يومُ القدس العالمي.. حكمةُ الاختيار والرؤى والأبعاد
عبدالجبار الغراب
شكلت اللحظات الأولى لاعتماد اليوم العالمي للقدس أَسَاسياته الأولية للبناء الصحيح، وأولوياته الأكيدة لضرورة دعم ومساندة القضية الفلسطينية، وقواعده الثابتة بعدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلي، ومنهجيته المُستمرّة للوقوف ضد قوى الهيمنة والغطرسة العالمية، ومبادئه الدائمة لإفشال كُـلّ المخطّطات الأمريكية الصهيونية في المنطقة، وأهدافه الهامة لإيصال مظلومية الشعب الفلسطيني إلى كُـلّ بقاع العالم، وأبعاده الأَسَاسية المستقبلية والتي لاحت في الأفق لإنهاء الوجود الصهيوني على الأراضي العربية الإسلامية وإزالته بصورة كاملة ونهائية.
ليكون ليوم القدس العالمي سريانه الدائم وإحيائه بشكل مُستمرّ ومتواصل من قبل المسلمين، لتنجح كافة المسارات في انطلاقتها للتعريف الكبير بمظلومية الشعب الفلسطيني المظلوم القابع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 75 عاماً، فكان لإقراره الحكيم عام 1979 وتحديده بآخر جمعة من شهر رمضان لكل عام من قبل السيد الخميني -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- حكمته في الاختيار الصحيح لدعم القضية الفلسطينية من مختلف الشعوب الإسلامية بإقامتهم لمختلف الفعاليات واحتشاداتهم بالملايين في كافة الساحات والميادين معبرين عن تضامنهم الكامل والمناصر للشعب الفلسطيني لاستعادة أراضيهم ومقدساتهم من تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي البغيض.
فالإحياء السنوي ليوم القدس العالمي يشكل للمسلمين ذكرى وتذكيراً بمقدساتهم المنهوبة المحتلّة من قبل الكيان الإسرائيلي، ليتعاظم الإدراك ويزداد الوعي والمعرفة بكل ما يدبره الأعداء من مؤامرات حالية عن سابق ما كان يجهلونه والغائب عنهم منذ عقود من الزمان بفعل أسباب كان وراءها الغرب والأمريكان، الذين خلقوا التفرقة والانقسامات للشعوب الإسلامية، جاعلين من الحكام أدوات فرضوا عليهم الأجندة لتحقيق الأهداف، ليرتفع الاستشعار الكبير وتبرز وتظهر دول محور مقاومة لمخطّطات الأمريكان والصهاينة، والتي أحيت في وجدان الشعوب الإسلامية ضمائرهم بجعلهم للقضية الفلسطينية قضيتهم المركزية، وهنا سارع الأمريكان في إخراجهم للأوراق ومن ملوك الأعراب جعلوهم يعلنون التطبيع مع كيان العدوّ، والتي سبقتها نتائج واضحة لخسائر متراكمة في معاركهم العسكرية في اليمن وسوريا وتقليص نفوذهم في المنطقة، وخسارة خياراتهم السياسية والتحريضية في لبنان، والنجاح الكبير والتقدم والنهوض في إيران وفرضهم للشروط العادلة التفاوضية حول الملف النووي، ليكون لفارق العقود السابقة من الضياع والتيهان المقصود من قوى الشر والاستكبار العالمي لتشتيت الأفكار وتعمدهم الافتعال لأجل نسيان فلسطين والقدس خلاصة محصلات لنجاح حقّقته عظمة الاختيار لقائد الثورة الإسلامية في إيران بجعل آخر جمعة من شهر رمضان في كُـلّ عام يوم القدس العالمي، وهنا برزت الأهميّة والرؤى العظمى لمثل هكذا اختيار والأدوار العديدة الواجب فعلها كدول وجماعات ومثقفين وكتاب لحمل قضية هي الأم والأَسَاس وأنه على الجميع تحمل المسؤولية بأنه لا تقوم لأمة قائمة أضاعت مقدساتها وأهملت معتقداتها وباعت أوطانها.
تأتي ذكرى إحياء يوم القدس العالمي هذا العام في ظل تطورات وأحداث ومتغيرات عديدة طرأت في الوجود وأعطت بفعلها الموقع الطبيعي للقضية الفلسطينية، والتي كان لنسيانها عواملها التراكمية التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي بارتكابه للانتهاكات المتكرّرة بحق الشعب الفلسطيني وبفرضه للحصار الجائر على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عاماً واقتحاماته المتكرّرة للمسجد الأقصى وبنائه للمستوطنات واعتداءاته الوحشية على الفلسطينيين، لتعلن المقاومة الفلسطينية بكسرها لكل ذلك الجمود وقيامها بعملية كبرى عسكرية أسمتها معركة (طُـوفان الأقصى) في السابع من أُكتوبر للعام الماضي؛ لتحقّق انتصاراتها السريعة مكبدة الاحتلال خسائره الكبيرة، فسارعت قوى الشر والاستكبار في محاولاتها لإنقاذ كيان الاحتلال لتمده بكل أشكال وأنواع الدعم، ليشن كيان العدوّ حرباً همجية على قطاع غزة مرتكباً للإبادة الجماعية وبدعم من قبل الأمريكان.
يوم القدس العالمي هذا العام وإحيائه في اليمن هو امتداد دائم للمواقف الداعمة والمساندة للقضية الفلسطينية وخروجهم بالملايين، والاستثنائي لدولة وشعب وبذلك الحجم لسنوات مرت أكّـدت مفعول صدقها وصراخ شعارها القرآني في تأكيد المشاركة الفعلية بمعركة (طُـوفان الأقصى) وإحداثهم لمتغيرات وتحولات عالمية قلبت موازين القوى العالمية، وأنتجت واقعاً جديدًا عبر وبوضوح عن الوجود القوي للشعب اليمني عسكريًّا، حيرت أعظم الجيوش وهم يواجهون الجيش اليمني بأسلحته المتطورة وفرضهم للحصار البحري على الكيان الإسرائيلي وردعهم للأمريكان والإنجليز الذين حاولوا إيقاف اليمنيين عن موقفهم المساند الإنساني لفلسطين، ثابتين على موقفهم وبقوة أعلى وأعظم، راسمين معادلات جديدة
في مسرح الوجود الدولي العالمي كقوة متصاعدة امتلكوا تكنولوجيا التطوير العسكري التي جعلت قوى العدوان يعيدون حساباتهم ويرتبون أوراقهم لإعلان رحليهم الوشيك عن بلدان العرب والمسلمين.