نماذجُ من البدايات الأولى للصرخة.. الجامعُ الكبير كمحطة أولى لمواجهة أمريكا
حطبة: حملة الاعتقالات للمكبِّرين الأوائل بدأت من صعدة ووصلت إلى بعض المدارس في القرى والمساجد وتطورت حتى بدأ كوكبة من المؤمنين يصرخون في الجامع الكبير بصنعاء
المجاهد العياني: الشهيد القائد كان يؤكّـد أن المعركة بيننا وبين أمريكا بدأت من الجامع الكبير بصنعاء وكان يحث الناس أن يتحَرّكوا ليصرخوا منه وكان يحثنا على عدم المواجهة على الإطلاق
المسيرة | عباس القاعدي:
واجَهَ المشروعُ القرآنيُّ، الذي أسَّسه الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الكثيرَ من المتاعب منذ البدايات الأولى من انطلاقه عام 2002م.
وتعرَّض المُكَبِّرون الأوائلُ، الذين كان لهم شرفُ إطلاقِ الصرخة في وجه المستكبرين في البدايات الأولى للسجن، والتعذيب، والترهيب، ومحاولة إسكاتهم من قِبل نظام الخائن علي عبد الله صالح الموالي للعدو الأمريكي؛ فكانت البداية محفوفةً بالمخاطر، وسجل المجاهدون أروع البطولات في مواجهة الباطل، بكل ثبات وصبر، وعزيمة لا تلين.
عقد الكثيرون منهم العزمَ على الذهاب إلى الجامع الكبير بصنعاء، وترديد الصرخة، وشعار (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) بعد كُـلّ صلاة جمعة، غير مكترثين للأخطار التي تنتظرهم، لا سِـيَّـما أن أجهزة الأمن كانت تلجأ إلى اعتقال كُـلّ من يقوم بهذا الفعل، وتزج به في سجون النظام الموحشة، ليتعرض كُـلّ من يدخلها إلى أهوال التعذيب، والترهيب بكل صوره.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على هذه الأحداث، وما رافقها من تنكيل، واعتقالات، للمكبِّرين الأوائل، إلا أن البعض منهم لا يزال يحتفظ بذكريات من تلك السجون المظلمة، ويتذكرون نعمة الله عليهم، وكيف أصبح الشعار منتشراً في كُـلّ شوارع وحواري وأزقة المحافظات اليمنية، ويهتف به في المظاهرات والمسيرات المليونية، وفي أنحاء العالم، دون خوف أَو وجل من سجن أَو اعتقالات.
لا يزال المجاهد الأُستاذ صلاح حطبة “أبو أحمد”، أحد هؤلاء السجناء المظلومين، الذين قضوا سنوات عديدة في سجن “الأمن السياسي” بصنعاء يتذكر الأحداث المأسوية التي لاقاها خلال تجربته هذه مع رفقة زملائه المكبِّرين الأوائل.
ويقول حطبة: “البداية الأولى للمسيرة كانت التوجيهات من الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بالصرخة في المساجد بعد صلاة الجمعة، كتعبير عن مسؤولية الناس، وعن الواجب عليهم تجاه الأحداث التي تجري في الساحة العربية والإسلامية، لافتاً إلى أن السيد حسين بدأ في بناء مشروع قرآني عنوانه الصرخة في وجه المستكبرين، وجعله عنواناً لتوعية الناس، وهو عنوان ملفت لكل من يسمع هذه الصرخة”.
ويضيف: “الصرخة تلفت الأنظار إلى أن هناك عدوًّا اسمُه “أمريكا وإسرائيل” واسمُه “اليهود”، وأنه يجب علينا أن نتحَرّك في مشروع عملي لمواجهة مشروع أمريكا القادم لاحتلال المنطقة العربية والإسلامية”، موضحًا أن أحداث 11 سبتمبر كانت مُجَـرّد بداية الخطة الأمريكية التي يراد منها احتلال الأوطان العربية والإسلامية، مُشيراً إلى أن “الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، قال عنها آنذاك إنها حربٌ صليبية”.
وأشَارَ المجاهد حطبة إلى أن بوش دعا يومذاك لتأسيسِ تحالف عالمي لمكافحة ما يسمى “الإرهاب” وقال مقولته الشهيرة “من ليس معنا فهو ضدنا”، وهذا كان بداية التحَرّك الأمريكي، والأمّة كانت في صمت مطبق؛ فالكثير منهم ربما لا يعرفون أبعاد مخطّط الأمريكيين، والبعض ربما كان مصدوماً، والبعض من الأنظمة العربية عملاء وتابعين لأمريكا.
ويؤكّـد حطبة أنه “إذا تحَرّك الناس على منهجية القرآن الكريم، هنا ستلتف الأُمَّــة من حولهم، وتتحَرّك، وهذا الذي يخاف منه الأمريكيون، وبالتالي نشاهد اليوم المجاهدين في محور الجهاد، والمقاومة، وهم من طوائف متعددة، يتحَرّكون متوحدين ونظرتهم واحدة وتحَرّكهم واحد، والجميع يقدمون الشهداء على طريق القدس في معركة واحدة، وهذا يؤلم الأمريكيون والصهاينة بشكل كبير جِـدًّا، وبالتالي يحاولون أن يحرّكوا كُـلّ عنصر من عناصر سياستهم، في إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين أنفسهم، وهذه منهجية اليهود ودورهم حتى أنهم وصلوا إلى أن يفرقوا بين الأنبياء”.
ويتابع الأُستاذ حطبة: “نسمع الأمريكان يتغنّون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى إذَا شعروا أن ذلك يضر مصالحهم، ويؤثر على سياستهم، فَــإنَّ تلك الشعارات والعناوين تغيب وتنتهي ولم تعد يوجد حرية ولا ديمقراطية، وما يؤكّـد ذلك ما يحدث في الجامعات الأمريكية والغربية بشكل عام، وكيف يتعاملون مع المعتصمين من الطلاب المتضامنين مع غزة”، مبينًا أن هؤلاء هم طلاب جامعات مُجَـرّد معتصمين ليس لديهم سلاح، وإنما أعلنوا عن موقفهم تجاه الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدوّ الإسرائيلي في غزة، وهنا انتهت الحرية التي يتغنون بها على مدى قرون من الزمن وتبخرت بشكل كامل.
ويشير الأُستاذ حطبة إلى أن “تلك الحريات والديمقراطية التي يتغنى الأمريكي بها، قد تلاشت أمام الصرخة، وتلاشت كُـلّ العناوين، وفضحهم شهيد القرآن الذي كان يركز على موضوع واحد، وهو أنه يجب أن نفضحهم، وأن هذه المسيرة ستفضح زيفهم بادعائهم بحقوق الإنسان والحريات”.
وعن انطلاقته في هذه المسيرة القرآنية، يقول حطبة: “عندما سمعنا الصرخة منذ بداية المسيرة القرآنية، انطلقنا بتوفيق من الله -وهذه نعمة كبيرة نشكر الله عليها، ونسأله أن يثبتنا حتى نلقاه- إلى المساجد لنصرخ، فكانت السلطة الظالمة تعتقل كُـلّ من يصرخ، وبدأت حملة الاعتقالات من صعدة، وكان التركيز خَاصَّة على جامع الإمام الهادي، حَيثُ بدأت الاعتقالات من هناك، وحتى إنَّ حملةَ الاعتقالات وصلت إلى بعض المساجد في القرى، وفي بعض المدارس، والمناطق، ولكن فيما بعد تطورت الأمور وأصبح هناك مجموعة أَو كوكبة من المؤمنين الصادقين من أبناء صنعاء الذين بدأوا يصرخون في الجامع الكبير، وبدأت الأنظار تتجه إليهم وبدأت الاعتقالات في صفوفهم”.
ويواصل: “على الرغم من الاعتقالات التي تمارسها السلطة الظالمة، إلا أن الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- وجّه الناس بأن يتحَرّكوا لمساعدة هؤلاء المؤمنين في صنعاء، من كُـلّ المناطق التي بدأت تطلق الصرخة، فكنا ضمن من تحَرّكوا من محافظة صعدة إلى صنعاء لمواصلة الصرخة حتى لا تتوقف في الجامع الكبير؛ كونه أقدس جامع في اليمن، ويعتبر أهم جامع لدى اليمنيين، حَيثُ كانت تلك الأيّام تقريبًا في رجب، وعندما وصلنا إلى صنعاء، كنا مجموعة لا بأس بها، لكن الملفت أنه جاء توجيه الشهيد القائد بأن تكون الصرخة ما بين المسمورة والمنقورة (الدعامتين الأُوليَّين للجامع الكبير)، فحضرنا الجمعة، وصرخنا؛ وَلِأَنَّ جنود عفاش لم يكونوا موجودين في الجامع، أكملنا الصرخة، وما وصلوا إلا في الأخير، واعتقلوا اثنين، أَو ثلاثة منا، والبقية خرجوا من الجامع”.
ويمضي المجاهد حطبة بقوله: “بعدها بأيامٍ وفي شهر رمضان تحديداً دخلنا الجامع الكبير وفي المكان نفسه، ما بين “المسمورة والمنقورة” فصرخنا وكان جنود الأمن السياسي موجودين داخل الجامع، حَيثُ تم اعتقال 18 شخصاً في يوم واحد وهذا لأول مرة يعتقل فيه عدد مثل هذا، حتى ضباط وجنود في الأمن السياسي، انصدموا من العدد، فحصل غضبٌ جِـدًّا وأصبحوا يضجون، واستقبلونا استقبال الظالم الطاغية، للسجين المستضعف الصادق مع الله والمنطلق مع الله، وأدخلونا في أحد العنابر للتحقيق معنا، والشيءُ الملفتُ خلال التحقيقات أنهم كانوا يركِّزون على نقاط مهمة جِـدًّا، منها الدعم، من أين لكم الدعم، وكم لديكم معسكرات؟، وكم مع السيد حسين أسلحة، وما هي إمْكَانياتكم؟”.
تحَرُّكاتٌ خطيرةٌ للسفير الأمريكي:
قِصَصُ المجاهدين الأبطال متعددة، ولكل قصة الكثيرُ من الآلام والمآسي، وتكشف مدى قسوة النظام الخائن، ومدى ارتهانه للأمريكيين والصهاينة.
وفي هذا السياق يقول الأُستاذ حسين العياني، أحد المكبِّرين الأوائل، وأحد سجناء الصرخة: “في إحدى ليالي الأربعاء صباح الخميس، تحَرّكت أنا ومجموعة إلى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- وكان الناس يحضرون عنده، ولما وصلنا عند الشهيد القائد، وجدنا أنه كان يتحدث حول الأحداث، وحول نشاط السفير الأمريكي في صنعاء، الذي أصبح أشبه ما يكون بالحاكم الفعلي، ويتحدث عن تحَرّكاته وتدخلاته وعن نشاط السفارة الأمريكية، وتحدث حول الجوف ورازح، وأن هناك توجّـهاً أمريكياً لزرع خلايا القاعدة التكفيرية؛ ليكون مبرّراً لاستهداف الناس هناك”.
ويضيف: “بينما كنا نستمع لحديث الشهيد القائد، اتصل بالشهيد القائد أحد الشخصيات غير المعروفة لدينا، من الجوف، وقام ينصحه أن يرفع الشعار، وأنه إذَا رفع الشعار، فَــإنَّه يمثل حصانة له من أن تتهمك أمريكا بالإرهاب، فكان الرد من الشهيد القائد سريعاً، حَيثُ قال له إذَا كنت من المخابرات، بلغ الرئيس، أَو وزير الداخلية، أن حسين بدر الدين، يأتون عنده الناس، ويتناقشون حول الأحداث من منظور القرآن الكريم، وأنه لا يوجد ما نخفيه نحن، وأن تحَرّكنا ضد أمريكا و”إسرائيل”، وضد الغزو، وضد الثقافة الأمريكية والاستعمار الأمريكي، والخطورة التي نراها تواجه بلادنا”.
ويواصل العياني: “كان الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- يتحدث عن أهميّة تحَرّك الناس، ويقول الحل الوحيد الآن هو التحَرّك بثقافة القرآن وبمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وبرفع شعار الصرخة، وهذا كان كبداية؛ لأَنَّه لا حَـلَّ أمام هذه الهجمة الأمريكية، وأمام هذه المؤامرة الرهيبة والخطيرة، إلا أن نتحصن بثقافة القرآن، وبالوعي القرآني نتحَرّك، وأن نرفع الصرخة، ليفهم الأمريكي أن لدينا مشروعاً عمليًّا، والشعار فضيحة لهم وللديمقراطية التي يدعون إليها”.
ويؤكّـد العياني أن “القرآن الكريم يحصن الناس من السقوط في مؤامراتهم، وأن لا تنطلي عليهم أكاذيبهم، وأن الصرخة هي حصن حصين، ولا تقدر أمريكا أن تقول إنك إرهابي؛ لأَنَّها لا تريد أن تظهر للناس أن هذه الصرخة مؤثرة عليها، منوِّهًا إلى أنه في تلك الأيّام كان قد وصلت لجنة من أمريكا لتقنين القضاء، وقال الشهيد القائد: ما العلاقة بين القضاء الأمريكي الذي لا يؤمن، والقضاء اليمني الذي يدّعي أن مرجعيتَه القرآن الكريم، وتحدث بحُرقة قوية، وقال: لو يعرف اليمنيون حجم الاستهداف والمؤامرة التي عليهم من السفير الأمريكي ومن أمريكا، وكم هي خطيرة ومنظَّم لها تحت عناوينَ وبأقنعة متعددة، لتحَرّكوا وصرخوا بصوت واحد، لافتاً إلى أنه حتى السفير الأمريكي توجّـه إلى الخطابِ الديني؛ لأَنَّ اليمنيين يتأثرون بالخطاب الديني؛ لأَنَّهم شعبٌ ما يزالُ محافِظًا على عاداته، أما بقية البلدان، فَــإنَّ السفير الأمريكي يخاطب كُـلّ بلد بالشيء البارز فيه”.
ويتابع العياني: “تحَرّكنا في مجموعة، وكان هناك الشهيد سيدي أحمد يحيى حطبة -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- كان من عظماء المجاهدين، وكان مقدساً في الجراف، ويستقبل السجناء، ويطمئنهم برغم من ظلم الدولة وعنجهيتها، ومن الصورة المرسومة عند الناس عن سجن الأمن السياسي، وأنه لا يضر، وأنه لا شيء بالنسبة للمؤمنين الصادقين والمنطلقين في المشروع القرآني، وأن المؤمن لا يخاف إلا من الله وحده، وبعد ذلك صرخنا وكانت الصرخة مُستمرّة، وكان هناك تأييد من الله تعالى”.
كانوا في السجن –كما قال العياني- يحاولون أن يقنعونا بعدم جدوائية العمل الذي قمنا به، وأن قضية صرختنا في الجامع الكبير لا تمثل أي شيء، ولا تؤثر على أمريكا، وإنما أحدثت ضجةً وفوضى، يعني كان لديهم توجّـه بالتقليل من أهميّة الصرخة، لكن بعد أن اعتقلوا مجموعة من المجاهدين في الجامع الكبير، كان الشهيد القائد يؤكّـد أن المعركة بيننا وبين أمريكا بدأت من الجامع الكبير، وكان يحُثُّ الناس أن يتحَرّكوا ليصرخوا في الجامع الكبير.
ويضيف العياني: “قال الشهيد القائد إنه في أمريكا يطلب من الجندي أن يتحَرّك ويتحَرّك وهو يعرف أن سلطته فاجرة، ولا يسأل أين يتجه، وأحياناً لا يدري إلَّا وهو في قلب المواجهة، نتعلم منهم قضية التسليم والاندفاع إذَا سمعنا، وليس بضرورة أن تأتي القيادة توجّـهك، بل يجب أن يتحَرّك الجميع إلى صنعاء وينتبهوا ألا تكون هناك مواجهة، ولا نريد أية مقاومة على الإطلاق؛ حتى نفوِّتَ عليهم الفرصة؛ وحتى لا يقولوا طلعنا نخرّب، أَو نسوّي ضجة في الجامع الكبير، وهو مكان تتحدث عنه الصحف والإعلام؛ بمعنى أن الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- كان يحذِّرُ من ذلك”.
ويشير إلى أن “الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- كان يتحدث عن الطمأنينة، وَإذَا كان الواحد مع الله، وينطلق مع الله، وكيف يربط الباري على القلوب، وللأمانة -بحسب كلام العياني- كان الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- يقول إذَا اعتقلوا أي شخص فَــإنَّهم في التحقيقات يركِّزون على نقطتَينِ من الذي دفعك ومن الذي صرفك، وهم عارفون أن أية حركة تبني نفسها بنفسها، وتعتمدُ على الله، وعلى قدراتها وعلى إنتاجها، هذه حركة تنجح، لكن حركة تستمد نشاطَها ودعمَها من الخارج فهي مرهونةٌ في كُـلّ شيء حتى في قراراتها”.