أنينُ المآسي في غزَّةَ واستشعارُها في صنعاء
هدى صبر
الحرب غيَّرت وجهَ قطاع غزة إلى دمار شامل، فأنين الجوع يدمي القلوب في غزة، وصرخات الأطفال تميتنا في صنعاء ألماً ووجعاً لما هم فيه.
أكثر من خمسة أشهر مضت على الحرب حتى أصبح القطاع أرضاً تظللها البؤس والمعاناة التي تقوض كُـلّ أمل.
الوضع مأساوي بشكل لا يمكن تصوره، فكيان الاحتلال الصهيوني يواصل مسلسل استباحة غزة وَشعب فلسطين التاريخ، الذي يواصل نضاله في البقاء على أرضه ولا يتنازل عن قضيته.
لكن الكيان الصهيوني يستهدف التطهير العرقي للفلسطينيين دون الالتزام بأية قوانين دولية، أَو أعراف إنسانية، مستخفة بجميع شعوب العالم التي تنادي كُـلّ يوم بوقف الحرب وحقن دماء المدنيين، فما زالت الرواية الصهيونية مُستمرّة في قتل كُـلّ ما هو فلسطيني حتى تصفية القضية من الوجود.
فالعدوان الأخير للكيان الصهيوني على قطاع غزة إلا نتيجة طبيعية لاستخفافه بأهل فلسطين وهم يرون الحكام في المنطقة العربية يتسابقون إلى حمايته والتطبيع معه بشكل متسارع، كما فعل مؤخّراً حكام السعوديّة ودويلة الإمارات مركز الماسونية العالمية ومحفلها المتجدد وَمن قبلهم حكام قطر ودول الطوق مصر والأردن، وأمثالهم من يلعب دور الوسيط بين الحركات الفلسطينية وكيان الاحتلال؛ لإبرام هدن متتالية دون جدوى، وما زالوا في سباق على مرأى ومسمع العالم لإنقاذ مدللة أمريكا.
فماتت العروبة صَلباً، ولكن السؤال هنا: هل حرب غزة الفلسطينية ستغير العالم؟!
بينما يشاهد العالم مجازر غزة وأهوالها.. ويقف مكتوفَ الأيدي أمام آلة القتل والإجرام الصهيونية.. كان اليمنيون السباقين في نصرة إخوانهم في غزة..
فما قاموا به أعاد التجارة العالمية بالزمن قروناً إلى الوراء.. وتحديداً سفن الكيان الغاصب وداعميه.. وفعلاً بدأ الأمر.. بدعم يمني صريح ورفض قاطع لما يتعرض له إخوتهم العرب في غزة وفلسطين التاريخ من مجازر على مرأى ومسمع العالم أجمع.. فكان النبأ من أرض سبأ.. يحمل الخبر اليقين من صنعاء بتصريح شديد اللهجة من زعيم جماعة أنصار الله السيد (عبدالملك الحوثي) في العاشر من أُكتوبر الماضي بأن اليمن ستشارك بمسيّرات صاروخية وجوية، وخيارات عسكرية أُخرى؛ إسناداً للفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني بقطاع غزة.
وأمام خذلان العالم والدول العربية بالأخص للقضية الفلسطينية وغض الطرف عن ارتكاب الاحتلال لمجازر الإبادة الجماعية في غزة التي تهدف للتهجير القسري لسكان القطاع، بدأت حكومة صنعاء باستخدام قوتها، عبر التحكم بمضيق باب المندب (باب اليمن) الرابط بين شرق الكرة الأرضية وغربها والمدخل الوحيد للبحر الأحمر بتجاه قناة السويس وُصُـولاً إلى البحر المتوسط، والطلب واضح وصريح..
لا مرورَ للسفن الصهيونية قبل وقف إطلاق النار في غزة.. قرار واضح وصريح على الملأ.
فكان احتجاز سفينة (جلاكسي) باكورة الأعمال اليمنية المناصرة لغزة.. لم يقف الكيان مكتوف الأيدي، لكنه حرك قنوات الضغط السياسي لإيقاف ما يحدث في البحر الأحمر..
إلا أن اليمنيين أصروا على التصعيد والتخاطب بلغة القوة حصراً.. فأتى القرار الصادق.. قرار خلق بلبلة كبيرة في الكيان والعالم.. لا مرور لأية سفينة متجهة إلى الكيان قبل دخول الماء والدواء والغذاء إلى غزة وإيقاف الحرب.. لتثور ثائرة الغرب.. قبل الكيان.. فوليدتهم في خطر والبوصلة تتغير ومفاتيح القرار تنزلق من أيديهم شيئاً فشيئاً.. وكخطوة لإثبات التهديدات بالأفعال.. تم استهداف عدة سفن صهيونية أَو موالية ومتجهة إليها رفضت الاستجابة للتحذيرات.. مثل سفينة بونتي إكس بلور ور.. وسفينة نبر إضافة إلى استهداف فرقاطة فرنسية وناقلة نفط نرويجية وغيرها في البحرين الأحمر وَالعربي وخليج عدن.. ليقول اليمنيون كلمة الفصل الحق في هذا الصدد لن تمر السفن إلى الكيان..
تريدون الوصول أمامكم حلان.. الأول إيقاف ما يحدث في غزة ولم يعجبكم ذلك.. فعودوا إذن بالتاريخ إلى الوراء واسلكوا الطريق الذي أعتاد العالم سلوكه قبل 150 عاماً.. اذهبوا والتفوا حول الرجاء الصالح.. ليزيد بذلك على الغرب تكاليف نقل مضاعفة تصل إلى %43ولكن الأسوأ أن مسار رحلة السفن فيه يستمر لأكثر من ثلاثة عشر ألف كيلو متر.. أي أكثر من خمسة عشر يوماً إضافياً من الإبحار.. فتعالت أصوات التهديدات بالحرب على اليمن من قبل أمريكا وبريطانيا ودخلتا الحرب وجهاً لوجه مع اليمن.. ولكن من دون فائدة لن يتراجع اليمنيون عن قرارهم حتى تتحقّق شرطهم.. فكان وما زال في مرمى نيرانهم إيلات وسفنهم المبحرة عبر المياه اليمنية الدولية.
حتى جاء مؤخّراً القرار الأكثر فاعلية بعد كلمة قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، من صنعاء يوم الخميس 14/3/2024 وهو أنّ القوات المسلّحة اليمنية ستمنع السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي من العبور عبر المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، متوعّداً بأنّ صنعاء ستقوم بتوسيع مدى عملياتها إلى مواقع “لن يتوقّعها العدوّ أبداً”.
كان ذلك.. نتيجة لتعثر المفاوضات بين حركة حماس مع كيان الاحتلال وعدم إيقاف الحرب وفك الحصار على غزة ونتيجة لعودة المعارك في القطاع وارتكاب المجازر..
فاليمن لا يقول أي شيء إلا ولديه المقدرة على تنفيذه.. والأيّام أثبتت ذلك بأنه سيد القول والفعل، بنصرته لغزة قائم وسيظل حتى تحرير فلسطين التاريخ من الاحتلال الصهيوني.