تأثيراتُ (طُـوفان الأقصى) على السياسة الأمريكية
الأمة بحاجة إلى الاستنهاض، وبحاجة إلى استلهام الدروس والعبر، وأية دروس وعِبَرٍ أبلغ من دروس وعبر نستفيدُها من سيرة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله.
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
أشار الكثيرُ من المحللين السياسيين إلى أن ما قبل (طُـوفان الأقصى) ليس كما بعده؛ فما جرى في غزةَ ستكون له تبعات على الواقع السياسي في المنطقة وعلى التوازنات الدولية وعلى السياسة الأمريكية الخارجية بشكل خاص، ليس في الشرق الأوسط فقط ولكن في أماكن أُخرى من العالم.
قبل (طُـوفان الأقصى) كانت المشاريع الأمريكية تسير كما تريد أمريكا، وعلى رأس تلك المشاريع التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وكان التطبيع مع السعوديّة على وشك أن يتم، وجميع دول المنطقة تعمل حسابًا لرغبات أمريكا ولا تجرؤ على مخالفتها، باستثناء محور المقاومة بمختلف تشكيلاته، وكانت أمريكا مع حلفائها هي المسيطرة على بحار العالم، مستفيدةً من القانون الدولي ومستعينة بقوتها العسكرية المنتشرة في مختلف اصقاع العالم.
أَمَّا بعد (طُـوفان الأقصى) فلا أعتقد أن أمريكا ستخرج رابحة كما هي عادتها في مثل هذه الأحداث؛ فمشاريع التطبيع قد تعرقلت وتأجلت، وقد لا يستعاد زخمها إلَّا بعد وقت طويل وبأثمان مرتفعة وتنازلات كبيرة؛ لأَنَّ ما كان يُطرَحُ عن التطبيع بأنه سَيصُبُّ في صالح الفلسطينيين ثبت كذبُه؛ فلم نجد أن دولةً مطبِّعةً قد استخدمت نفودَها لدى الكيان الصهيوني لوقف جرائمه في حق سكان غزة أَو التخفيف منها، وأما في البحر فقد تأثَّرت سُمعةُ أمريكا بشكل كبيرٍ بعد المواجهات مع اليمن في البحر الأحمر وفشلها في حسم تلك المواجهات لصالحها بالسرعة التي كانت متوقعة، إضافةً على ظهورها في المواجهات مرتبكةً وغير قادرة على تكوين حِلفٍ واسع لمواجهة التحَرّكات اليمنية وفشلها في إقناع حلفائها المقرَّبين في المنطقة وخارج المنطقة للانضمام إلى ذلك الحلف، ويمكن أن يؤثر ذلك على مكانة أمريكا في العالم وعلى هيمنتها على الدول المستضعَفة وعلى مصالحها العابرة للقارات.
تأتي معركةُ (طُـوفان الأقصى) وموقفُ أمريكا منها وسياستها إزاء مجريات الأحداث في المنطقة في ظل انتظارِ روسيا والصين للنتائج المترتبة على تلك المعركة، ويأتي ذلك أَيْـضاً في ظل معاركَ في أوكرانيا وفي ظل مواجهاتٍ مفتوحةٍ في تايوان وفي إفريقيا بعد موجة الانقلابات التي حدثت في عددٍ من دولها، والتي لم تكن في صالح أمريكا.
ومن المتوقع أن كُـلَّ ما ذكرناه سوف يكونُ له تأثيرٌ سلبي على سياسة أمريكا في المنطقة العربية وفي العالم، وسيشكل تراجُعًا للنفوذ الأمريكي ولو بشكل محدود.