مخطّطاتٌ لشن عملية برية على لبنان تتهيأ: العدوّ “الإسرائيلي” يتجاوزُ “كلّ الخطوط” وحكومة نتنياهو تسعى إلى الانتحار
المسيرة | خاص
عَدَّ مراقبون العدوان الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق وتدميرها بالكامل، مساء الاثنين، واستشهاد عدد من المستشارين أبرزهم العميد محمد رضا زاهدي، الذي تولى منصب قائد قوة القدس بحرس الثورة لسورية ولبنان منذُ العام 2020م، تصعيد إسرائيلي خطير حمل الكثير من الرسائل والدلالات، وأفرز العديد من التساؤلات والتحليلات، خُصُوصاً في ظل هذه المرحلة الراهنة والحساسة والتي تمر بها المنطقة.
تحديداً ومنذُ النصف الأخير من الشهر الخامس من زمن (طُـوفان الأقصى)، صعّد العدوّ الإسرائيلي من عملياته الجوية بشكل كبير وتجاوزت غارات طائراته الحربية والمسيرة منطقة بعلبك إلى حدود منطقة الهرمل، وُصُـولاً إلى الضاحية الجنوبية، كما تجاوزت الخط الأحمر في استهداف المدنيين بمجازر متتالية على طول الحافة الأمامية، ناهيك عن استهداف قيادات من المقاومة الفلسطينية أبرزها القائد “صالح العاروري”.
وفيما يبدو من هذا التحول الدراماتيكي المفاجئ والذي كان العدوّ الإسرائيلي قد أفتتحه يوم الجمعة، الفائت، إذ شنت طائراته ضربات عنيفة على ريف حلب في الساعات الأولى من الصباح، أَدَّت إلى استشهاد أكثر من 40 شخصاً من المدنيين والعسكريين، بعضهم “مقاتلون لدى حزب الله اللبناني”، بحسب ادِّعاء المتحدث العسكري لجيش الكيان، هذه الحادثة، لفتت الأنظار إلى أن العدوّ بدأ يطبق سياسة جديدة نسبها بعض المحللين إلى اعتماد قيادة كيان العدوّ لنموذج مخفف من “عقيدة الضاحية”؛ بهَدفِ ممارسة المزيد من الضغط على المقاومة في لبنان.
لكن؛ وبعد حادثة القنصلية الإيرانية، والتوعد الإيراني بالرد المؤلم، ترجح عدد من المؤشرات المستخلصة من تحليل أداء العدوّ خلال هذه الفترة؛ بقوة إمْكَانية حدوث تغيير في منظومة قيادة العدوّ في المنطقة الشمالية، وقد يكون ذلك، بحسب تسريبات عبرية، من بصمات الجنرال “تشيكو تامير” الذي كلفه رئيس أركان جيش الكيان “هرتسي هاليفي” بإعداد مخطّطات عسكرية لحل الاختلال الكبير الذي فرضه الأداء العسكري اليومي للمقاومة اللبنانية على قواته.
مضمون المخطّط لشن عمليات برية على لبنان:
يظهر أن جيش العدوّ بدأ تطبيق أفكار الجنرال “تشيكو تامير” الذي نقله رئيس الأركان “هرتسي هاليفي” من المنطقة الجنوبية، بعد قيادته لقوات العدوّ البرية وقيادة العمليات في قطاع غزة، الذي تولى “تامير” وضع الخطط العسكرية لاجتياحها، إلى المنطقة الشمالية بداية الشهر الفائت، للتخطيط لعملية برية في لبنان.
ورغم فشله الكبير في غزة والاختلاف الكبير بين ميدان غزة المحاصر وعديم التضاريس وبين الميدان اللبناني الذي عاش فيه “تامير” حياة عسكرية كاملة بين الأعوام 1982 و2000م، وذاق طعم إخفاقاته، إذ كان ضمن المجموعة الأخيرة من قوات العدوّ التي اندحرت من لبنان في 24-5-2000م.
و”تشيكو تامير” هو من مدرسة الضباط (مثل ايرز غيرشتاين الذي قتلته المقاومة الإسلامية عام 1999م، وعاميرام ليفين قائد المنطقة الشمالية الأسبق، وموشي كابلانسكي نائب رئيس الأركان في حرب تموز 2006م، وهارتسي هاليفي رئيس الأركان الحالي)، الذين يؤمنون بأنه لا يمكن هزيمة حزب الله بالحلول العسكرية فقط.
وتفيد تقارير عبرية متداولة أن أفكار “تشيكو تامير” تتلخص في أن “مشكلة القتال ضد حزب الله ليست فقط تقنية عسكرية، بل يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات وترتيبات سياسية. وبدون حَـلّ سياسي، سيكون من المستحيل القضاء على المنظمة بشكل نهائي”، كما أنهُ “لا يمكن هزيمة حزب الله بعمل واحد، بل بعمل عدواني وطويل الأمد، كحرب استنزاف مضادة، تتطلب الاهتمام الدقيق بالتكتيكات، فالنجاحات الصغيرة يمكن أن تؤدي بشكل تراكمي إلى نتائج كبيرة بشكلٍ خاص”.
ويرى “تامير” أن “نزع المبادرة والمحافظة عليها أمر بالغ الأهميّة في هذا النوع من الحروب”، ويضيف، أن “القاعدة المهمة في القتال ضد حزب الله، هي وجوب قطع عناصر قوته الثلاث: أولاً مصدر قوته – ثانياً: التأييد الشعبي – ثالثاً: الإضرار بشرعيته”.
ويؤكّـد “تامير” أن “إذا كنت تريد هزيمة منظمات حرب العصابات، فعليك التحكم في كامل المساحة التي تتواجد فيها والمداخل المؤدية إلى هذه المساحة”، لذا يرى أن “هزيمة حزب الله تتطلب بناء قوات خَاصَّة متعددة الأبعاد متخصصة بحرب العصابات المضادة وتتمتع بدعاية إعلامية خَاصَّة لردع الخصم”، أضف إلى ذلك، “اعتماد سياسات إعلامية تمنع قادة حزب الله من التأثير النفسي على الجمهور الإسرائيلي بشكلٍ مباشر وغير مباشر”، حَــدّ وصفه.
وفي محاولةٍ لمقارنة أفكار “تامير” على التحول المفاجئ في سياسة كيان العدوّ العسكرية على الجبهة اللبنانية يسجل الكثير من المحللين العسكريين الكثير من الملاحظات، والتي يمكن أن نلمسها في الأُسلُـوب الجديد الذي بدأ يتبعه كيان العدوّ، من خلال الاستهداف والمس بعنصرين أَسَاسيين من عناصر القوة التي راكمتها المقاومة الإسلامية في لبنان منذ 8 أُكتوبر 2023م.
الأول، يتمثل في “إدخَال جبهة الجولان ضمن قواعد الاشتباك في ظل الاكتظاظ الذي تعاني منه هذه الجبهة بالقوات المنتشرة والمحتمية مؤقتاً من تأثير ضربات المقاومة”، والثاني، يركز على “دعم البيئة الحاضنة للمقاومة والإجماع على الوقوف وراء خيارها بإسناد غزة وخَاصَّة بيئة المقاومة في المناطق التي تتعرض للعدوان اليومي الصهيوني”.
وبناءً على المعطيات الميدانية، فكيان العدوّ يمارس من خلال استهداف عنصري القوة هذين عملية تأثير مباشرة على ميدان نشاط المقاومة الرئيسي وعلى منافذه الحيوية، وهي كما أوصي بها “تامير” وذلك من خلال “التلويح بالمس بخطوط حركة وإمدَاد المقاومة داخلياً بين البقاع والجنوب وخارجياً من خلال استهداف مناطق ليست بعيدة عن منفذي “المصنع الذي يربط لبنان شرقاً بدمشق، وجوسية الذي يربط لبنان شمالاً بحمص”.
إضافة إلى تركيز المجازر على حلفاء حزب الله في معركة (طُـوفان الأقصى) والاستمرار بهذه السياسة إلى أن، تتراجع أَو تنسحب هذه القوى الحليفة من المعركة؛ بسَببِ عدم قدرتها “كما يظن كيان العدو” على دفع فاتورة عالية ويومية من الشهداء، أَو أن تنفك عنه وتتحول إلى عنصر نقد له في بيئتها اللصيقة وعنوان نقدها الرئيسي هو جدوى الاستمرار في عملية إسناد غزة، أَو عدم الرغبة في توسيع الحرب “حرب إقليمية شاملة”.
وتأتي سياسات الاعتداءات والمجازر لتتناغم مع الحملة التي تشنها بعض القوى السياسية في لبنان على المقاومة منذ بدء المعركة والتي يبدو أنها ناتجة عن تطابق مصالح أمريكية تهدف إلى التشويش على عمل المقاومة في بيئتها، ويظن كيان العدوّ أنها ستتجمع لتفرض عزلاً على المقاومة وتتركها وحيدة بانتظار المرحلة الثانية التي يوصي بها “تامير” وهي التصويب على شرعية عملها، في تنفيذ “عملية برية على لبنان” وتأليب المجتمعين المحلي والدولي على المقاومة.
وضعية الانتشار والاستعداد الإسرائيلي على الجبهة الشمالية (لبنان – سوريا):
من خلال قراءة عامة للترتيب والانتشار والاستعداد العام، لجيش العدوّ الإسرائيلي، يتضح أن المنطقة الشمالية لم يدخل عليها أي تعديل في الترتيب والاستعداد والانتشار على طول الجبهة حتى 30-3-2024م، باستثناء تفعيل اللواء الإقليمي الجديد لواء الجبل (هيهاريم) في منطقة مسؤولية الفرقة 210.
وتتكون الفرقة 210 “باشان” الإقليمية من التشكيل القتالي المتمثل، بلواء الجبل الإقليمي (هيهاريم)، وينتشر في منطقة العمليات “بير عجم – البريقة”، كما يتموضع في أحراج بلدة العامودية، إلى جانب كتائب المدرعات والمشاة المكنيك، والمدفعية والهندسة.
وبحسب تقارير عبرية سابقة فقد تم نقل الكتيبتين 51 و13 من لواء غولاني إلى معسكر كيلع التدريبي في الجولان السوري المحتلّ لاستكمال عملية معافاتهما ضمن مشروع إعادة تأهيل لواء غولاني بعد إخراجه من غزة، كما تنتشر الفرقة 36 الضاربة وهي الفرقة الأكبر بين الفرق العاملة في الشمال والتي ما زالت قيد المعافاة.
وفي السياق، أشَارَت وسائل إعلامية عبرية إلى إنهاء مشروع تدريبي للتأكّـد من جهوزية واستعداد قادة الفرق والألوية والكتائب في القوات النظامية والاحتياط، فيما يلاحظ نشاط مرتفع في قاعدة “رامات دايفيد” الجوية شرقي حيفا الجوية المعروفة ب (AFB 21) ناتج عن تدريبات لزيادة الجاهزية بعدما رفعت قيادة جيش كيان العدوّ الحظر عن البرامج التدريبية التي كانت متوقفة لـ 5 أشهر؛ بسَببِ العملية التي أطلقت عليها “السيوف الحديدية” في مقابل (طُـوفان الأقصى).
وعلى هامش ذلك يستمر كيان العدوّ في فحص جهوزية قواته العاملة في المنطقة الشمالية، حَيثُ أفاد الإعلام العبري أنهُ “أقيمت نهاية الأسبوع في مقر القيادة الشمالية دورة تدريبية للقيادة الشمالية حول الاستعداد للساحة الشمالية بقيادة قائد القيادة الشمالية اللواء “أوري جوردين” وبمشاركة قادة الفرق والألوية والكتائب في القوات النظامية والاحتياطية، التي تنتشر على الحدود الشمالية مع لبنان”.
وحسب ما أعلنت قيادة المنطقة الشمالية، أشَارَت قناة 12 العبرية، إلى أنهُ “قام القادة في إطار التدريب بتعميق محتواهم المهني والخطط العملياتية والاستراتيجية للمخطّط الشمالي، وتضمن التدريب الذي قادته الفرقة 36 محاضرات احترافية وتعلمًا من الدروس القتالية التي تلقتها الفرقة في قطاع غزة، مع تعديلات محدّدة لمواجهة تحديات القطاع الشمالي”.
وخلال التدريب، استعرض رئيس الأركان “هرتسي هليفي” التحديات الاستراتيجية والتقييمات لاستمرار الحرب، وقام المشاركون بزيارة المحطات المختلفة، حَيثُ قاموا بتعميق معرفتهم في مجالات الإطفاء والاستخبارات والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والمساعدة الإدارية، وقامت المحطات بمحاكاة تنوع القدرات وقوة تكاملها المتاحة للقادة في ساحة المعركة”.
وبحسب القناة، قال قائد القيادة الشمالية اللواء “أوري جوردين”: “نحن في حالة حرب منذ ما يقرب من نصف عام، ولا تنتهي الحرب مع حزب الله فقط، نحن نعمل الليلة ضد الجماعة الإسلامية، ونجحنا في إحباط الأذى لعدد كبير من الناشطين، وحزب الله نفسه قرّر هذا الصباح الرد ضد كريات شمونة، إننا نشن هجمات كبيرة جِـدًّا ضد حزب الله، وسوف نستمر ونكون عدوانيين؛ مِن أجل المس بالحزب الله ودفعه وإيذائه بشكل كبير، ونلحق أَيْـضاً ضررًا كَبيراً بالفضاء الذي يعمل فيه. إذَا أدركنا أنه سيتعين علينا أن نتحَرّك، فسنتحَرّك الليلة أَيْـضاً، والاستعداد موجود”.
ونوّهت القناة في تقرير على موقعها، إلى أن ذلك “يتزامن مع الموافقة على الخطة التدريبية للعام الحربي الحالي والتي تتضمن استكمالاً للبرنامج العام الماضي الذي يركز على زيادة الاستعداد للحرب في الساحة الشمالية”.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات الجوية جمدت مع اندلاع حرب “(طُـوفان الأقصى) – السيوف الحديدية” برنامج التدريب السنوي وتم توجيه كُـلّ الموارد والاهتمام إلى المجهود الحربي، إلا أن التدريب عاد تدريجيًّا في الأسابيع القليلة الماضية بعدما تمت الموافقة على خطة التدريب للعام الحربي الحالي، الذي يركز على زيادة جاهزية القوات الجوية للحرب في الساحة الشمالية وفي ساحات أُخرى أثناء القتال الطويل من خلال تخطيط وتنفيذ النماذج العملياتية والسيناريوهات ذات الصلة بخصائص القطاعات والتهديدات المختلفة.
غالانت يخطط زج المستوطنين في الحرب على الجبهة الشمالية:
في هذا الإطار، ذكر المراسل العسكري يوسي يهوشع، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أجرى في 28 مارس الماضي، مداولات مع مسؤولين في قيادة الجبهة الداخلية التابعة لجيش الاحتلال؛ بهَدفِ مناقشة خطط الحملة الإعلامية في حال تصاعدت المواجهات وتطورت إلى حرب شاملة، وذلك على خلفية التوتر المتزايد على الحدود الشمالية مع لبنان.
وبحسب يهوشع، يُجمِع المسؤولون، في المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، على الحاجة إلى حملة إعلامية منظمة لتهيئة المستوطنين للتعامل مع الحرب المُحتملة. والخلاف بهذا الشأن هو حول الطريقة التي ستُعتمد لتوجيه المستوطنين، وطريقة الترويج لتحوّل شكل المواجهة من تبادل محدود للقصف إلى حرب شاملة ومفتوحة.
هذا؛ ويعتزم غالانت اتِّخاذ قرار نهائي بهذا الشأن بعد إجراء المزيد من المشاورات مع ضباط هيئة الأركان ورؤساء الاستخبارات، وقال يهوشع: “ليس من الواضح ما هي الأسئلة التي ستُطرح في الاستطلاع، وكيف ستؤثّر على القرارات المتعلقة بالأمن القومي، لكن الأمر يدلّ على مدى الحساسية التي تتعامل من خلالها السلطات الإسرائيلية مع هذه القضية”.
ووفقًا ليهوشع أن “معضلة الحملة ترافق كُـلّ مسؤولي الجيش الإسرائيلي منذ العام 2006م، حتى لو تناولت وسائل الإعلام مدى دقة صواريخ حزب الله، فالرأي السائد هو أن معظمنا لا يعرف أَو يفضّل إنكار الحقائق. على سبيل المثال، يستطيع حزب الله أن يُطلق يوميًّا عدد الصواريخ نفسه التي أطلقته حماس في 7 تشرين الأول/أُكتوبر، أي نحو 4 آلاف صاروخ. ولكن السيناريو المرجعي الذي سيواجهه الجيش الإسرائيلي يتضمّن القدرة على إدخَال أجزاء من إسرائيل في الظلام”.