المسيرةُ القرآنية والحكمةُ اليمانية
ق. حسين بن محمد المهدي
ما من شك أن بناء المجتمع الإسلامي يعضُدُه الدليل القرآني والمجتمع الإنساني الذي يحميه؛ كي لا يتعرض لعوامل التعرية بالانحلال والفساد.
فالإصلاح الذي أراده الله لعباده في هذه الحياة لا يتم إلا بواسطة جماعة هي أُمَّـة تصدُقُ في القيام به ونشره في آفاق الأرض.
الأمّة التي تبقى منزوية لا تقوم بواجبها نحو الإسلام والمسلمين لا يمكن أن تؤدي مهمتها في الإصلاح، ولهذا فَــإنَّ من الحكمة اليمانية أن يأتي السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- ليؤسس بجماعة أنصار الله أُمَّـة تتمسك بالقرآن في مسيرتها وتناضل؛ مِن أجلِ إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله-.
فقد أرشد القرآن إلى ضرورة وجود أُمَّـة توجّـه همتها للمحافظة على بناء المجتمع الإسلامي بحيث لا يعتريه الانحلال في أجياله المتعاقبة، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّـة يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
إن كلمة الله هي الفاصلة فخيرية هذه الأُمَّــة تبقى ما بقي فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ) (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّـة وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
إن الحث على مصلحة الأُمَّــة وتوحيد الطاقات، والعمل على المؤاخاة بين آحاد المسلمين وجماعتهم توجب تضامنهم وتظافرهم حتى يصيروا متفقين على كلمة واحدة، وكأنها تحَرّكهم إرادَة واحدة (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، (فمن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، (فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبّ لنفسه).
ومهما اجتمعت أُمَّـة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحيي فريضة الجهاد وتبتعد عن موالاة أهل الكفر إلا كان ذلك شرف لهم في الدنيا والآخرة.
فكيف لا يكون ذلك لأمة تتجمع نصرة لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين، وقد تحقّق ذلك بأنصار الله وحزب الله؛ فالحكمة يؤتيها الله من يشاء من عباده.
وقد امتن الله على هذه الأُمَّــة بظهور نبي الرحمة وتعليم الحكمة ولمن سار على نهجه (كَما أرسلنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).
فقد شهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأهل اليمن بالحكمة (الإيمان يمان والحكمة يمانية) وصدق ذلك الواقع؛ فوضع الأمور في نصابها حكمة، ورفع علم الجهاد حكمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكمة (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ).
أما مؤاخاة المفسدين في الأرض ونقل أسرار المؤمنين لغيرهم فَــإنَّ ذلك يخرج من دائرة الإيمان من لم يتب، (إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولئك مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
إن قضية فلسطين هي المحك فقد وحدت المسلمين، وأظهرت حقائق المنافقين، وعرف من هم أهل الإيمان ومن هم أهل النفاق؛ فعلى المؤمنين الحذر من المنافقين والابتعاد عنهم (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا).
الشكر للشعب الفلسطيني المجاهد والمدافع عن عقيدته وأرضه وعرضه، ولأنصار الله أولي البأس الشديد من أبناء اليمن، ولحزب الله في لبنان والعراق وسوريا والشعب الإيراني المسلم المجاهد، ومحور المقاومة جميعاً الذين يؤدون الواجب الإسلامي والإنساني وينصرون الله ورسوله.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).