“إسرائيل” الخندقُ الغربي المتقدِّم.. بمباركة الرب..!
عبد القوي السباعي
لا تستطيعُ وأنتَ تبحَثُ في كُنْهِ العلاقة والارتباط الأمريكي الأُورُوبي بكيان العدوّ الإسرائيلي، أن تصل إلى نتيجةٍ تُذكَرُ، غير أنك تدرك أن “إسرائيل” أوهن من بيت العنكبوت؛ إذ إنها ليست طموحاً وأُمنيةً لليهود، أَو حلمًا تحقّق لوصيةٍ ونبوءةٍ دينيةٍ تناقلها الحاخامات من كتب “العهد القديم” عن الرب؛ بل إنها استراتيجية حرب، وقرار لما بعد فجر الاختبار الحقيقي، والتي رأيناها جميعاً في الـ7 من أُكتوبر، كم أنها كيان هش؛ وعملاق من ورق، بقاؤها مرهون بالوجود الأمريكي والغربي في الوطن العربي الكبير.
خلافاً عن الفترة السابقة، نلاحظ اليوم إذكاءً للخطاب الديني، في المواقف والتصريحات الأمريكية، والتي كان آخرها تصريح رئيس مجلس النواب الأمريكي “مايك جونسون”، حَيثُ قال: “الإسرائيليون يقاتلون؛ مِن أجلِ وجودهم.. بالنسبة لنا نحن المؤمنين؛ هناك توجيه في “الإنجيل” بأن نقف إلى جانب “إسرائيل”، وسنفعل ذلك بلا ريب وسينتصرون طالما كنا معهم”.
لم يكن هذا التصريح الذي يربط السياسة الأمريكية تجاه “إسرائيل” بالعقيدة المسيحية البروتستانتية -وفق اعتقادهم- هو الأول من نوعه هذه الأيّام، فبالتزامن مع ذلك استجوبَ عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري “ريك دبليو. ألين” رئيسة جامعة كولومبيا ذات الأصول المصرية “نعمة شفيق”، على وقع الاحتجاجات الطلابية الملتهبة في جامعتها.
وبدا السيناتور المسيحي غير المتدين أصلاً؛ جاداً للغاية حين سألَ نعمة: “لماذا لا تدعم جامعة كولومبيا “إسرائيل” بشكلٍ كاف؟ لنكن واضحين هذا ميثاق قطعه الرب مع النبي إبراهيم وهذا الوعد واضح للغاية: إذَا باركتَ “إسرائيل” سأباركُك، وَإذَا لعنتَ “إسرائيل” سألعنك”، وَأَضَـافَ، “هل تريدون أن يلعنكم الرب؟”، قالت: “لا”..!
هذه ليست المرة الأولى، فالرؤساء (جو بايدن وأوباما وترامب، وجورج بوش الأب والابن، وكلينتون)، قالوا بصراحة إن “الكتابَ المقدَّسَ يأمُرُ في ذلك”، وكلما صعد رئيسٌ إلى البيت الأبيض يأتي إلى “إسرائيل”؛ كي يباركهُ الرب.. والظاهر أن “إسرائيل” أبرمت صفقة أيديولوجية مع أمريكا، وهي صفقة مع “الله”، أَو ما يسمونه “يهوه التوراتي”، وأنها صفقة أبعد من تعقيدات حسابات الاستراتيجية والجيوسياسية في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن.
حتى وإن كان الرئيس “بايدن”، قد حاول الهروب من أشباح سابقه “ترامب” فيما يسمى الشرق الأوسط، لكنه في العدوان على غزة، بدأ وكأنه يسير على خطى “ترامب” ووصايا “كوشنير”، وفي إدارة تبذل أقصى جهدها في السياسة والحرب؛ مِن أجلِ إقامة “ميثاق إبراهيم”، و”السلام الإبراهيمي” “التطبيعي”؛ ما يثبت أن أمريكا هي “إسرائيل” أولاً وأخيرًا.. ولا داعيَ لترسيم وإقامة خطوط وعوارض فاصلة في هذه العلاقة.
عندما قرّر “بايدن” الانسحاب من سوريا، والاستدارة الاستراتيجية الأمريكية نحو شرق آسيا وبحر الصين ومضيق تايوان، جاء الإنذار من “تل أبيب”، وهدّدوا بحسم مصير “بايدن”، فلن يكون أكثر من رئيس بجثة هامدة في البيت الأبيض.
لأن الوجود الأمريكي الغربي في سوريا والشرق الأوسط يشكل واقيًا حيويًّا وضروريًّا لأمن “إسرائيل”، ولربما أن فجر الـ7 من أُكتوبر، وليلة الصواريخ الإيرانية كشفا عن السر الأيديولوجي والاستراتيجي في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس، التي -بحسب مراقبين- مستعدة لأن تفقد كُـلّ شيء مقابل أن لا تتضرر “إسرائيل”.
عندما ضربت صواريخ إيران “إسرائيل”، ووصلت إلى أهداف عسكرية في تل أبيب والنقب، بدا لأمريكا ودول الغرب وكما لو أن إيران تضرب واشنطن وهوليود، وتكساس، ولندن وقصر بكنغهام، وقصر الإليزيه في باريس، وليست أهدافاً عسكرية إسرائيلية، وليلة الصواريخ الإيرانية وقف الغرب خلف “إسرائيل” بقوة أكثر من 7 أُكتوبر، وأي وقتٍ مضى؛ لأَنَّ منظورَ هذه العلاقة لا يحتمل تعرُّضَ “إسرائيل” لأي خطر مهما كان مصدره.
اليومَ باتت “إسرائيل” في مأزِقٍ وجودي حقيقي، وتواجه تحدِّيَ البقاء من العدم، وتبدو أوهنَ من بيت العنكبوت، “إسرائيل” القوية الرهيبة العملاقة ذهبت هناك ما قبل الـ7 من أُكتوبر، وما قبل الانكشاف العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي، ومن قبل أن تكون أصغرَ وأقلَّ من محمية أمريكية بريطانية فرنسية.
فلولا أمريكا لَكانت صواريخ إيران قد وصلت إلى غُرفة نوم “نتنياهو”، وصراخ الإسرائيليين يَدُبُّ في مقابر وعظام “بن غورين” و”جولدا مائير”.. و”إسرائيل” اليوم في ضعفِها تمارسُ جنوناً وهستيريا عسكرية بالإبادة والقتل والتدمير أشدَّ فتكاً من لحظة شعورها بالقوة.