رمضان والفتح المبين
القاضي/ حسين محمد المهدي
شهر رمضان امتن الله على المؤمنين فيه ببعثة النبي الكريم وبالصوم وفتح مكة
وأي منة أعظم من أن يبعث الله إلى المؤمنين رسولا من أنفسهم ليتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة وأن كانوا من قبل لفي ضلال مبين يعبدون من دون الله آلهة شتى من أحجار منحوتة وأخشاب منقوشة
لقد كان الناس قبل بعثة محمد (ص) يعيشون في ظلام دامس.
يعبدون آلهة شتى من الحجر والشجر والبشر
يأكلون الميتة ويستبيحون التعامل بالربا ويئدون البنات
والشرائع القديمة إلا النادر اليسير فريسة للعابثين والمتلاعبين ولعبة للمحرفين والمنافقين
فقدت روحها وشكلها
حتى لو بعث أنبياؤها ورسلها لأنكروها.
ولقد كان العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعيشون في حيرة وضلال
ويعكفون على عبادة الأصنام ويقطعون الأرحام فامتن الله ببعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إذ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أنفسهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
شهر رمضان امتن الله على المؤمنين فيه بأن فرض عليهم صيامه
وسن لهم رسول الله قيامه تزكية لنفوسهم
وتهذيبا لطبائعهم
وتكفيرا لذنوبهم
ورفعا لمكانتهم
وكان الصوم لهم جُنَة يكسبهم التقوى، ويزكي نفوسهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّـام آخر وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).
شهر رمضان امتن الله على المؤمنين فيه بالنصر العظيم والفتح المبين.
فقد امتحن الله فيه قلوب المؤمنين للتقوى، فأراد الله أن يرد كيد قريش وبني بكر الذين نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله والمؤمنين وغدروا بالمؤمنين، فجهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفتح مكة.
فأنقذ الله البلد الأمين مكة المكرمة بالفتح المبين فصار بلدا إسلاميا مباركا، حَيثُ طهروه من الشرك والأوثان، فعاد كما كان أَيَّـام نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين.
وكان في ذلك تحقيقا لوعد الله بنصر الإسلام والمسلمين؛ لأن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ).
لقد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون مكة فاتحين غالبين ورسول الله يقرأ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)، وقد كانت سياسته الحزم، والتواضع، والعفو، وعالج أموره بالحكمة عند الإعداد والتجهيز، واستعان على أمور الحرب والقتال بالكتمان؛ حتى يباغت قريش دون حاجة إلى مزيد من سفك الدماء.
وأخبر أصحابه بما يريد، واستنفر من حوله من القبائل، وقال: اللهم خذ الاخبار والعيون عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
وكان حاطب بن أبي بلتعة قد أرسل إلى قريش كتابا يخبر قريش بمسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره بما صنع حاطب.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا والزبير رضي الله عنهما فأخذا الكتاب من رسول بلتعة بعد أن فتشاه
فدعا رسول الله (ص) حاطبا فقال: يا حاطب ما هذا؟ فقال حاطب: لا تعجل علي والله إني لمؤمن واعتذر للنبي (ص) كما ورد عند أصحاب السير
ومما لا شك أن الخيانة هفوة كبيرة، وجُرْمٌ عظيم
فما احرى المسلمين اليوم أن يبتعدوا عن الخيانة في مجالات الحياة لما يترتب عليها من آثار سيئة.
وقد تواترت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على تحريمها والتحذير منها، وتكرّر لفظ الخيانة ومشتقاتها في القرآن الكريم في أكثر من ثلاثين موضعا، منها قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فهي من الصفات المشؤمة، والخلال المذمومة، وقد عدها بعض العلماء من الكبائر.
وقد وسع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر تأمين الناس بعد فتح مكة وفي العفو، حتى أصبح أهل مكة لا يهلك منهم إلا من زهد في السلامة.
والعفو من الخلال الحميدة، فهو خلق كريم، وسلوك مستقيم.
وقد كان من خلقه صلى الله عليه وآله وسلم العفو عمن ظلمة، والإحسان إلى من أساء إليه.
فمن أراد الثواب الجزيل، والود الأصيل، والوصول إلى الذكر الجميل فعليه بالعفو عمن ظلمه والإحسان إلى من اساء إليه.
فقد عفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمن ظلمه وقطع رحمه.
وقد قال رسول الله (ص) لقريش بعد أن قدر عليهم، ما ترون أني فاعل بكم، قالوا خيرا اخٌ كريم وابن اخ كريم، قال اقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
ولما في العفو من خِلالٍ حميدة فقد أمر الله نبيه به (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) وأمر الله عباده به فقال: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وتسمى الله به (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ).
والعفو من صفات المتقين الذي أمر الله عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة وعده من صفات المتقين (وَسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
ونحن في شهر رمضان في، أمس الحاجة إلى أن يعفو بعضنا عن بعض، وفي ليالي القدر التي نعيشها في رمضان وطلبنا له من الرحمن ضرورة لبني الإنسان، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أرأيت أن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها، قال: قولي (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).
ونقول لمن مالوا مع التحالف على حين غرة عودوا إلى وطنكم واطلبوا العفو فيما حصل الإساءة فيه في حق بلدكم واخوتكم وستجدون أن قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ورجال القيادة انهم سيقولون لكم ما جاء في القرآن على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام فيما حكاه الله عن يوسف (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) فالبلد يتسع للجميع.
فقد نزغ الشيطان بين يوسف عليه السلام واخوته وهم من أهل بيت إبراهيم عليه السلام
فقد حان الوقت لإعادة ترتيب الصفوف، والتوجّـه لقتال العدوّ الصهيوني الذي استباح الدماء والاعراض والأقصى في فلسطين.
فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتقاعد ويتثاقل عن الجهاد في فلسطين
فذلك واجب إسلامي وإنساني على الجميع
الشكر والثناء الجميل للمجاهدين في فلسطين ومن ينصرهم من أبناء محور المقاومة -اليمن لبنان العراق إيران سوريا-
وعلى الجميع الأخذ بما جاء في المحاضرات الرمضانية لقائد المسيرة القرآنية من التوجيهات والموعظة الحسنة فذلك مما فيه خير للإسلام والمسلمين
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)