تحفة المؤمن الموت
ق. حسين بن محمد المهدي
من تذكر الموت أحسن العمل، وابتعد عن الكسل، وأحب فعل الخيرات، واجتنب فعل المقبحات، وعمل الصالحات، وسارع إلى اكتساب الحسنات، ورأى في الموت نجاة من الوصب، فاستبشر لقدومه، واستعد لهجومه،
ألا مرحبا بالموت يا خير نازل
لمن كان يحيي ليله بالنوافل
وما الموت إلا راحة من متاعب
وأهوال دهر زعزعت كُـلّ فاضل
يتذكر المؤمن الموت فيعمر حياته، ويستثمر أوقاته في الأعمال الصالحة لتكون تجارته رابحة، وحياته طيبة نافعة وابتلاءه شرف واختبار، وموته عظة واعتبار: (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
الحياة فانية فأحسن العمل للحياة الباقية (اعمل ما شئت فَــإنَّك ميت، واحبب من أحببت فَــإنَّك مفارقه، واعمل ما شئت فَــإنَّك مجزي به)
جد في عمل الصالحات فَــإنَّهن الباقيات، (فالموت تحفة المؤمن)
فلا تكن متثاقل، وعن عمل البر غافل
كفى واعضا بالموت للمتكاسل
ومذكرا للقاعد المتغافل
وما هو إلا الموت يأتي لوقته
فمالك في تأخيره عنك مدفع
تموت النفوس بأوصابها
ولم يدر عوادها ما بها
وقديما قيل: (يموت راع الضأن في جهله موت جالينوس في طبه) (ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)
فالموت باب وكل الناس داخله، والموت كأس وكل الناس شاربه
وهذا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه
وان بناها بشر خاب بانيها
البقاء والخلود مستحيل ومن ايقن بذلك أحسن العمل (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْت) (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)
كتب الموت على الخلق فكم
فَلَّ من جمع وافنى من دول
الكل عن دنيا الدناءة راحل
لا تفتتن ياذا الحجا بالجاه
إن الجاه مهما كان يوماً زائل
والمال لا تركن إليه؛ لأَنَّه
قد كان عند سواك فهو المائل
انظر إلى من كان فيه منعما
ولأجله تأتي إليه قوافل
لما رماه الدهر منه بنكبة
أضحى معولا وهو، أمس العائل
كم من مليك كان يمشي تائها
وبه تُحَف مواكب ومحافل
لما أتاه الموت لم يمهل
ولم تمنعه أجياش وجيش صائل
فالموت ورد للجميع وإنه
الحق اليقين وما سواه الباطل
فاجعل حياتك وموتك لله تظفر بمرادك، وتكون أمنا في كُـلّ أوقاتك، مخلصا لله في كُـلّ أعمالك، سعيدا في حياتك وبعد مماتك (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
فاسعد الناس وأكثرهم سعادة بالموت هم الشهداء الذين يقاتلون؛ مِن أجلِ اعلاء كلمة الله ويجاهدون في سبيل الله.
فهنيئا للشهداء في فلسطين الحياة الدائمة، وهنيئا لشعب فلسطين الذي زف آلاف الشهداء إلى حياة طيبة إلى حياة آمنة إلى حياة مستقرة إلى حياة يستبشر فيها الشهداء بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ) (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لاتَشْعُرُونَ).
انه لشرف للشهداء عظيم، انهم في جنات وعيون، فما الذي يقعد بالمتثاقلين والمتقاعدين عن هذا الشرف العظيم، الذي جعله الله نعمة ومنة لأوليائه، وحسرة على المنافقين.
فالتحية للمجاهدين في فلسطين وفي البحر العربي والأحمر من أبناء اليمن وفلسطين وإيران ولبنان وسوريا والعراق ولكل من ساهم في دعم هؤلاء سياسيًّا ومعنويا وماديا وعسكريًّا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فسارعوا إلى الجهاد في فلسطين وتحرير الأقصى اعلاء لكلمة الله وحفظا لبيضة الإسلام والمسلمين، ونصرا للإسلام والمسلمين، فالنصر كتبه الله لمن ينصره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين.