موقفُ أحرار أُورُوبا
عبدالخالق القاسمي
سيذكُرُ التاريخُ أن مِزاجَ الشارع الأُورُوبي يختلفُ كليًّا عن رغبة الحكام هناك، ويبدو أن حالةَ الحرص على المناصب الموجودة في الوطن العربي موجودةٌ أَيْـضاً في أُورُوبا؛ لذا نرى حالة التباين بين الشعارات التي تُرفع وتدرَّسُ وبين التصرف المخالف لكل ذلك، ففي وقت يدرسون فيه حقوق المرأة والطفل والإعلام والحيوان وغيرها من الحقوق، يقمعون التظاهرات التي تخرج في بلدانهم للمطالبة بإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد طال هذا العدوان الرجال والنساء والأطفال حتى الرضع منهم واستهدف الإعلام والحيوانات وكل ما هو حي في غزة.
خرج الأحرار والإنسانيون في أُورُوبا؛ للمطالبة بصون كُـلّ تلك الحقوق وإيقاف نزيف الدم في غزة، وبعد امتصاص غضب المتظاهرين في بادئ الأمر، من خلال الوعود الكاذبة والتصريحات الزائفة رأينا بعض الذين على اطلاع بالأوضاع يخرجون إلى الساحات بدون كلل ولا ملل، بل رأينا جنديًّا أمريكيًّا يحرقُ نفسَه؛ تضامنًا مع أبناء غزة.
مؤخّراً طلاب الجامعات الأمريكية -الذين يتعلمون الحريات ويسمعون عن الحقوق بينما يشاهدون أمريكا تدعم إبادة شعب بأكمله- خرجوا للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولكن مع كامل الأسف تم قمعهم من قبل الشرطة الأمريكية، وتم اعتبار التظاهرات السلمية المطالبة بإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة معادَاة للسامية.. وكأن أصحاب هذا المصطلح لا يستحقون العداء أَسَاساً.
بل وصل الأمر أن وصف رئيسُ الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من يخرج في الجامعات من طلاب وأساتذة بالنازيين؛ بمعنى أنهم يعادون اليهود.
ومن المعروف بأن اليهود يتهمون النازيين بارتكاب مجازر بحقهم، وعلى هذا الأَسَاس استنفر الصهاينة في أمريكا واستدعوا عدداً من رؤساء الجامعات الأمريكية لمساءلتهم والاستماع إليهم، وحرّكوا الشرطة الأمريكية لقمع المتظاهرين من طلاب وأساتذة بعضهم بدرجة برفسور، وضربهم وطرحهم على الأرض وإهانتهم؛ وكل هذا بسَببِ رفضهم للإبادة الجماعية في غزة ليس إلا!
بل وقاموا بعمل سياج أمني وحاصروا الطلاب في الجامعات ومنحوهم منفذًا واحدًا، من خرج منه لا يمكنه العودة إلى مخيمات الاعتصام في ساحات الجامعات في كُـلّ الولايات الأمريكية؛ ما اضطر الأهالي إلى قذف الطعام والشراب فوق السياج لكسر حالة الحصار المفروضة على المعتصمين السلميين.
وسيذكر التاريخ أن هذا الموقف مشرِّفٌ وإنسانيٌّ دفع الطلاب والأساتذة ذوي المشاعر الإنسانية النظيفة في مختلف جامعات دول أُورُوبا، للخروج؛ مِن أجلِ التضامن مع أبناء غزة.
صحوة الضمير هذه في الجامعات الأمريكية وغيرها وهذا التحَرّك مهم لمن يعرف مستوى النفوذ وسيطرة الصهاينة على الغرب؛ فالصهيونية تسيطر على الإعلام والتعليم والتثقيف، وتسعى لتقديس “إسرائيل” وتربية الأطفال على الولاء لها.
فكان هذا الخروج الذي يتعارض مع أهدافهم وينسفها، وهذا من ثمار صمود الفلسطينيين.
وكما يقول السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي:
من المؤسف جِـدًّا ألا يكون هناك نشاطٌ بمثل هذا النشاط في معظم الدول العربية.. والصمت والجمود في أكثر البلدان العربية معيبٌ ومخزٍ ولا ينسجم أبدًا مع طبيعة الانتماء للإسلام والمسؤولية الإنسانية والأخلاقية وبكل الاعتبارات.
وأمام ذلك التحَرّك الطلابي الشجاع الذي أقلق الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته والصهاينة ويؤكّـد هذا تعاملهم بشكل قاس وعنف مفرط ضد المتظاهرين والمعتصمين في الجامعات.. تعاملوا بهمجية وقسوة ضد المتظاهرين والمعتصمين السلميين..
ونسأل الله أن يقابل التعنت الأمريكي والإسرائيلي بالمزيد من السخط والمزيد من صحوة الضمير في أوساط مختلف البلدان.
والتحية كُـلّ التحية لكل إنسان حر يأبى الظلم والإجرام في مشارق الأرض ومغاربها.