قراءةٌ مختلفةٌ للمحاضرة الرمضانية الـ22
مراد راجح شلي
– التقى حسيب بالدكتور ثوبان في مكتبه بالكلية عند الحادية عشرة ظهرَ يومنا هذا السبت.
للتذكير ” حسيب ” طالب الدكتوراه في التاريخ الإسلامي بالمعهد العالي للعلوم الإسلامية التابع لجامعة الزيتونة الدكتور “ثوبان” هو المشرف على رسالته.
– وفورًا بادره بالسؤال: ترى يا دكتور هل سيواصل السيد عبدالملك قصة نبي الله نوح عليه السلام في محاضرة اليوم الثانية والعشرين؟
ابتسم الدكتور لطالبه مجيباً إياه: يعجبني شغفك الدائم يا حسيب لكن لا تستعجل سنحضر المحاضرة سوياً بإذن الله.
بالمساء كان الاثنان متواجدَين بمنزل الدكتور ثوبان ينتظران المحاضرة التي انطلقت للتو:
“نبي الله نوح عليه السلام لم يتنصل عن أداء مسؤوليته أَو يمتنع هو استمر بكل الصبر بصبر عظيم جِـدًّا صبره على ذلك زمني الطويل مع ما كان عليه قومه من الجحود من الاستكبار من العناد.
نبي الله نوح يعتبر مدرسة للأنبياء والرسل وللمؤمنين وللدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في ذلك الصبر العجيب”.
– التفت الدكتور ثوبان لطالبه حسيب مبتسماً: ها قد لبى السيد عبدالملك لهفتك لمعرفة موضوع المحاضرة استكمالا بقية نبي الله نوح عليه السلام.
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} فاتجه لا تنشغل بهم، قد أديت ما عليك تجاههم، وقد أتى اقتراب نزول العذاب عليهم، ولذلك أنت ستتجه الآن، منذ أوحى الله إليه ذلك الوحي، إلى تلك المهمة: صناعة الفلك يعني صناعة سفينة عظيمة، وسفينة كبيرة؛ لتكون سبباً ووسيلة للنجاة
(وَوَحْيِنَا)، حَيثُ ستأتيك التعليمات لكيفية صناعة تلك السفينة الكبيرة، التي ينبغي أن تكون على مواصفات معينة؛ بحيث تؤدي مهمتها؛ لأَنَّ هناك حمولة ستحملها، وبالذات أنها ستحمل {مِن كُـلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}، وإضافة إلى ذلك أُولئك المؤمنين الذين معه
– هل لاحظت يا حسيب كيف قدم السيد عبدالملك استدراك جزئية قصة السفينة بطريقة إرشادية وروحية وتربوية.
الله أعلم أن تلك السفينة كانت هي السفينة الأولى- التي صُنِعَت-.. لم يسبق قبلها أن كان لدى البشر سفن وتنقلات بحرية؛ لأَنَّ قوم نوح عليه السلام كانوا هم المجتمع بكله، كانوا هم في عصر المجتمع البشري،
– هذه جزئية مهمة يا حسيب تحكي كيف أن السفينة كانت هي السفينة الأولى في تاريخ البشرية بكل ما قدمه من معطيات للتعريف بهذه المعلومة.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} ويقولون إن الدسر هي المسامير استُخدمت في تثبيت ألواح السفينة
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} فقد حكم الله عليهم بالهلاك والعذاب وليس هناك من مجال للوساطة ولا للشفاعة لأحد منهم أبداً، فأعمالهم هي أعمال ظلم
– لاحظ كيف هذه الجزئية أن الله وهو يعلم نبي الله نوح عليه السلام بتفاصيل وأدوات بناء السفينة يذكره بأُولئك الذين ظلموا أنفسهم وعقوبتهم.. هكذا حدث الدكتور ثوبان طالبه حسيب.
{كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} كانوا يذهبون ليتفرجوا عليه، ويمرون من عنده وهو في المكان الذي قد اختاره وأعده لصناعة السفينة، [هل تحولت إلى نجار؟ هل تركت مهمة الرسالة والنبوة؟ وأصبحت تعمل في النجارة؟ ما هذا العمل السخيف الذي تعمله؟].. إلى غير ذلك..
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} الحالة بالنسبة لهم: (كمن يرقص وهم يجهزون له حفلة إعدام، فيقوم بالرقص) الحالة حالة رهيبة جِـدًّا.
الذي سيأتيهم هو العذاب، وهم منشغلون بالتلهي.
– ” يا الله ” قالها حسيب متأثرا بعد استماعه لتفاصيل جزئية سخرية قوم نبي الله نوح عليه السلام منه وهو بيني السفينة ولا يعرفون ما ينتظرهم من عذاب وهلاك.
ونادى نوح ابنه ناداه ليسمعه؛ لأَنَّه مع سقوط الامطار بغزارة هائلة جِـدًّا وحركة المياه واضطرابها وهي تغمر كُـلّ مكان لن يسمعه إلَّا إذَا ناداه وكان في معزل كان فيما سبق معزول عن والده استقل بحياته ليبتعد عن والده بعيد عن ما يعانيه والده من المشاكل.
كان قد أثّر عليه كما في الروايات قرناء السوء كان قد تأثر بهم ناداه نبي الله نوح (يا بني اركب معنا ولا تكون مع الكافرين) اركب معنا ولا تكون مع العالمين لكنه حتى تلك اللحظة الحيوية لم يستمع لوالده ولم يصغ لندائه (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)
كان يتصور أن الجبل سيعصمه من الماء ولا يغرق مع الغارقين في تلك اللحظة قال له نبي الله نوح (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)
– لاحظ هذه الجزئية المؤثرة بين نبي الله نوح وابنه وحرصه كأبٍ أن ينجو ابنه ولكن ابنه بضلاله هلك مع الهالكين.. هكذا حدث الدكتور وثاب طالبه حسيب.
– استمع الدكتور ثوبان وطالبه حسيب لما تبقى للمحاضرة وبدأ كعادتهما مناقشة جزئياتها بكل استفاضة بطريقة علمية ومنهجية.