نفادُ الصبر الاستراتيجي الإيراني.. بطوفان عسكري تأريخي على الكيان الإسرائيلي
عبدالجبار الغراب
كان لسابق العقود الطويلة التي عاشتها شعوب الأمتَينِ العربية والإسلامية أوضاعها الكارثية والمأساوية لرضوخِ أغلبِ قادتها تحت الولاء والانبطاح لقوى الشر والاستكبار، فتوالت السنوات في صعودها لتعطِّيَ ظواهرَ ووقائعَ مختلفة وترسم للقادم متغيراتٍ جديدة أوضحتها التحديات والتصديات لقوى الحق والإيمان المحور المناهض لكل سياسات الغرب والأمريكان، وبأشكال وصور عديدة تغيرت فيها مفاهيم ومصطلحات وانكشفت معها جوانب كثيرة نورت الشعوب وأصلحت ما في النفوس من أفكار كانت مزروعة ومغروسة بفعل سياسات الأمريكان والصهاينة الخبيثة، لتشتعل الثورة الإسلامية في إيران في طردها للخونة والعملاء، ومنذ قيامها تصاعد الصراع مع قوى الاستكبار العالمي وامتد لعشرات السنوات، انكشفت معها كُـلّ الأفعال والممارسات الاستكبارية لأجل السيطرة والاستيلاء على كُـلّ ثروات العرب والمسلمين، فأعطت كُـلّ أفاعيلهم الإجرامية وأساليبهم القذرة مختلف الإثباتات والبراهين والأدلة المتوالية لكل الممارسات والألاعيب التي قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ولعقود من الزمان في افتعالها للأحداث والأزمات، وخلقها للحروب والنزاعات، وإنشائها ودعمها للجماعات الإرهابية والمسلحة، وخرقها للأنظمة والقوانين والمواثيق الدولية، وإلحاقها الضرر بكامل الشعوب العالمية، هذا الانكشاف لكل هذه الأفاعيل الأمريكية كان لها نجاحاتها في حصادها لنتائج مخطّطاتها العديدة وترتيباتها المتعددة تحت تدابير وصناعة اللوبيات الصهيونية التي جعلت من سيطرتها على بعض الدول واقعاً موجوداً، فالنهب للثروات وباستمرار والاستغلال والاستحواذ على مقدرات هذه البلدان وبكل خيراتها استقرت بأيادي الأمريكان.
هذا التوغل والانتشار وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات تحكمت به عدة عوامل وأسباب: منها الولاء والطاعة لحكام هذه الدول والتبعية المطلقة لكل ما يملى عليهم من سياسات من قبل الإدارات الأمريكية لتنفيذها، لتتصاعد مختلف الأحداث المخطّطة التي أوجدها الأمريكان نحو معتركات طرق ومسالك توجّـه بوصلتها الأَسَاسية لخدمة المصالح الأمريكية وبصورة واضحة.
أحدث الرد الإيراني الحازم أبعاده الهامة والذي خلق معه مزيداً من التخبط والتيهان الذي ارتفع وازداد عند الصهاينة والأمريكان ويقود بالتالي لفقدانهم لمكانتهم التي كان لها حجمها التأثيري الكبير، وهي علامات للمراحل التدريجية القادمة لإعلان سقوط الإمبراطورية الأمريكية كقوة عظمى عالمية تهاوت معها كُـلّ مخطّطاتها الخبيثة، فلا الخيارات السياسية نجحت بها لوضعها كبديل لفشل عسكري قد تمكّنها من لملمت خسائرها واندثارها أَو حتى إصلاحها لأخطائها المتواصلة لدعم الصهاينة في ارتكابهم للجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ولا أوراق جديدة استطاعت خلقها لتبني عليها نقاط قوة لاستعادة مكانتها العالمية، فعصر الهيمنة والاستكبار قد ذهب وانتهى، أسقطته دول محور المقاومة الإسلامية والتي أحدثت متغيرات جديدة قلبت بها كُـلّ المعادلات والموازين العالمية وشكلوا قوة ردع وتوازن وُصُـولاً إلى التفوق الدائم والحقيقي، ليفرضوا بذلك واقعاً ومعطيات جديدة بفضل القوة والإيمان والصمود والتصدي والالتحام الشعبي مع القيادات الثورية والسياسية والوطنية لكل هذه الدول الإسلامية المقاومة لقوى الاستكبار العالمي.
نفاد الصبر الاستراتيجي الإيراني في إسقاطه لآخر الخطوط الحمراء مع الكيان الصهيوني وضربه عسكريًّا وبصورة مباشرة في الأراضي المحتلّة، وما أوضحته معظم وكالات الأنباء الخارجية وخَاصَّة المعادية بقولها إن أكثر من (185) طائرة مسيّرة، (35) صاروخ كروز، (110) صواريخ أرض أرض؛ إلَّا لعظمة القدرة ولذلك القوة وبحجم الرد الكبير العسكري الإيراني وقدرتها على ضرب الأهداف الإسرائيلية ومن مسافات بعيدة تصل إلى أكثر من (1500) كيلو متر وإمْكَانياتها الهائلة في اختراق كُـلّ التحصينات والدفاعات الجوية للأمريكان وبريطانيا وفرنسا الذين شاركوا الكيان الصهيوني في التصدي واعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية وفشلهم في منعها من الوصول إلى هدفها.
وما نقلته الصورة ووثقته عدسات مختلف وسائل الإعلام وحتى هواتف الفلسطينيين الفرحين في نقلهم لمشاهد وصول الصواريخ والطائرات وهي تحلق في كافة الأراضي المحتلّة باعثة سلامها لقبة الصخرة متخطية المسجد الأقصى إلَّا تأكيداً لكفاءتها على تحقيقها للأهداف المحدّدة لها.
إن كُـلّ ما ارتكبته “إسرائيل” من جرائم بحق الفلسطينيين ولأكثر من ستة شهور وبدعم أمريكي كبير وبصمت واضح عربي وإسلامي؛ بسَببِ الحكام والأمراء المنبطحين، فَــإنَّه قد تغير الآن ومعه تغير مجرى التاريخ وبصورة مباشرة وواضحة بوضع الكيان بمزبلة التاريخ، وما القادم إلَّا أعظم وعلى أهبة الاستعداد، بانتظار إعلان الرد الكبير والذي لا يتوقعه لا المحب ولا الصديق، فالحذر الحذر من التهور ومن جديد يا بني صهيون.