الإعجازُ في قَصَصِ القرآن الكريم الحلقة (2) (خصائصُ القصص القرآني وأغراضُه)
عبدالمجيد إدريس
بالعودة إلى القصص في القرآن، نجد الفرق واضحًا بينه وبين القصص الأدبية التي كتبها البشر فهناك خصائص ثابتة في قصص القرآن لا تتغير ولا تتبدل، يبين ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُـلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
وبالتأمل للآية يتجلى لنا الفرق.
أولا: الواقعية ويعني ذلك: أن تكون القصة من الواقع ولها علاقة بمسيرة حياة الإنسان بعيدًا عن الخيال، وبالنسبة للقصص التي من صنع البشر فقد يحتاج المخرج لفيلم أَو مسلسل أن يفتعل مشهدا أَو لقطة ليس لها علاقة بواقع الإنسان وإنما لتكتمل الحبكة، والواقعية هي التي تربط الإنسان بقوانين الحياة وأن ما جرى على غيره قد يحدث له إذَا كان مثلهم وهو ما عبر عنه الله بقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} فقوله عبرة هو معنى الواقعية.
الخصيصة الثانية: الصدق عبر الله عن ذلك بقوله: مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
في المقابل نجد الافتراء والكذب والخرافة تحيط بالقصة الأدبية والرواية وما أكثر ذلك!
فالكثير من القصص التي نقرأها والأفلامِ التي نشاهدها من صنع مخيلة الكاتب والمخرج والغرض منها التسلية والمتعة مع ما لها من أهداف قد تكون إيجابية أَو سلبية، والذي أريد قولَه: إنها مُجَـرّد خيالات وخرافات وأساطير.
الخصيصة الثالثة من خصائص القصص القرآني: الحكمة وهو ما عبر الله عنه بقوله في الآية السابقة: وَتَفْصِيلَ كُـلّ شَيْءٍ
الخصيصة الرابعة: الأخلاق عُبِّر عنه بقوله: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
أحبتي القراء، ما هو الغرض من القصص القرآني؟
تتوزع الأغراض ما بين غرض رسالي وتربوي واجتماعي وتاريخي ويدخل في هذه الأغراض ما يتفرع عنها فمن ذلك:
أولًا- إثبات أن القرآن وحي من عند الله، قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القرآن وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الْغَافِلِينَ}.
ثانيًا- أخذ العبرة والعظة وأن هذا الحديث من الله لا من محمد وليس للتسلية والترفيه، يقول تعالى معرض الحديث عن مريم عليها السلام: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ؛ إذ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ، إذ يَخْتَصِمُونَ}
وقال تعالى في آخر قصة يوسف عليه السلام: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ، إذ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}
ثالثًا- تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْـمُؤْمِنِينَ}
4- وحدة الرسالة والعقيدة وأنها جاءت من مصدر واحد، وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ليس بدعا من الرسل وذلك ما نجده مثلا في أكثر من آية، حَيثُ يذكر الله الأنبياء والرسل ويبيّن أن دعوتهم واحدة، قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ}
وهكذا نجد القصص القرآني له أهداف وأغراض تتعلق بالإنسان دينيا وتربويا واجتماعيا.
والآن، لماذا يُهمل القرآن بعض عناصر القصة؟
لماذا لا يهتم بالتاريخ والزمان والمكان؟
وأين يكمن سر الإعجاز في قصص القرآن الكريم؟