المعادلةُ الدينية والإنسانية في مظلومية غزة
د. شعفل علي عمير
لم يكن لليمن أن يبقى صامتاً فيما يتواصلُ تصعيدُ الكيان الصهيوني بوتيرة عالية، في ظل واقع عربي لا يتعدى مرحلة التنبؤ بما هي خطوات الكيان الصهيوني القادمة في عدوانه على الشعب الفلسطيني في غَزّة، دون أن تكون هناك مواقف تكبح جموح العدوّ وشراهته في القتل؛ الأمر الذي أتاح للعدو مساحة للحرية في اتِّخاذ أي قرار عدواني وتصعيدي، مساحة من الحرية لم يكن يحلم بها لولا الحال الذي وصل إليه بعض الحكام العرب من الخنوع والذل غير المبرّر، بل والشراكة الفعلية مع العدوّ الصهيوني في عدوانه على شعب عربي ومسلم.
إن الواجب الديني يحتم على الأُمَّــة الإسلامية أن تتخذ مواقف عملية لوقف الإبادة الجماعية في غزة؛ فلا نكتفي بالتصريحات ومقاطعة منتجاتهم فقط؛ فإذا كان بالإمْكَان عمل ما هو أكبر من مُجَـرّد احتجاج أَو طلب العدوّ أن يوقف عدوانه فَــإنَّ الواجب الذي يأمرنا الله به هو الفعل العملي المؤثر الذي يجبر العدوّ الصهيوني على وقف جبروته ومجازره.
أصبحت الأُمَّــةُ الإسلامية والعربية وحكوماتها في وضع غير طبيعي، وضع من الخُذلان لم تشهده في أي عصر؛ لذلك فَــإنَّ الدور الفاعل والحقيقي يقع على عاتق الشعوب العربية والإسلامية من منطلق واجبهم الديني عندما يتخلى حكامهم وحكوماتهم عن الواجب الشرعي؛ فكل إنسان مسؤول أمام الله عن موقفه ودوره في نصرة الإسلام والمسلمين في أي مكان من الأرض، وهنا يتجلى مقدار إيمان الإنسان بربه وتتجلى أخلاقه وقيمه بالقدر الذي يتحَرّك فيه لنصرة المظلومين؛ فعندما تتحد قوى الشر وتتوحد إمْكَانات الباطل فَــإنَّ الضرورة تقتضي أن تتحد قوى الخير لردع الشر وتسخر إمْكَانات الحق لدعم المظلومين.
وأية مظلومية أكبر مما يتعرض له أهلنا في غزة، وأي موقف ممكن أن تتحد فيه قوى الخير إذَا لم تتحد لوقف الإبادة الجماعية بحق إخوانهم المظلومين، فإلى جانب المقاطعة الاقتصادية لبضائع الدول الداعمة للكيان الصهيوني يجب التعبير عن التضامن الشعبي والوقوف أمام كُـلّ مخطّطات التطبيع مع هذا الكيان.
إن الصمت -الذي يسود الشارع العربي والإسلامي في الوقت الذي نشاهد فيه التظاهرات اليومية في مدن وعواصم تلك الدول التي تقف داعمة للعدوان والإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غَزّة، رغم ما يتعرض له المتظاهرون من اعتقالات وقمع- لم يكن من مبدأ الواجب الديني إنما من مبدأ أخلاقي وإنساني، فهل فقدت الشعوب العربية والإسلامية دينها وإنسانيتها وأخلاقها حتى تتخلى عن شعبٍ مسلم يباد بشكل يومي؟!
يجب علينا كشعوب عربية وإسلامية أن نكونَ أكثرَ مناصَرةً لأمتنا أَو في أقل تقدير بشكل يماثِلُ ويحاكي ما تقوم به شعوبُ أمريكا وأُورُوبا التي لم تحسب لموقف حكوماتها أي حساب مقابل تخلِّيهم عن إنسانيتهم؛ فهل تمتلكُ شعوبُنا العربية والإسلامية الجرأةَ لتكونَ مثلَ تلك الشعوب في التعبير عن رفضها للظلم الحاصل في غزة؟! فإذا كانت تلك الشعوب لم تحسب أي حساب لموقف حكوماتهم مقابل التخلي عن إنسانيتهم فهل نعمل نحن كمسلمين حساباً لحكوماتنا المطبِّعة أَو المتواطئة مع الكيان الصهيوني مقابل التخلي عن ديننا وإنسانيتنا وأخلاقنا وعروبتنا؟!