الحربُ التي لا سلامَ فيها
رفيق زرعان
ما زالت الحربُ مُستمرّةً منذ أن بدأت واندلعت نارُها وتزداد ضراوتها كلما تقدم الزمان وتطور، وتتنوعُ أساليبها وتكتيكاتها بحسب ظروف وجغرافية المعركة.
إنها الحرب الشيطانية التي يقودها رمز الشر الأول إبليس ضد بني آدم وأبيهم من قبل، أما ميدانها فهي الأرض والنفوس، وسلاحها هو الوسوسة والتزيين، ويهدف إبليس من هذه الحرب أن يسلب الإنسان شعوره بالكرامة وتكريم الله له وأن يشقيَه طوال حياته عن طريق إيقاعه في المعصية ومخالفة أوامر الله ونواهيه التي توفر له الحصانةَ من وسوسة الشيطان وبأس جنوده من الجن والإنس.
إن سببَ هذه الحرب الشرسة التي لا سلام فيها ولن تتوقف أبداً هو اعتقاد إبليس أن آدم هو المتسبب في طرده من السماء ولعن الله له، وقد أجاز لنفسه من خلال هذا الاعتقاد أن يأخذ ثأره ويستعيد حقوقه بإعلانه الحرب على آدم وذريته، وهذا أكسبه عداوة كبيرة جِـدًّا لكل بني البشر؛ فاتجه بكل قوته وكل إمْكَانياته لمحاربتهم مجيشاً كُـلّ أعوانه من الجن والإنس ومستفيداً من ثغرات وغفلة هذا الإنسان.
إن الحرب الناعمة لا تقتصر على الجوانب الأخلاقية وإفساد النفوس وتدنيسها والوصول بها إلى الانحطاط وإنما تمتد إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، وهنا يمكن حصر جوانبها ومساراتها في اتّجاهين:-
الاتّجاه الأول: إفساد النفوس وتدنيسها والانحطاط بها وإيقاعها في المعصية والجريمة التي تسلب الإنسان كرامته وشرفه، وذلك من خلال تزيين الشهوات له وإغرائه في الحرام وسلب زكاء نفسه عبر خطوات شيطانية خبيثة توقع به رويداً رويداً.
أما الاتّجاه الثاني فهو: الإضلال وَتزييف الحقائق وصناعة مفاهيم مغلوطة عن الحياة والانحراف بالإنسان فكرياً ومعرفياً؛ مما يؤدي إلى انحرافه في الواقع العملي، وهذا الجانب هو الأخطر؛ لأَنَّه يترتب عليه بناء مواقف وتوجّـهات في واقع الحياة.
ينبغي للإنسان أن يعرف أنه في حرب خطيرة ومواجهة عنيفة مع عدو شديد العداوة والخطورة يعرف مكامن ضعفه وثغراته، وأن يستعد لهذه الحرب ويتحصن منها وأن يدرك عداوة الشيطان له وهذه المعرفة تكسبه مناعة ضد الوسوسة والنزغ الشيطاني، وكذلك عليه أن يُوَثِّقُ علاقته بالله وهداه، وينطلق في الأعمال التي تزكّي نفسه وتسمو به وتجعله قوياً في مواجهة الرغبات والشهوات.