُسِرَ (ثلاثمائة منهم).
أمَّا عن الدمار والخراب الشامل، الذي شمل معظم المدن، والمنازل، والمساكن، والمنشآت، والمباني في القطاع، فقد طال (حوالي ثلاثمائة وتسعة وستين ألف وحدة سكنية) مدمرة كلياً أو جزئياً، وضمن هذا الدمار (أكثر من خمسمائة مسجد) استهدفه العدو بالقصف والتدمير.
مع كل ذلك، مع كل هذا الإجرام، والإبادة الجماعية، والدمار الشامل الهائل، يسعى العدو أيضاً لخلخلة الوضع الأمني في غزة، ونشر الفوضى، ويحاول أن يعيد حالة الاحتلال المباشر، والسيطرة المباشرة له على القطاع، فهو استهدف قائد الشرطة في قطاع غزة، ومسؤول المباحث في شمال غزة، ومسؤول الشرطة في النصيرات، وكوادر حكومية في مدينة رفح، وهو يسعى إلى تقويض الأمن والتنظيم، وإثارة الفوضى، وإيجاد بيئة مهيأة لفرض عملائه؛ ليقوموا هم بالسيطرة على الوضع بما يخدمه، وهذا جزء من عدوانه على الشعب الفلسطيني، وجزءٌ بشعٌ وخطير.
وفي هذا السياق نُشيد بوعي وبصيرة وصمود أهالي قطاع غزة، الذين كان لهم موقف حاسم، ورفض قاطع للتعامل مع العدو الإسرائيلي، أو مع عملائه، هذا يدل على وعيهم، وإيمانهم، وبصيرتهم، وهو الموقف الصحيح.
في مقابل ذلك الإجرام، وتلك الوحشية، والإبادة الجماعية، والدمار الهائل، المدعوم وبشراكة أيضاً- وليس فقط بالدعم- من أمريكا، والمدعوم من دول غربية، من بينها ألمانيا، وفرنسا، وآخرين، يقابل ذلك صمود المجاهدين وأهالي غزة، الصمود العظيم.
يستمر المجاهدون في قطاع غزة، من كتائب القسام، وسرايا القدس، وبقية الفصائل المجاهدة هناك، يستمرون في القتال ببسالة، والتصدي للعدو الإسرائيلي، وإيقاع الخسائر في جنوده وآلياته، وينصبون كمائن الموت لجنوده، واستهدفوا على العدو خلال هذا الأسبوع (ما يقارب خمسة عشر آلية).
تماسك المجاهدين في قطاع غزة، بالرغم من حجم العدوان، والإجرام، والإبادة الجماعية، والدمار الهائل، واستخدام العدو المفرط حتى للأسلحة المحرمة دولياً، وبالرغم من إمكانيات المجاهدين البسيطة جداً، الإمكانات المتواضعة، وفي ظل حصار كان منذ سنوات، وليس جديداً؛ إنما اشتد أكثر؛ يعتبر آيةً من آيات الله، ومفخرةً للشعب الفلسطيني، في كل الأجيال اللاحقة، فالمجاهدون في فلسطين ومعهم الأهالي متماسكون وثابتون، المجاهدون يستمرون في القتال والتصدي ببسالة، وإيقاع الخسائر قتلى وجرحى، وتدمير آليات في صفوف العدو، والأهالي يتمسكون بالبقاء في القطاع، ورفض التهجير، بالرغم من حجم المعاناة التي لا مثيل لها، المأساوية، والمؤسفة، والمؤلمة، جداً لكل إنسانٍ بقي له ضميرٌ حي، بقي له ذرةٌ من الشعور بالإنسانية!
وهناك إخفاق وفشل كبير للعدو الإسرائيلي، فلا هو استطاع أن تستحكم قبضته، ويتخلص من المجاهدين، في ثباتهم، وعملياتهم، وكمائنهم، وضرباتهم، ولا هو استعاد أسراه، ولا هو حقق أي صورة للنصر، حتى يفتخر بها ويتباهى بها، هو يتباهى فقط بجرائمه، بجرائمه المتنوعة والبشعة، يتباهى بقتل الأطفال، يتباهى ضباطه وجنوده وقادته السياسيون بقتل المدنيين، بقتل الأهالي الطاعنين في السن، والمرضى على أَسِرَّةِ المستشفيات، بقتل الأهالي في منازلهم، بقتلهم في الشوارع والطرقات هذا فقط الذي يفتخر به.
أيضاً في واقع العدو الإسرائيلي أصبح هناك أزمة في التجنيد، وهذا يفيد على صعوبة المعركة بالنسبة للعدو في قتال المجاهدين في غزة، ويدل على بسالتهم وثباتهم، العدو الإسرائيلي قد خسر الكثير من القتلى والجرحى، والمرضى النفسانيين، والمختلين عقلياً، والمتهربين من القتال، ويحاول أن يعوِّض ذلك بالتجنيد، فهناك رفض من فئات متعددة من الإسرائيليين للتَّجنُّد والقتال، حتى لدى فئات هي من أشد الفئات الإسرائيلية حقداً على الشعب الفلسطيني، وعلى المسلمين عموماً، وعلى العرب في المقدمة، فئات لا ينقصها الحقد، الحقد والنظرة التي هي نظرة سوداوية ومتوحشة، ضد الشعب الفلسطيني، ضد المسلمين وفي مقدمتهم العرب، مع ذلك يمتنعون من التجنيد، ويهددون بالمغادرة من فلسطين، والبعض يختارون السجن بدلاً من أن يتجندوا، بل بعضهم رفع [شعار الموت ولا التجنيد]، فهم يتهربون، وأصبح لدى العدو أزمة واضحة، ومشكلة داخلية في هذه النقطة، وهذه من نتائج صمود الشعب الفلسطيني ومجاهديه.
هناك أيضاً- مما يشهد على إخفاقات العدو الإسرائيلي- خلافات في داخل العدو متفاقمة ومستمرة، وواضحة ومعلنة.
أمَّا الخسائر الاقتصادية، التي يسميها ما يسمى بوزير المالية الإسرائيلي بالكارثة، ويصفها بالكارثة، يعني: الخسائر الاقتصادية كبيرة جداً، وتزداد وترتفع، يرتفع سقفها وأرقامها إلى حدٍ مخيفٍ للإسرائيليين، والديون كذلك.
من ضمن ما أثَّر على العدو الإسرائيلي في وضعه الاقتصادي: تعطل ميناء (أم الرشراش)، التي يسميها العدو بـ(إيلات)، وأصبح من المقرر عندهم تسريح نصف العاملين في الميناء، تعطَّل الميناء بشكلٍ تام، أثَّر ذلك على الوضع الاقتصادي لهم في المدينة، وعلى نسبة تعود إلى الوضع الاقتصادي إجمالاً لدى العدو الإسرائيلي.
وهناك تصريحات تُعبِّر عن الخيبة والخسائر الفادحة لدى الإسرائيليين، من ضمن ذلك وسائل إعلام إسرائيلية تقول: [نحن في أخطر فضيحة منذ تأسيس الجيش، وأخطر فشل منذ تأسيس إسرائيل، الجبهة الداخلية غير مستعدة لحربٍ إقليمية ستكون أصعب وأخطر بآلاف المرَّات من الحرب في قطاع غزة]. الإسرائيليون يُقَيِّمون كيف فاعلية جيشهم في مواجهة أعداد بالآلاف فقط من المجاهدين في قطاع غزة، بإمكانات بسيطة جداً، وفي ظل حصار- كما قلنا- له سنوات طويلة، وحصار اشتدت وتيرته في هذه المرحلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فيشاهدون الحالة، بالرغم من حجم الدمار الهائل والقصف الكبير، وبالرغم من تكليف فرق عسكرية وألوية كثيرة، معظم الجيش الإسرائيلي، للقتال في قطاع غزة؛ إلَّا أنهم يشاهدون فشلهم، سرَّحوا الكثير من الجيش النظامي، ومن الاحتياط سرَّحوا أعداداً هائلة، بالرغم مما يمتلكونه من إمكانات وقدرات عسكرية، شاهدوا فشلهم؛ فلذلك يسمّون هذا الفشل بالفضيحة، وأنها أكبر فضيحة منذ تأسيس إسرائيل؛ ولذلك هناك قيمة كبيرة وأثر عظيم لصمود المجاهدين في قطاع غزة، وثباتهم واستبسالهم، ولصمود أهالي غزة، بالرغم من حجم المعاناة وحجم التضحية، لكنَّ المرحلة مفصلية، وتاريخية، ومصيرية، ولها أهميتها وآثارها المستقبلية؛ ولذلك المسألة في غاية الأهمية. هذا فيما يتعلَّق بالمواجهة في قطاع غزة، وإخفاق العدو الإسرائيلي، وصمود المجاهدين والأهالي في غزة.
أمَّا عن الجبهات المساندة، فجبهة لبنان المباشرة، المشتبكة بشكلٍ مباشر مع العدو الإسرائيلي هي مستمرة في التنكيل بالعدو، والضربات الموجعة، وتأثيرها كبير على الجيش الإسرائيلي، وقطعان المستوطنين المحتلين في شمال فلسطين، وهي تعلن بالتفصيل عن العمليات مع التوثيق بالفيديو، وتنشر هذه المعلومات أولاً بأول.
أمَّا فيما يتعلق بجبهة اليمن، في إطار الموقف الشامل لبلدنا رسمياً وشعبياً، في التحرك على كل المستويات، وفي مقدِّمة ذلك: العمليات العسكرية، التي تنفذها القوات الصاروخية، والطيران المسيَّر، والقوات البحرية، فقد نُفِّذت عمليات هذا الأسبوع بـ(ثمانية عشر صاروخ بالِسْتِي ومجنَّح وطائرة مسيَّرة).
وكان من أهم العمليات في هذا الأسبوع، التي سببت عند العدو قلقاً كبيراً: عملية باتجاه أم الرشراش، بصاروخٍ مطوَّر، هذا الصاروخ تمكَّن من الوصول، متجاوزاً كل تقنيات الرصد والاعتراض التي لدى الأمريكي ولدى الإسرائيلي، وهذا مثَّل تطوراً فاجأ العدو الإسرائيلي، واعترف بتفاجئه بذلك، وفتح للإخوة الأعزاء المجاهدين في الصاروخية أُفقاً جديداً، في تطوير القدرات الصاروخية في مدياتها البعيدة، قد ظهر القلق الكبير من جهة العدو الإسرائيلي في وسائله الإعلامية.
نفَّذت أيضاً قواتنا المسلحة عمليات لاستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر، والبحر العربي، وعملية جديدة إضافية في المحيط الهندي، والإجمالي منذ بداية الضربات: (أربعمائة وتسعة وسبعين صاروخ ومسيَّرة).
في المقابل، وفي سعي العدو الأمريكي لإسناد العدو الإسرائيلي، وحماية إجرامه، وفي عملياته المشتركة مع البريطاني، كان هناك خلال هذا الأسبوع: (واحد وثلاثين غارة وقصف بحري)؛ ليصل الإجمالي في الغارات والقصف البحري، التي ينفِّذها الأمريكي والبريطاني، إسناداً للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، بلغت إلى: (أربعمائة وسبع غارات وقصف بحري)، الأمريكي يستخدم في هذا القصف إمكاناته المتطورة، وسلاحه المتطور، ومع ذلك هو فاشلٌ، ومعترفٌ بفشله، من الرئيس الأمريكي، إلى مسؤولين آخرين، إلى ضباط في وزارة الدفاع الأمريكية، إلى ضباط في البحرية الأمريكية، كلهم يعترفون بأن عملياتهم تلك فاشلة: فاشلة في تحقيق ردع، ومنع العمليات من بلدنا المساندة للشعب الفلسطيني، وفاشلة في الحد من تلك القدرات، بل هناك تطور واضح وملموس في القدرات، وهم لاحظوا ذلك، بدءاً من التطور الذي حصل في الضربات إلى البحر الأحمر، والبحر العربي، وفي خليج عدن، ولاحظوا استخدام الصواريخ البَالِسْتِيَّة- لأول مرة في التاريخ- في الاستهداف لسفن في البحر، ولاحظوا أيضاً القدرات الفائقة لاختراق المعلومات، والوصول إلى معلومات عن السفن، وعن حركتها، وعن تواجدها، ومن ثم الضرب لها، والاستهداف لها في المكان المناسب.
التطورات الجديدة، ومن بينها: الصاروخ الذي وصل إلى (أم الرشراش)، من دون رصد، ولا اعتراض، ومن بينها: التمكُّن من الضرب والاستهداف إلى المحيط الهندي، هي تطورات ذات أهمية كبيرة جداً، وهناك أيضاً وراءها تطورات أخرى أكبر، وأكثر أهمية، وأكثر تأثير بإذن الله تعالى، ولكن- كما قلنا- نترك المجال للفعل أولاً، وللقول ثانياً.
فالفشل الأمريكي والبريطاني أيضاً واضح، في عدم تمكنهم من حماية السفن التابعة للعدو الإسرائيلي، ومؤخراً ومنذ أن اشترك الأمريكي في الإسناد للعدو الإسرائيلي بالعدوان على بلدنا هو والبريطاني، كذلك أصبحوا عاجزين حتى عن حماية سفنهم، والحالة الراهنة بالنسبة لهم حالة مقلقة ومزعجة.
ومن معايير النجاح والشواهد على هذا النجاح لقواتنا المسلحة، هو: قلة الحركة للسفن الإسرائيلية، المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، والأمريكية والبريطانية، إلَّا في النادر، بعد إجراء عمليات تمويه كبيرة:
- يقومون بنشر عقود جديدة؛ للتمويه على أنهم قد باعوا تلك السفن، الأمريكي وكأنه مفلس، وأصبح يبيع سفنه بشكل عاجل، عمليات تمويه وخداع.
- رفع أعلام دول أخرى على السفن.
- محاولة لتقديم معلومات مغلوطة عن السفن.
ومع ذلك يفتضحون، ويندهشون كيف أمكن اكتشاف كل تلك العمليات المضللة، المخادعة، التي حاولوا من خلالها حماية سفنهم؛ لأنهم بعد الفشل العسكري يبحثون عن وسائل التمويه، وهذا شاهدٌ واضح على مدى فشلهم.
أكثر ما تكون الإجراءات في عمليات التمويه ونحوها، للطرف الأقل إمكانات، وهم الآن بالرغم من كل ما يمتلكونه من أسلحة فشلوا، ولجأوا إلى ما يلجأ إليه الآخرون، الذين لديهم إمكانيات بسيطة ومتواضعة، من إجراءات التمويه ونحوها، وقلة الحركة، وقلة هذه الحركة مؤثِّرة عليهم بشكلٍ كبير.
ولذلك خسائرهم الاقتصادية مستمرة، ارتفاع الأسعار في أمريكا وبريطانيا مستمر؛ أمَّا لدى العدو الإسرائيلي انعدمت بعض السلع، وارتفعت بعض أسعار السلع إلى حدٍ كبير، ويستمر الارتفاع، وسيستمر- إن شاء الله- أكثر مع خطوات وإجراءات أخرى، أكثر تأثيراً على العدو بإذن الله.
والإحصائيات التفصيلية، التي نتركها للإخوة في الإعلام، ليقدِّموها لأبناء أمتنا ولشعبنا العزيز، المتعلِّقة بخسائر العدو الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني على المستوى الاقتصادي، وما وصلوا إليه من فشل، وإخفاق، وخسائر اقتصادية، ومشاكل اقتصادية واضحة، هي تفاصيل مهمة ومفيدة.
تكاليف الشحن ترتفع الأسعار فيه إلى أضعاف، إلى مستويات مرتفعة، إضافةً إلى الحالة المعنوية، الحالة المعنوية للبحرية الأمريكية في البارجات والسفن الحربية، التي أوكلت إليها مهمة أن تقوم بدور الإسناد للعدو الإسرائيلي، الحالة المعنوية لديهم هابطة، وننقل هنا تصريحاً لضابطٍ أمريكيٍ في البحرية الأمريكية؛ لأنه منهم، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}[يوسف: من الآية26]، يقول في تصريحاته:
[إنما يواجهونه]، يعني: الأمريكيين، [في البحر الأحمر، هي حربٌ بلا هوادة، وهو التحدي الأكبر للبحرية الأمريكية في التاريخ الحديث]، لاحظوا، هذا توصيف دقيق، وواقعي، وتوصيف من جهتهم هم، ويتَّضح مدى تأثير وفاعلية العمليات لقواتنا المسلحة، يقول هكذا: [وهو التحدي الأكبر للبحرية الأمريكية في التاريخ الحديث، والأضخم منذ الحرب العالمية الثانية]، هذا تأثير كبير جداً، ونعمة أن يكون هناك تأثير وفاعلية إلى هذه الدرجة، نعمة كبيرة، هذا من النصر والتأييد الإلهي، [وأنها هي المرة الأخيرة التي تعمل فيها الولايات المتحدة في منطقة يمكن أن تتعرض لإطلاق النار عليها كل يوم]، هم في قلق دائم في سفنهم في البحر العسكرية، هذه القطع العسكرية.
ويقول: [نحن بعيدون عن ديارنا]، شعروا بالغربة، وفعلاً هم فضوليون ومعتدون، وأتوا إلى بحار هذه المنطقة عدواناً وبطراً وظلماً؛ حمايةً لإجرام العدو الإسرائيلي، في جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، يقول: [نحن بعيدون عن ديارنا]، عودوا، عودوا إلى دياركم، هل هناك أحد شن حرباً عليكم من العالم الإسلامي؟ هل فعل بكم الشعب الفلسطيني شيئاً، حتى تشاركوا في العدوان عليه إلى هذه الدرجة؟ ماذا فعل بكم شعبنا اليمني حتى تعتدوا عليه؟ ماذا فعل بكم أبناء العالم الإسلامي في مختلف البلدان؟ أنتم المعتدون، عودوا إلى دياركم، الحل بسيط.
[نحن بعيدون عن ديارنا، ولا نتمتع إلا بالقليل من وسائل الراحة]، وهم متعوِّدون على الراحة، وسائل الراحة لدى الجيش الأمريكي، سواءً القوات البحرية، أو البرية… أو غيرها من التشكيلات العسكرية الأمريكية، وسائل متوفرة جداً، هم مدللون.
أمَّا المجاهدون في قواتنا المسلحة، فهم متمرِّسون على تحمل الصعوبات، ومعتادون على تحمل الشدائد، وهم مجاهدون بما تعنيه الكلمة، ويؤدون واجباتهم المقدسة بكل اعتزاز، وفخر، ورضى.
يقول ذلك الضابط الأمريكي: [كل وجبة على متن السفينة تبلغ فاتورة الطعام وحدها 2 مليون دولار شهرياً]، يعني: تكاليف هائلة حتى في غذائهم في تلك السفن، الكلفة المالية مشكلة عليهم، [من الصعب تحديد الفوز والخسارة في هذا النوع من الصراع]، يعني: ليس لديهم أمل في أن يربحوا المعركة، ولا أن يحققوا أهدافهم، [الأمر سيتطلب أيضاً جهوداً حكومية ودولية أوسع]، يعني: يحاولون توريط الآخرين؛ ليخففوا الكلفة على نفوسهم، وهذه سياسة أمريكا في كل الصراعات والاعتداءات، التي تنفِّذها ضد بقية الشعوب.
يقول: [باختصار سوف يتطلب الأمر أكثر من مجرد مجموعة حاملة طائرات أمريكية قوية لحل هذه الأزمة]، ويقول: [بأن جنوده يتسلون مع الكلاب للتسلية على أنفسهم]، الطيور على أشكالها تقع، الحالة الهابطة والدنيئة التي يعيشونها وهم في مهمات إجرامية عدوانية، تصل بهم في المستوى الهابط إلى ذلك المستوى، [ولتقليل بعض الضغط الناتج عن الغياب عن منازلهم لعدة أشهر متتالية].
أيضاً فيما يتعلق بالأنشطة الشعبية، طبعاً قبل أن نتحدث عن الأنشطة الشعبية، هناك مسار أمريكي إضافة إلى العمليات العسكرية، هناك مسار سياسي يتحرك باستمرار ضد بلدنا؛ للضغط على بلدنا بوقف عملياته المساندة للشعب الفلسطيني، مسار في الضغط الاقتصادي والإنساني، والضغط على المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، وهناك مسار إعلامي، مسار إعلامي بدأ بوتيرة معينة، ويتصاعد باستمرار عبر أبواقهم، الأمريكي يرسم السياسات الإعلامية، يقدِّم العناوين، يحدد الموجِّهات، وأبواقهم من المنتسبين لشعبنا يتحرَّكون، والسعودي يموِّل (يقدِّم المال)؛ ولذلك هناك مسار إعلامي، ويجب أن يكون شعبنا العزيز على وعيٍ تام بأن هناك مساراً إعلامياً، من جهة الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني، هو جزءٌ من معركتهم ضد بلدنا، وضد الشعب الفلسطيني، حتى الاستمرار في التشويه للإخوة المجاهدين في فلسطين، تشويه مستمر لكتائب القسام، تشويه مستمر لحركة حماس، تشويه مستمر للفصائل المجاهدة في قطاع غزة، حركة الجهاد الإسلامي، وسرايا القدس… وبقية الفصائل، تحميلهم المسؤولية، التشويه المستمر بكل العناوين لهم، ومحاولة تحميلهم كل ما يفعله الإسرائيلي من جرائم رهيبة جداً، تشويه لموقف حزب الله المساند، تشويه مكثف لجبهة اليمن، وكمسار مستمر، ونحن تتبعنا البعض من تلك الدعايات التي يطلقها الأمريكي، يعبِّر بها الإسرائيلي والبريطاني، ثم ببغاءاتهم المنسوبة إلى العرب، والمنسوبة إلى بلدنا، تتحرك على ضوء ذلك، تتحرك بناء على ذلك، بنفس تلك العناوين والموجِّهات.
أمَّا على مستوى الأنشطة الشعبية، والتي هي ذات أهمية كبيرة، وقلت دائماً، وأقول مكرراً: هي جزءٌ من الجهاد، جزءٌ من الجهاد في سبيل الله تعالى، وأداءٌ لمسؤولية، أداءٌ لفريضة من فرائض الله تعالى، في التعبير عن التضامن، والتعاطف، والموقف الصادق مع الشعب الفلسطيني في مظلوميته، التي لا مثيل لها على الإطلاق، والتي لا يجوز لأي مسلم أن يكون بدون موقفٍ تجاهها، أي موقفٍ يمكنه ويستطيعه.
في الشعوب المغلوبة على أمرها: المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، المساندة الإعلامية، التبرعات… وغير ذلك.
لكن في شعبنا العزيز– وبحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- أتت الفرصة لموقفٍ كاملٍ شامل، نقص علينا مسألة: التفويج للمقاتلين مباشرةً؛ نظراً للفواصل الجغرافية بدول، دول عربية لم تقبل بأن تفتح ممرات برية، لعبور المجاهدين من أبناء شعبنا وقواته المسلحة، للاشتراك مع الشعب الفلسطيني، والمواجهة للعدو الإسرائيلي، نقص علينا هذا، نقص بدون اختيارنا؛ وإلَّا لو أتيح لنا، وطلبنا من الدول العربية التي تفصل بيننا جغرافياً وبين فلسطين أن تجرِّب ولو على سبيل التجربة، وإقامة الحجة، ولكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً، وليسوا في وارد أن يقدِّموا أبسط التضامن مع الشعب الفلسطيني: في حدود قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع العدو الإسرائيلي، فما بالك أن يفتحوا الممرات البرية الآمنة لعبور شعبنا للمشاركة بالقتال المباشر.
ولكن قاتل شعبنا، وقاتلت قواتنا المسلحة بالإمكانات المتاحة، بالصواريخ، مع تطوير مستمر وبوتيرة عالية للقوات الصاروخية، لتجاوز التقنيات المعيقة بالتشويش، أو الاعتراض، أو الرصد من جانب الأمريكي والإسرائيلي، وهي في واقع الحال تعتبر الأكثر تطوراً، يعني: ما يمتلكه الأمريكي، ويمتلكه الإسرائيلي، هو من أكثر التقنيات والإمكانات تطوراً في الرصد والتشويش والاعتراض، فتجاوزها يعني انتصاراً كبيراً، ويعني تطويراً كبيراً لقدرات بلدنا، وهذا بحد ذاته انتصار.
فشعبنا يشارك على المستوى العسكري، سواءً بعمليات القصف المكثفة في البحر الأحمر، البحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، ولدينا مخططات ذات أهمية كبيرة في المستقبل إن شاء الله، من أجل ضربات أكثر تأثيراً على العدو؛ لأننا نعمل بكل ما نستطيع، ليس عندنا أي حرج، لا سياسي، ولا أي حرج آخر، ولا أي حسابات أخرى، سوى تقوى الله، والعمل بما يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما نؤدِّي به مسؤوليتنا، ونبرئ به ذمتنا أمام الله “جَلَّ شَأنُهُ”، فأي شيء نستطيع أن نعمله مما هو مشروع نعمله بدون تردد، لا نقلق لحسابات سياسية، ولا نقلق بتهديدات الأعداء، ولا بتصنيفاتهم، ولا بحملاتهم الدعائية المعادية، ولا ببياناتهم وإداناتهم، ولا بتصنيفاتهم وتوصيفاتهم… ولا غير ذلك، همنا الأكبر هو تقوى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، والعمل بما يرضيه، وأن نلبِّي نداء الضمير الإنساني في وجداننا، نداء الإيمان، لما علينا أن نعمل في مساندة الشعب الفلسطيني، فنحن على المستوى العسكري نستمر لتطوير الفعل العسكري، والعمليات العسكرية أكثر وأكثر، والخيارات في ذلك أكثر فأكثر.
على المستوى الشعبي: يجب أن يكون هناك مساندة للموقف، وتعبيراً عن الموقف؛ لأن الأمريكي أسلوبه الدائم: أن يعيق أي موقف من الداخل، يحاول أن يسعى لإعاقته من الداخل، من خلال التشويش، من خلال إثارة المشاكل، من خلال الضغط بعناوين أخرى، من خلال فرض أولويات أخرى، تتوِّه الناس عن أكبر المسؤوليات، عن أكبر الأحداث، عن أكبر المواقف، وقد جرَّب شعبنا العزيز أثناء العدوان لتسع سنوات.
أثناء العدوان، حينما كانت المجازر التي يرتكبها الأعداء بإشراف أمريكي، وبالقنابل الأمريكية، والصواريخ الأمريكية، في الذروة، تقتل الآلاف من أبناء شعبنا، في المدن، والقرى، والطرقات، والأسواق، والمساجد، والمستشفيات، وتجتاح القوات التي تُنَفِّذ العدوان على بلدنا تحت الإشراف الأمريكي، تجتاح البلاد من كل الجهات، كان الأمريكي يحاول هو وأبواقه وعملاؤه إلهاء شعبنا عن كل ذلك، مع أنَّه أمر مهول، أمر مهول، يعني: جرائم هائلة جداً، حصار شديد، اجتياح بري من كل الأماكن والجهات، ومع ذلك يحاول أن يخدِّر شعبنا، وأن يلهيه؛ لا ينتبه لما يعمل؛ حتى ينجز العدو المهمة في السيطرة التامة على بلدنا وشعبنا، ولكنه كان يصطدم بصخرة الوعي الشعبي، الصخرة الصلبة، الوعي العالي لشعبنا العزيز، ففشل كثيراً، نجح في بعض المحافظات والمناطق، وفشل في المناطق الأخرى.
فأن يكون إلى جانب العمليات العسكرية تحركٌ شعبي له أهميته للفعل العسكري، له أهميته أيضاً في مواساة الشعب الفلسطيني، وسط هذا المحيط المتخاذل، الذي غلب عليه الصمت المطبق في البلدان العربية والإسلامية، فلا تكاد تسمع لهم صوتاً، ولا حساً، ولا حركةً، ولا موقفاً، كأنهم ماتوا، أين هو الموقف الضاغط؟ أين هو الموقف المساند؟ أين هو الصوت العالي المتضامن؟ في وسط هذا المحيط من الدول العربية والإسلامية، التي أكثرها غلب عليه الصمت، الجمود، السكوت، التفرج، التجاهل، الغفلة، برز موقف الشعب اليمني مواسياً للشعب الفلسطيني في غزة، بصوته العالي، وموقفه الشامل: يتبرع بالمال من أقسى الظروف وأصعبها، ولكنه يعطي من القليل، يعطي ما يستطيعه، ما يتمكن منه، يخرج في الساحات والمظاهرات خروجاً مليونياً هادراً، هذا له أهمية كبيرة في إسناد الشعب الفلسطيني، أنه يسمع من يقف إلى جانبه، من يصرخ معه، من يسانده، من يعبِّر ع%D