الوسطيةُ والاعتدالُ في المسيرة القرآنية
ق. حسين بن محمد المهدي
تحمِلُ المسيرةُ القرآنية منهجَ الوسطية والاعتدال بالمستنيرة عقولُهم وبصائرُهم بهدى القرآن والذين يُعرَفون بسلامةِ قلوبهم واستقامة تفكيرهم واعتدال مناهج النظر والاستدلال لديهم والتحرّر من تحكم الهوى وسيطرة التعصب في أقوالهم وأفعالهم.
إن المنهجَ الذي يحترمُ مشاعرَ الناس وحقوقَهم ولا يجعلُ من اختلاف الأفهام والأنظار غضاضةً ولا تجريحًا سريعًا ما يتقبله الناس ويلتفون حوله ويصيرون روَّادًا للحق صادقين وعلى خُطى رسول الإسلام وَأئمة أهل البيت والخلفاء الراشدين سائرين.
الوسطية والاعتدال شعار المسلمين الصادقين (المؤمن أَلِفٌ مألوفٌ ولا خيرَ في من لا يألَفُ ولا يؤلَف).
إن أَسَاس ديننا الإسلامي الحنيف إنما هو حسنُ نية وسلامة الاعتقاد والإخلاص لله في القول والعمل.
فتكاليف الشريعة الإسلامية العملية جعلها القرآن دائماً في دائرة الوسع الذي لا إرهاق فيه ولا إعنات واليسر الذي لا عُسر معه ولا حرج (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها…).
إن التكاليفَ العملية التي جاء بها رسول الإسلام محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ليس فيها ما يصادم الطبائع أَو يتعاصى على الطاقة والوسع.
وهذا نبي الإسلام يقول: (أيها الناس: إن دين الله عز وجل يسر. قالها ثلاثًا) وفي القرآن الحكيم (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإنسان ضَعِيفاً). (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ).
إن الغلو في الدين ومجاوزة حدود التوسط والاعتدال الذي وقعت فيه بعض الفرق الإسلامية نفر الكثير عنها، وأن التوسط والاعتدال الذي تسير عليه المسيرة القرآنية جذب الكثير إليها.
إن الإسلام أراد من أتباعه أن يأخذوا من الدين بما لا يشق عليهم، وفي الحديث (إن الدين يُسْرٌ ولن يشادد الدين أحد إلا غلبه).
وأرشد الإسلام أولي العلم إلى التيسير (علّموا ويسّروا ولا تنفروا) .
إن الشريعة الإسلامية جعلت تكاليفها العملية مع تفاوت المكلفين في قدرتهم على العمل، وتطلعهم إلى الكمال، وجمعت بين العمل للدنيا والعمل للآخرة.
إن الشريعة حرّمت كُـلّ ما فيه ضرر على بني الإنسان، وأحلت لهم الطيبات (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
إن حرية الفكر واستقلال الإرادَة في وسطية واعتدال مما ينهض بالعقول إلى العمل.
إن الاتّحاد قوة ينهض بها أباة الضيم ويسعون إلى تحرير أوطانهم واستعادة مجدهم فأين المسلمون اليوم وقد احتلت أرض فلسطين وأعداؤهم من الصهاينة واليهود يتبجحون وبعض المسلمين عاكفين على عبادة أهواء وأغراض خَاصَّة (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأنفس وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى).
فإن لم يستجيبوا لهدى الله هلكوا، ومن ترك الجهاد وأعرض عن منهج الله ذل (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وفي الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به).
ولقد بالغ في النصح قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- في إطلالته على الناس عبر شاشات التلفزيون أسبوعيًّا بشأن فلسطين وبشأن إصلاح شؤون الأُمَّــة مذكِّرًا وموجّهاً وداعياً إلى الحق بوسطية واعتدال وحكمة وشجاعة وإقدام؛ فمن أراد السلامةَ والفوز والنصر فليلزم منهجه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزيُ والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.