وعيُ المسلمين بالسُّنن الإلهية يُعينُهم على التحَرُّك في سبيل الله لمواجهة الأعداء
نبيل بن جبل
سُنَنُ الله في الحياة وفي طبيعة الصراع مع الطاغوت والاستكبار في مواجهة المجرمين والظالمين ثابتةٌ ومُستمرّةٌ في كُـلّ زمان ومكان لا تتبدل ولا تتغير، وَوعي المسلمين بهذه السنن يعينهم على التحَرّك في سبيل الله في مواجهة أعدائهم، والمتدبر للآيات القرآنية في قصة نبي الله طالوت في قوله تعالى: “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”.
وكذلك في غزوات الرسول (صلوات الله عليه وآله) يجد أن النصر والغلبة والتمكين (بإذن الله) كان للفئة المجاهدة القليلة، والراصد لطبيعة القلة في واقع الحياة يجد أن القلة المؤمنين في كُـلّ زمان ومكان هم المنصورون وهم الخلاصة المصطفاة والبقية المنتقاة من هذه الأُمَّــة.. هذه القلة هي التي “تقل عند الطمع وتكثر عند الفزع” ولقد تبين من خلال القرآن الكريم لتلك النماذج القليلة؛ ما يؤكّـد تفردهم وندرتهم وقلتهم فيما يتصفون به، وَإذَا طالعنا القلة التي عبرت البحر مع طالوت عرفنا إلى أي مدى تتضح فيهم تلك الصفة، فهم قلة لكنهم وحدهم هم الذين عبروا النهر مع طالوت وأدركوا واعين سنن الله في النصر والهزيمة إدراكاً عمليًّا، قالوا لبعضهم البعض في هذه الشدة والمحنة والاختبار الإلهي: لا تفزعوا من كثرة عدد عدوكم؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وفي كُـلّ زمان ومكان الخواص يقل عددهم ولكن قدرهم يكون كَبيراً ومكانتهم تكون عالية عند الله وعند خلقه وهم وحدهم الخلاصة الذين يواجهون أعداء الله بكل قوة وبسالة غير مهتابين ولا آبهين لإمْكَانات الأعداء العسكرية وَالمالية وَالبشرية والعدة والتفوق، ولا يحسبون حساب المصالح ولا تغريهم المغريات بل يمضون وبيقين تام بنصر الله ومعونته وبما عنده وما وعدهم به من استخلاف وتمكين.
والراصد لنصر المؤمنين في غزواتهم كلها يجد أنهم لم يبلغوا عدد عدوهم ولا إمْكَاناته ولا يحسبون الفارق الكبير بين الإمْكَانات التي يمتلكونها وما يمتلكه عدوهم، والمعركة الوحيدة التي حسبوا حساب الكثرة فيها وقالوا (لن نغلب اليوم من قلة) هي المعركة التي تحدث القرآن أنهم لاقوا فيها الهزيمة، ونسبها إلى هذه الكثرة المعجبة والعدد الذي اعتمدوا في حسابهم عليه.
“لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ”.
فالقليل من رجال الله وجنوده المؤمنين يفعلون ما لا يفعله الكثير من الناس ويقدمون على خطوات ومعارك في مواجهة الأعداء بما لم يقدم عليه أحد من قوى الأرض من الفئات، التي تحمل همّ المصالح وتخشى التهديدات وتغتر بالمغريات ونزعاتها متضاربة وَأهواؤها مختلفة، وسر ذلك أن القلة لها حساب آخر تحسبه وهو حساب رضوان الله وجنته ونصرة دينه والمستضعفين من خلقه وعمارة الأرض بما يرضي الله، ويجب على كُـلّ إنسان مؤمن من أبناء أمتنا العربية والإسلامية أن يعي هذه المفاهيم القرآنية العظيمة حتى لا تبهره الكثرة فتقعده عن الجهاد فيؤدي دور الحمامة التي ينظر إليها الثعبان فتنشل وتنحل وتبقى مكانها خانعة وكان بإمْكَانها أن تطير، وواقع أمتنا العربية والإسلامية اليوم ونظرتها للعالم الغربي خير شاهد على هذا، والأمة اليوم تعيش مرحلة من أصعب المراحل وأعظم مرحلة إن وعت فيها سنن الله في الكون وأمامها شواهد عظيمة في الحياة في مواجهة الاستكبار العالمي “أمريكا وإسرائيل وبريطانيا” ومن أبرز هذه الأمثلة في ظرفنا الراهن الذي تعيش على هذا الصراع بين الأقلية المؤمنة والأكثرية المنحرفة في المستويات الإيمانية والجهادية والمالية والمعنوية هو ما نشهده من جهاد حماس والجهاد وبقية فصائل المقاومة في غزة وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن الذين يقفون أمام قوة التسلط الاستكباري لثلاثي الشر والإجرام والاستكبار والغطرسة الصهيونية المتمادية في القتل والاحتلال والانتهاك لكرامة الأُمَّــة ومقدساتها، هذه القلة التي ترفض الاعتراف بما يراد للأُمَّـة أن تصل إليه من الرضوخ الكامل لقوى الشيطان ورأس الإجرام الصهيونية العالمية، وكيف تمكّنت وهم فئة قليلة في اليمن ولبنان وفلسطين، وَمحاصرون وبإمْكَانات بدائية لا تقارن بما يمتلكه العدوّ من التنكيل بقوى الطاغوت والاستكبار العالمي وإسقاط هيبة الجيوش التي لا تقهر حسب وصفهم ودوس ترسانة أسلحتها الحديثة والصمود أمام آلة إجرامها رغم الهجمة العالمية الشرسة ضدهم، وكيف يبثون بمواقفهم العظيمة وصمودهم الأُسطوري وإيمانهم القوي بالله وتمسكهم بمقاومتهم وسلاحهم الروح الجهادية والمعنوية عند كُـلّ هذه الأُمَّــة التي تختزن الكثير من الإرادَة والقدرة ولكنها غافلة عن ذلك؛ بسَببِ الانحراف الديني والثقافي.
فإذا وعت الأُمَّــة هذه الآيات القرآنية والسنن الإلهية وسيل الأحداث التي تدل على صدق وعد الله وتحَرّكت بجد وصدق وإخلاص لله فستتمكّن من صناعة تاريخٍ يشرفها ويكفر عما سلف منها من قصور في حق إسلامها وحضارتها ومقدساتها وقضاياها المصيرية.