تأمُّلاتٌ في الزحمة (٢-٢)
سند الصيادي
خلال تجوالك بين الحشود في ميدان السبعين، قد تعتقد أن العامة لا يعرفون أهميّة المظاهرات بالقدر الكافي، قبل أن تفاجأ بكمية الوعي التي تسكن هذا النموذج المجسم لشعب بأكمله فيما يتعلق بقيمة وأهميّة هذه الحشود في ميدان المواجهة، أمام الله كموقف وبراءة وجهاد، وما يحمله هذا الخروج من رسائل وأبعاد دفاعية ونفسية متعددة الآثار على كيان العدوّ.
ليس بخفيٍ أن المنهجية القرآنية الخالصة التي صدرتها ثورة الشعب الفتية، إلى جانب الكلمات الأسبوعية التي يلقيها القائد الشاب والمؤمن السيد عبدالملك الحوثي -حفظه الله- على مسامع شعبه كُـلّ أسبوع، وكما كان لها والمنهج القرآني الدافع الأكبر في خوض المواجهة العسكرية المباشرة مع العدوّ، كان لها الدور الكبير في تحفيز الدوافع الجمعية لهذه الملايين التي اندفعت بعفوية وَلا تعرف بعضها إلَّا في الساحات دون تنسيق أَو حملات تواصل اجتماعي مسبقة، يمثل القائد بصدقه وحسن سُمعته التي خبرها هذا الشعب خلال السنوات العشر “أيقونة” هذه الجموع، وسر احتشادهم وتجمعهم بلا رياح ربيعية موجهة بالمال والمغريات ولا استقطاب سياسي أَو إعلامي يحركهم.. بل بصورة تقليدية منتصرة للفضيلة التي غيبتها الحضارة والحداثة، لعمري إن هذا الشعب قادم من العصور السابقة من تاريخ الأُمَّــة ويترجم فزعة أجداده الأنصار شكلاً ومضموناً نقياً من كُـلّ ملوثات وشوائب هذا العصر.
من هذه المشاهد يستقرئ العبدُ لله الأسبابَ التي بموجبها تعرض هذا الشعب لحملات خبيثة مجندة من داخله وخارجه، شابها السخرية والنعت له بالتخلف والجهل وَالفقر وَالدونية وعدم مواكبته لمتطلبات الحضارة والمدنية والرقي، استقرأت وأنا بين الجموع عقوداً طويلة من المؤامرات المتنوعة القوالب التي هدفت إلى إغراقه في مستنقع أزماته الداخلية حتى يتوه وينهك وَيغيب عن خاطره هذه القضية وَهذا المشهد الذي يبدو به اليوم، وكم زهوت بدعاويهم عن تخلفي وجهلي وبساطة ملبسي ومأكلي وبكوني يمنياً لم تلوِّثْه العناوينُ المعلَّبة.
وأنا أغادر الساحة حرصتُ على أن أجلدَ ذاتي التي توقعت أن يكونَ الشعبُ قد سكنه اليأسُ والملل، وقبلها كنت قد عاتبت نفسي التي كانت تتمنى أن نصبح مثلَ بقية شعوب الله في الأرض بمظهرنا وحياتنا، وجاءت العقود والمراحل لتؤكّـدَ لي أن بقاءَنا على هذا الواقع حكمة ورحمة إلهية، وَفخر وشرف لا يضاهينا فيه أحد من مدن الأبراج والزجاج.