غزّة في ميزان الإسلام والعروبة
د. شعفل علي عمير
تمُرُّ الأيّام ومعَها الأحداثُ التي تتجلَّى من خلالها المواقف، وتنعكس بالتالي هذه الأحداث على حالة المجتمعات والحكومات تبعاً لما هو حاصل في واقع أمتنا العربية والإسلامية؛ فهناك من يتألم لمصابِ الأُمَّــة وما يحدث لها من إذلال وهوان وعدوان غير مسبوق، وبالمقابل هناك من يروقُ له هذا الحال وهذا الواقع الذي يعيشه عالمنا الإسلامي عُمُـومًا والعربي على وجه الخصوص، ليس لأَنَّه قد استفاد مما هو حاصل إنما يعد اختلالاً في الفكر وعمى في قراءة مآلات تلك الأحداث المهولة التي تمر بها منطقتنا العربية، والعجيب أن مثل هؤلاء يعد ما يحدُثُ نصراً قد تحقّق له وغاية قد وصل إليها.
تمر الأيّام والسنون وحالُ المتخاذلين من الحكّام يزدادُ سوءاً في مواقفهم وتتسع تبعاً لذلك الفجوة بينها وبين الشرفاء من أبناء الأُمَّــة باتساع الفجوة بين الحق والباطل، كما أن التقارب يصبح ضرباً من الخيال ناهيك عن الوصول إلى اتّفاق ذلك؛ لأَنَّ هؤلاء المتخاذلين قد تعمَّدوا إلغاءَ أي قاسم مشترك قد يكون أحد مسارات التقارُب ليس في الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما في الجوانب الحضارية والسياسية وكذا الجانب الاجتماعي ولم يسلم من ذلك الجانب الديني بالرغم من كونهم يقرّون بالإسلام ديناً وبمحمدٍ -عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام- رسولاً؛ فقد جعلوا من الاختلاف خِلافاً ومن الفروع أصولاً، وبالتالي فقد أصبح من لا ينهج منهجَهم خارجاً عن الدين وفي خانة العدوّ الحقيقي، وهذا ما يفسّره ويثبته مواقف البعض من الدول العربية والعلماء فيها، كيف بمن يعتبر بأنه منتمٍ لملّة الإسلام أن لا يتألم بما يحصلُ من مجازرَ يومية بحق شعب هم جزء من أمته العربيَّة والإسلامية! كيف بمن يحيي حفلات الرقص في الوقت الذي يتعرض له شعب عربي ومسلم للإبادة؟!
إذَا لم يعد للدين مكاناً في توجّـهاته فيجب أن يكونَ للعروبة دورٌ في مواقفه، وَليأخُذ من حلف الشر الذي تكالب على سكان غزة بالرغم من انعدام أي قاسم مشترك بينهم غير عدائهم للإسلام والعرب -الذي يعتبر هؤلاء المتخاذلين جزءاً من هذه الأُمَّــة- درساً يتعلم منه كيف أن أعداء الأُمَّــة لا يفرقون بين موال لهم أَو معاد ما دام وهو عربي أَو مسلم.
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم قوله: {إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} وحث على الإصلاح بينهم فكيف بمن يتحالف مع من يُبِيدُهم أَو يتشفَّى بما يقع عليهم من ظلم وقتل وحصار، لا نجد عزاءً لأهلنا في غزة غير أنهم كانوا بتضحياتهم وصبرِهم سبباً في كشف الأقنعة، وهم الملهم الفاعل للشعوب الحرّة في العالم، وسوف يكونون هم من أيقظ الضمير الإسلامي والعالمي وقيّمَ علاقة الحكام بدينهم وأمتهم وشعوبهم؛ لأَنَّ ما يحدث في غزة مقابل ما يجب أن يتخذه الحكام العرب قبل غيرهم من مواقفَ أوجد فرزاً حقيقياً وشرخاً في العلاقة بين الحكام والشعوب التوّاقة للتحرّر من أغلال العبودية التي فرضتها أنظمتهم العميلة، وحتماً سيكونُ ما بعد العدوان على غزة ليس كما قبله ومؤشرات التغيير بدأت ملامحها تلوح في الأفق فنحن في حالة امتحان إلهي؛ إذ يقول الله سبحانَه وتعالى: {أم حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} صدق الله العظيم.