العِلْمُ ما دارت به الأيّام
القاضي/ حسين بن محمد المهدي
ما من شك أن الأيّام تعلم وتفيد، فتعلم منها واستفد.
وما هذه الأيّام إلا صحائف لأحرفها من كف كاتبها بشر.
فالعاقل من اعتبر هذه الحياة صحيفة يتعلم فيها ويدون ما ينفع ويدوم ويرضي الحي القيوم؛ فكلما تحويه صحيفة أعمالك هو ما تسجله بأعمالك فاغتنم العلم في العطلة الصيفية.
إن أياماً تقضيها في مراكز العطلة الصيفية مفعمة بالصدق، مصبوغة بالفطرة الإنسانية والعزيمة الإيمَـانية قد تصنع في نفوس الجيل الصاعد ما لا تصنعه الملايين ولا القصور، وتبعث فيها من الحيوية والنشاط ما لا يقدر على صنعه الأطباء ولا العقاقير (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ، تُؤْتِي أُكُلَها كُـلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
تعلم بقلمك في العطل الصيفية الخط الجميل والعلم الجليل ولا تصغ إلى لغو الحديث والعمل الخسيس ولا ما يوقع في المعاصي ويحرض على الملاهي ويتسبب في الأذى ويوقع في الشقاء.
فما أحسن القلم الذي ينظم الكلام الجميل والعلم الجليل (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، ما أنت بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).
والقلم لسان اليد وبريد القلب؛ فهو سفير العقل ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل.
سبحانَك اللهم خيرُ معلِّم
علَّمت بالقلم القرون الأولى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماته
وهديتَه النورَ المبينَ سبيلا
فلينظر الإنسان ماذا يملي، فما دون سيكتب عليه (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ).
فاكتب بقلمك القرآن وما صح من أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- واحفظ به الأحكام، وبين به الحلال والحرام.
فعليك فيما تعلم وتعمل رقيب وهو عليك غداً شهيد (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسان وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، إذ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ، ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه؛ فبالكتابة حفظ القرآن ودون التاريخ والعلم والحكم، وأمن الإنسان النسيان، وقيدت الشهادة والأحكام.
إن الكتابة رأس كُـلّ صناعة، وبها تتم جوامع الأعمال؛ فاحرص على تعلمها وكتابتها تظفر بالحسنى وزيادة، واحص كُـلّ شيء بالكتابة.
وتعلم الكتابة الإلكترونية لشيوعها وتدوين العلوم والحوادث بها، وتعلم على كيفية توثيق التصرفات بها؛ مِن أجلِ حفظ الحقوق فمن حفظ ما نسي، وتأمل قول العزيز الحكيم: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (وَكُـلّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً)،
وتأمل في قول من قال على الله كذباً وافتراء (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
وماذا صنع أحفادهم اليهود في فلسطين من سفك الدماء وقتل الأطفال والنساء، فكأنهم يظنون أن لا حياة بعد الموت ولا كتابة لما قالوا وفعلوا وما اغتصبوا وظلموا، وفي سورة يس النبأ اليقين (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ).
إنما الأيّام والعيش كتاب
كلّ يوم فيه للعبرة باب..
إن الصهيونية اليهودية ومن على شاكلتها لو عرض عليهم الكتاب الحق لذابوا (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
إن نصرة فلسطين وإعلان كلمة الجهاد للصهيونية هي المحك وعلى مثل ذلك يصح إيمان المسلم أَو يظهر نفاقه.
أما تغطيته بالطائفية المذهبية تحت شعار سنة وشيعة؛ فقد والله فلسطين كشفت الأمر؛ فالعبرة ليس في التسميات ولا المسميات التي اخترعوها ولكنها في صحة الإيمان؛ فماذا أنتم قائلون غداً بين يدَي الرحمن، وقد صدقت إيران واليمن وسوريا والعراق ولبنان فالإيمان هو الذي يصدقه العمل.
فيا أتباعَ رسول الله ويا أبناءَ الإسلام: فلسطين تناديكم فهبوا لنجدتها إن كنتم مؤمنين (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).